الاحتفال بذكرى
المولد النبوي بمكناس طقوس روحية وأبعاد اقتصادية
في كل ذكرى مولد نبوي تعرف مدينة
مكناس أجواء خاصة احتفالية يتداخل فيها البعد الروحي بالإقتصادي، الاجتماعي
والثقافي أيضا، ففي هذه الأيام حج الناس من مناطق المغرب المختلفة لزيارة الشيخ
الكامل أو الهادي بنعيسى، الذي يقع ضريحه بالمدينة القديمة بالهديم، هذا الأخير
الذي لم يتبقى فيه موطئ قدم للمارة أو أصحاب السيارات أو العربات الصغيرة نظرا
للعدد الكبير من الوافدين.
بمجرد
الوصول إلى عين المكان الذي يقصده الزوار، يلاحظ أن الضريح يتربع على عرش هضبة
تعلوا أحياء المدينة القديمة،وخلفه مقبرة، به صومعة ومكان مخصص للصلاة في الطابق
العلوي، وبهو كبير تتخلله عدة غرف في الطابق السفلي، الذي يحتضن مكان ضريح الشيخ
الكامل.داخل الضريح هناك عدد من المريدين والمريدات الذين يسهرون على تنظيم عمليات
استقبال الضيوف والوافدون بمساعدة من رجال الأمن والقوات المساعدة، كما يلاحظ أن
القادمون من أماكن بعيدة قد استعمروا كل مرافق المكان في ازدحام شديد، يلاحظ أيضا
أن طبخات المقدس تغزو المكان،(البخور، الحنا، الجاوي، الشمع، ما زهر...). ولكل يوم
زواره وطوائفه نسبة (للطيفة) حسب مريدي المكان، من الغرب، إلى الشرق ومن الشمال إلى الجنوب، بل
وحتى من خارج المغرب كالجزائر وفرنسا، إنها نداءات روحية تشد هؤلاء إلى هذا المكان
إذ يحسبون فلكيا لقدومه حسب أحد الزائرين، او كما عبرت إحدى الزائرات عن رؤية
الشيخ الكامل يقف عليها ويناديها في المنام.
عند
الدخول إلى الضريح يلاحظ أن مكان الدفن يتربع الوسط به قبة مليئة بالزخرفة والآيات
القرآنية، ويحيط به من كل الجهات حلقات من الزوار والمريدين، وفي باب الضريح مريدة
تنمع الزوار من الدخول بأحذيتهم للمكان المقدس على حد تعبيرها، في حين يضع الزوار
على الضريح الشمع و"ما زهر"، بينما أحد المريدين يجمع هذا الشمع في سلة
كبيرة. وبمجرد دخول طائفة من الطواف تسمع هتافات على هذه الشاكلة( صلاة وسلام على
رسول الله...) هذه الهتافات تغذي من روحانية وذروة المتصوفين والقاصدين ، كل ونيته
حسب إحدى الزائرات، والمثير أيضا في هذا المشهد الروحاني هو لغة الألوان حيث يمنع
لبس الأسود أو الأحمر لأن هذا اللون يثير التوتر والهيجان لدى "صحاب
الطايفة"، كذلك الخشوع والبكاء والإغماءات المتتالية عند لحظة الذروة، والمتحلقون
يهتفون (الله يبلغ مقصدهم ومرادهم..) وهناك حديث عن هدايا أيضا أو كما قالت إحدى المسنات ياتون بعماريات للشيخ و تكون يوم عيد المولد
حسب تعبيرها.
وبعيدا
عن هذا العالم الداخلي، فالعالم الخارجي يطغى عليه البعد الإقتصادي والتجاري،وكذلك
الفلكلوري الإحتفالي والشعبي، كيف لا وساحة الهديم بمكناس تزخر بفن الحلقة
و"الحلايقية" وعزز ذلك حضور فن العيطة، وعيساوة وكناوة... وما إلى ذلك
من فرق فكاهية متنقلة تلاحق هكذا مواسم. كذلك فن الفروسية أو ما يعرف
ب"التبوريدة"، التي تحفر في الزمن الغابر بدلالاتها على الفحولة
والرجولة، والمقاومة والحرب حسب تعبير الممارسين لهذه الهواية.
خلاصة
الأمر أن مكناس تكتسي بهذه المناسبة طابعا غير اعتيادي ، تعيش نوع من الإنتماء
الثقافي ولو بشكل موسمي، لكنه إنتماء شكلي لا جوهري في ظل تواجد من يرفض هذه
الطقوس الروحية التي تمارس داخل الضريح باعتبارها لا تنسجم مع مقتضيات الشريعة
الإسلامية ، والبعض الآخر ذهب أبعد من ذلك إلى اعتبار أن دعم ورعاية مثل هذه
المواسم له أبعاد اقتصادية وسياسية بالدرجة الأولى.
عبدالعالي
الصغيري
مكناس
في ذكرى المولد النبوي1435.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق