الثلاثاء، 6 مايو 2014

موقع الحب في العلاقات بين الشباب
دخلت العلاقات بين الشباب والشابات من داخل المجتمع المغربي سكة الطابع الاعتيادي، بحيث لم تعد مرئية ولا مقلقة، إلا لمن يأخذ مسافة ويتقمص دور الملاحظ والممحص لعمق التغيرات والتحولات التي أصابت قلب المجتمع في عمق مسلكياته ومؤسساته، وهذه المساهمة ستنصب حول موقع الحب كقيمة إنسانية وجدانية، عقلية في العلاقات بين الذكور والاناث هذا من جهة من جهة ثانية سنحاول الكشف عن المتغيرات التي تطبع العلاقات الوجدانية العاطفية التي تتجلى بوادرها منذ مرحلة المراهقة. فكيف يمكن تفسير نزوع الشباب إلى علاقات عاطفية باسم الحب في حين تكون المآرب والدوافع بعيدة كل البعد عن هذه القيمة الإنسانية؟
لا شك أن الحب قيمة إنسانية مثلى، لها دلالات عميقة المعاني، تحفر في الذات والروح وفي أغوار القلوب، وكلمة حب ظلت لصيقة وطابعة للمسار التاريخي الذي عرفه الانسان، على سبيل المثال لا الحصر محبة الحكمة عند اليونان التي ستختزل في كلمة فلسفة،  فخلال هذه الحقبة اقترنت المحبة بالحكمة، وكانت الحكمة مطلوب وموضع المحبة، والحكمة التي طبعت مسار الفلسفة وتاريخها تأرجحت من الميتافزيقي، اللاهوتي ثم الوضعي ..ولا زالت الحكمة تنحت لنفسها في السياقات التي تنتجها مسارات من صناعة الحب.
وتعد الحقبة الإسلامية من أكثر الفترات صناعة للحب وتوليدا له، لما جاء به الإسلام من مقاصد ومعاني تخاطب كل الجوارح والملكات، فكانت الدعوة الإسلامية تركز على قيمة الحب وجسدتها في ثلاث مراتب، الحب الأعلى، الحب الأوسط والحب الأدنى والأصل في مراتب الحب الثلاثة قوله تعالى: ((قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين" التوبة:24. فالحب الأعلى: حب الله والرسول والجهاد في سبيل الله، الحب الأوسط: حب الآباء والأبناء والإخوان والأزواج والعشيرة.. والحب الأدنى: إيثار حب الأهل والعشيرة والأموال والمسكن على حب الله والرسول والجهاد في سبيل الله. وما يهم في هذا المقام هو أن الإسلام اعترف بالحب على أنه فطرة متأصلة في كيان الانسان لا بد منه ولا غنى عنه لحكمة أرادها الله عزوجل(( فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله)) الروم:20.[1]
        انطلاقا مما سبق دعونا إذن نناقش هذه القيمة في ظل العلاقات بين الشباب والشابات وتموقعها، مفهمتها وتحويرها، أكيد أنه إذا ما انطلقا من المفاهيم المستعملة للدلالة على هذه القيمة سنكتشف دلالات وتعبيرات عميقة ثقافيا ولغويا، مثلا الكلمة العامية "كنبغيك" إذا حاولنا إيجاد مقاس لها في اللغة العربية فهي مستخرجة من فعل بغى يبغي بغاء، والبغاء يرادف الزنى وامتهان الدعارة، أما عن الكلمات الدالة على الجمال أو الاعجاب فحدث ولا حرج كلمات غريبة وعجيبة من قبيل "قرطاسة"، "قوقة"، "شنتيت"،"كتحمق".. والكثير الكثير من المدلولات التي يتداولها الشباب في الواقع المعاش أو في العالم الافتراضي.
وإذا ما أردنا توصيف وتشخيص هذه العلاقات فلا بد من فهم المعاني والدلالات التي يعطيها الفاعلون لها، ولاريب أن للعوامل النفسية والاجتماعية دور أساسي في صناعة هذا الوضع، فالعوامل النفسية الغريزية تساهم بقدر وافر في تعلق طرف ما بالطرف الآخر، خاصة إذا ما أردنا استعمال مصطلح التنشئة النفسية كعامل أساسي ومهم في التحكم في هذا المسار، ثم عوامل اجتماعية مؤثرة بقوة، بحيث أن محاكاة الشباب لأقرانهم في مثل هذه السلوكات تبدوا طبيعية في ظل وضع أصبح معه النموذج الأمثل والقدوة لمن يملك أجمل فتاة، "أجمل سيارة وأجمل "سكوتر"...لقد أصبحت العلاقات الغير معترف بها معياريا ولا أخلاقيا مرضا جنونيا أفقد بوصلة الكثير من الشباب والشبات التائهون والتائهات في مجسمات وفيروسات تأخذ شكل الحب لكن سرعان ما تكشف عن شكلها الحقيقي.أكثر من ذلك أصبح الدخول في علاقة ما رأسمالا رمزيا واستهلاكا تفاخريا بين الشباب، ومن لا يدخل هذا الغمار يشعر بالنقص وقد يحاول تعويضه.
الإشكالية المطروحة هنا هو دخول مثل هذه العلاقات في الطابع الاعتيادي وطابع الالفة، بحيث أصبحت سلوكا مقبولا اجتماعيا أو على الأقل مباحة ليس من الناحية الشرعية بل من ناحية التواطئ، فأصبح الشباب يقنعون أنفسهم على أنهم على صواب وغيرهم على خطأ باتباعهم لنماذج مثلى يصنعها الاعلام والمحيط الاجتماعي، ويجدون للأسف مبررات لذلك، إنها مبررات مليئة في الحقيقة بمقدمات الزنى. وقد يقول قائل منهم هذه العلاقة لا تتعدى الصداقة والزمالة البريئة.. هذا ما يقال ولكن من يدري من الطرفين أن الآخر لن يطور هذه العلاقة ولو من طرف واحد؟ ذلك أن اجتماع الشاب والفتاة وإزالة الحواجز بينهما وكثرة احتكاكهما يؤدي حتمًا إلى الألفة، والألفة الطويلة لابد وأن تؤدي إلى التعلق القلبي الذي يبدأ خفيفًا ثم ينمو كلما طال الزمن؛ حتى يشتد ليصبح الفراق بعدها مستحيلًا، وبهذا تتطور العلاقة التطور الطبيعي بين أي شاب وفتاة إلى أن تكون حبًا تغذيه مشاعر المراهقة ويزينه الشيطان ويساعد عليه عدم التمييز بين عاطفة الحب والإعجاب، ويكبره وتنميه متعة التجربة الجديدة.[2]
ما الذي يجعل الشباب إذن يدخل في مثل هكذا علاقات؟ أكيد أن الجواب على هذا السؤال يحتاج لدراسة ميدانية، ولكن يمكن الاستناد الى بعض الدراسات خصوصا في مجال علم النفس الاجتماعي التي تتحدث عن التفكك خصوصا في مؤسسات التنشئة الاجتماعية كالأسرة والمدرسة وجماعات الاقران، فالشباب اليوم بالمغرب يعيشون نوعا من الأنوميا بلغة عالم الاجتماع الفرنسي دوركايم، ويعيشون نوعا من اللاجدوى واللامعنى بلغة الفرنسي فرنسوا ديبي، ولهذا فالشاب يحاول اليوم أن يجد بدائل لمؤسسات افقدته الثقة وأحالت دون طموحاته وأهدافه، فلجوء الشباب لمثل هذه العلاقات يفسر الوضعية الاجتماعية والنفسية التي يعيشها الشاب أو الشابة، فالمتأمل يجد أن الشباب من هذه العلاقات يبحثون عن الراحة والتسلية وافراغ الهموم، والعالم الافتراضي اليوم يمكن أن يفسر هذا الأمر عبر ظاهرة الدردشة"الشات" التي تأخذ من وقت الشباب العمر الوفير.إن هذا الأنس الذي يبحث عنه الشباب مركب في طبع الرجل تجاه المرأة، وطبع المرأة تجاه الرجل كذلك، لأن مجالسة الرجل للمرأة ومحادثتها شهوة أساسية من شهوات الرجال تجاه النساء، غير أن الشباب بهذه العلاقة ينحرفون بهذه الشهوة عن مسلكها الصحيح الذي ينبغي أن تصرف فيه وهو (الزواج) لمن يسر الله تعالى له.أما الفتاة فإن تلك العلاقة تحقق لها مزيدًا من الشعور بالذات إذ أن ذاك يطلب صحبتها، وهذا يتمنى لقاءها، وكل ذلك في إطار من التظاهر والتجمل والتمثيل[3].

لقد أضحت هذه العلاقات تشكل اليوم الكثير من الفوضى والمشاكل منها النفسية والمرضية لدى الشباب التي تصل لدرجة الانتحار وهتك الاعراض والقتل، هذه العلاقات التي تبدأ كما يقول المغاربة "بالسمن والعسل" وتنتهي بالعلقم والطعم المر على ميزان البرتقالة المرة[4]، في هذه العلاقات التي تحمل اسم وعنوان الحب يحضر الكذب، الخداع والنفاق.. وكل المسميات القدحية حينما تكشف الحقيقة وينقشع الغبار ويتبدد الوهم، فيكشف أن الحمل الوديع لم يكن في الحقيقة سوى ذئب متنكر، وأن الوردة الجميلة المنظر ليست إلا نباتا شوكيا يلتهم من يقترب منه. كل هذا نتج عنه غياب الثقة بين الشباب والشبات، وظاهرة العزوف عن الزواج والاكتفاء بمثل هكذا علاقات، وان كان الزواج، سرعان ما يحدث الطلاق وهو أبغض الحلال.كثير من الشباب يظن وهمًا أن هذه العلاقة مع الفتيات، إنما هي ضرورة لازمة للتعرف على الطرف الآخر قبل الزواج، ويعتقدون أن الزواج سيفشل إذا لم تحدث هذه العلاقة، وللرد على هذا نقول: (إن الله أدرى بمن خلق، فقد وضع الإسلام العظيم عدة ضمانات للتعرف على هذا (المجهول)، فجعل:
الضمان الأول: القبول المبدئي وتآلف الأرواح علامة أولى (فالأرواح جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف).
الضمان الثاني: الاستخارة لإلقاء نفسك بين يدي إله ييسر لك الأمر إن علم فيه الخير وإلا صرفه.
الضمان الثالث: الاستشارة خاصة ممن رشح لك الزواج من هذا الشاب أو الفتاة ليبصرك بطباعها ويخبرك بظروف بيتها وعلاقتها بأهلها مما يجعل الصورة أوضح.
الضمان الرابع: الخطبة لتتمم هذه المعرفة من غير معصية تغضب الرب أو تجاوز للحرمات ينزع البركة.[5]

إذا ما موقع الحب كقيمة في هذه العلاقات، وإذا أردنا التدقيق أكثر فحديثنا منصب حول الحب الأوسط الذي هو طاقة من العواطف القلبية (العطفة[6]) والمشاعر النفسية،التي أودعها الله عزوجل في الانسان، ومنها تكون محبة المؤمن لاخيه المؤمن، ومحبة الولد لوالديه، والوالدين لأولادهم، وتكون محبة الزوج لزوجته، ومحبة الانسان لذوي رحمه وعشيرته، وتكون محبة الصديق لصديقه، ومحبة المواطن لوطنه ومسكنه...ولا شك أن شريعة الاسلام اعتبرت هذه المشاعر القلبية والعواطف النفسية من الحب في مرتبة الحب الشريف والعواطف السامية والمشاعر الصادقة المخلصة، لذلك جعلتها تأتي في المنزلة الثانية بعد حب الله جل جلاله وحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحب الجهاد في سبيل الله، ذلك أن محبة الله والرسول والجهاد، لا تعدلها في الحياة منزلة، ولا يدانيها في الشرف والفضل مكانة.[7]
فهل حقا المشاعر القائمة اليوم في العلاقات التي نشاهدها في شوارعنا ومدارسنا وأحيائنا يطبعها حب نقي خالص وصادق بالمعنى والمقاصد التي أصلتها الشريعة الاسلامية، أم أن الحب مفهوم قالب، كل يضع مقاسه عليه كما يريد بحيث أضحى هذا المفهوم ضائعا ودون جدوى في ظل أشكال وأنواع من الحب التي غيبت المفهوم الأنتولوجي والحقيقي للحب في المجتمع المسلم؟.
عبدالعاليالصغيري
مكناس في 23/04/2014./ الساعة:02:00.





[1]عبدالله ناصح علوان، الاسلام والحب، الطبعة الأول، دار السلام للطباعة والنشر، د.ت.ص10.
[2]شباب جنان، خالد أبو شادي، (127)
[3]محمد السيد عبدالرزاق، الشباب والحب.
[4]شريط سينمائي مغربي يتحدث عن نهاية حزينة لفتاة أحبت شخص ولم يكتب لها الزواج منه وصدمت لما راته متزوجا وجنت.
[5]شباب جنان، خالد أبو شادي، (130)
[6]من الكلمات الدالة على الحب بإحدى المناطق بالمغرب
[7]عبدالله ناصح علوان، الاسلام والحب، الطبعة الأول، دار السلام للطباعة والنشر، د.ت.ص19.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق