الأحد، 2 مارس 2014

أي انتقال ديمقراطي مع حكومة بنكيران:


أي انتقال ديمقراطي مع حكومة بنكيران:
المجتمع المغربي من بين المجتمعات التي شهدت عدة هزات سياسية مختلفة منذ فجر الاستقلال إلى اليوم، وقد كان الرهان والطموح، التأسيس لدولة حديثة بمقومات عالمية منسجمة مع هياكل المجتمع الدولي في كافة المجالات، وخاض المغرب في هذا عدة مخاضات من أهمها العدالة التصالحية، العدالة الاجتماعية،و العدالة الانتقالية، وهي رهانات وتحديات لم يتم الحسم معها بقدر ما تطرحه اليوم من أسئلة وإشكالات في التنزيل والتفعيل.  فكيف يمكن الحديث عن انتقال ديمقراطي في المغرب؟
المقصود بالانتقال الديمقراطي هو التأسيس لقطيعة مع عهد استبدادي تحكمي إلى عهد ديمقراطي تشاركي، ومن هنا السؤال هل حصل هذا في المجتمع المغربي؟
والجواب على هذا التساؤل يستدعي من المراقبين والمهتمين تلمس أوجه الفرق بين الحالة السياسية للمغرب قبيل الربيع العربي والحراك الشعبي التحرري للمغاربة بشتى أطيافهم وتلاوينهم، انتماءاتهم، مما سمي بحراك العشرين من فبراير 2011م حيث كان السقف المطلبي متفاوتا من مدينة إلى أخرى، فضلا عن نوع من الاختلاف في هذا السقف، هذا المخاض كان دافعا قويا لولادة خطاب التاسع من مارس الذي وصفه الكثير من المهتمين بالخطاب التاريخي والنوعي لأنه جسد في مضامينه مبدأ الفصل بين السلط وتوضيح الاختصاصات لكل الفاعلين في الحقل السياسي المغربي، ثم الإعلان عن دستور يوليوز 2011 والانتخابات التشريعية التي أفرزت فاعلا سياسيا جديدا في موقع المسؤولية وهو حزب العدالة والتنمية ذو المرجعية الإسلامية الذي يقود العمل الحكومي اليوم.

فالحالتان السياسيتان للمغرب متمايزتان ولهما طابعهما المختلف المنعكس على النظرة السياسية للمواطن المغربي، هي نظرة تغيرت بعد ضمور الرغبة في التفاعل السياسي والانتخابي قبيل الربيع، فأصبحت تتشكل تدريجيا الرغبة في معرفة المستجدات الحكومية انطلاقا من التعيين الحكومي لرئيس الحكومة وفريقه الوزاري، ومؤشر ذلك يتجلى في تفاوت أعمار المتتبعين وتخصصاتهم ووظائفهم، وخاصة الفئة الشبابية التي تعتبر عماد السياسات العمومية في مواقعها وأهدافها، ولعل هذه المتابعة من مكتسبات الحراك الشعبي والربيع المغربي (الاستثنائي) الذي مزج بين الإصلاح والاستقرار والمحافظة على مؤسسات الدولة وإن بصورة بطيئة وغير سريعة .
أكيد إذن أنه من معالم الانتقال الديمقراطي، دخول هذا الفاعل الجديد في العمل الحكومي الذي يحظى بتتبع كبير اليوم،بحيث أن حزب كالعدالة والتنمية الذي هدد في الأمس القريب  بالحل بعد أحداث 16 ماي 2003 التي لم تنقشع حقيقتها بعد، يتربع اليوم عرش العمل الحكومي ويستطيع في ظرف وجيز التأقلم مع هذا الموقع الجديد على مستوى الداخل و الخارج، أكثر من ذلك استطاع إلى اليوم احتواء وتصدي كل الهجمات المتوالية التي تستهدف الإسلاميين بالضبط لا غيرهم ضدا وسعيا للإفشال أكثر من البناء، وهو ما تجلى في المسار الرديء والكاريكاتوري الذي ذهبت فيه بعض أحزاب المعارضة التي فقدت بوصلة المصالح العليا للوطن ودخلت في الحزازات الضيقة وتصفية الحسابات التاريخية قبل السياسية.
وتجدر الإشارة إلى أن الانتقال ليس وليد اليوم، بل هو نتيجة تراكم وتحول عرفه المغرب في محطات مهمة كما هو الحال مع حكومة عبد الله إبراهيم في سنوات الستينات من القرن الماضي، أو مع حكومة التناوب في التسعينيات، أو بصدور تقرير الخمسينية مع اعتلاء الملك محمد السادس العرش، حيث تكلف العديد من الخبراء بإعداد هذا التقرير الذي حاول الاستفادة من أخطاء الماضي لاستشراف المستقبل الديمقراطي التشاركي للبلاد. نعم لا ينبغي التنكر لكل هذا بل المهم هو الاعتراف بالإيجابيات التي طبعت التحولات الكبرى التي عرفتها الدولة المغربية،من أجل الاستمرار في تدشين هذا الانتقال.

فهل يمكن التسليم اليوم مع حكومة بن كيران والقول أن المغرب يشهد انتقال ديمقراطي حقيقي، حيث أن المسكوت عنه في الأمس القريب فتح اليوم للنقاش، كما هو الشأن بالنسبة لصندوق المقاصة، وملفات الريع والفساد الإداري هذا بالإضافة إلى الرجة التي مرت بها حكومة بنكيران الأولى التي أسفرت عن خروج حليف الأمس خصم اليوم حزب الاستقلال هذا بالإضافة إلى السجال والقلق الحقيقي الذي يتوجس منه اليوم من يمتطون بساط الحداثة اتجاه دخول هذا الفاعل الجديد في الحكم. أم أن الأمر لا يغدوا أن يكون سوى جعجعة بلا طحين لحزب إسلامي أساء التقديرات في حسن نوايا الدولة العميقة في الطلاق مع سياسة التحكم. حيث يبقى احتمال تكرار تجربة التناوب التوافقي ممكنا ولو كان هذه المرة بعباءة الإسلاميين؟

بقلم:
عبد العالي الصغيري
محمد قاسمي