معركة العصف المأكول 1435 هـ
يحفل تاريخ
المسلمين بالجهاد في سبيل الله تعالى، والجهاد من أعظم الأعمال عند الله تعالى وهو
مراتب أعظمها التضحية بالنفس، ويعتبر شهر رمضان الأبرك من بين الفترات الزمنية
التي عرفت معارك كبرى وحاسمة في عدة قضايا عاشتها الأمة الاسلامية على مر العصور،
أكيد أن شهر رمضان يختزن معان وآيات لا تنبلج ولا تنجلي إلا للمؤمن العالم المتبصر
لآيات الله في الكون. تعيش مدينة غزة
الفلسطينية مجددا هجوما غادرا من طرف
الاحتلال الصهيوني الذي خلف حصيلة من القتلى، قدرت بنسبة تفوق 1700 شهيدا و ألاف الجرحى،
وفي المقابل نسجل بطولة وصمود وبسالة المقاومة في غزة في وجه هذا العدوان الغاشم
في معركتها ضد المحتل والتي أطلقت عليها " العصف المأكول" نسبة إلى آبرهة
الحبشي ومن معه ممن حاولو هدم الكعبة المشرفة في عام الفيل فجعلهم الله كعصف ماكول،
بحيث أبانت المقاومة عن عمق تمسكها وتثبتها بالقضية، لقد اجتمعت كل الكتائب
المجاهدة بمختلف أطيافها على كلمة واحدة وعلى أهداف محددة، تهدف بالأساس العدو
الصهيوني، وأحيي من هذا المنبر كتائب الشهيد عزالدين القسام، والجهاد الاسلامي
وسرايا القدس...سائلين الله عزوجل لهم النصر العاجل وأن يحفظى النساء والأطفال
والشيوخ والمجاهدين. كما نفخر أشد الفخر بالدروس والعبر التي تقدمها المقاومة
لمختلف الأنظمة العربية المهترئة والصدئة في كراسي الحكم والتي لم تحرك ساكنا إلى يومنا هذا عمليا لنصرة
الشعب الفلسطيني (قد نستثني هنا تونس وتركيا).
لقد تكالبت
كل دول الاستكبار العالمي على المقاومة، وتناسى المجتمع الدولي تصفية الاستعمار،
بل أن الهيئات الحقوقية الدولية لم تحرك ساكنا للضغط من أجل وقف هذا العدوان
الغاشم. أما عن هيئة الأمم المتحدة ومجلس الأمن فحدث ولا حرج، إنها هيئات تأتمر
بأوامر الكيان الصهيوني وأمريكا. إننا نعيش اليوم زمان نكبة الأنظمة العربية،
وليست نكبة الشعب الفلسطيني الأبي الذي قدم الدروس تلوى الدروس من خلال مقاومته
الباسلة، وصمود أطفاله ونسائه وشيوخه، إنهم بحق معجزة الله في الأرض وآية من
آياته. لقد تكالبت العديد من الأنظمة العربية على القضية الفلسطينية وفي مقدمتها
النظام الإماراتي العميل والنظام السعودي والنظام المصري، وهيهات أن تستحق هذه
الأنظمة اسم نظام، بل إنها ديكتاتوريات يصدق في حقها مثل "علينا أسود وعلى عدونا
الصهويني دجاجة". ما يقع اليوم في فلسطين الأرض والتاريخ، وغزة الإباء
والصمود هو امتحان من الله عزوجل لعباده المؤمنين، وميز منه عزوجل للخبيث من
الطيب، إنها حرب تحمل كل المعاني والمقاصد، فتارة تكشف لنا طبيعة الأنظمة العربية
المفسدة، وتارة تكشف لنا حقيقة البيت الفلسطيني الداخلي، وتارة أخرى تبين الخيار
الأنسب الذي يعرفه العدو الصهيوني، وهكذا ذواليك من درس الدرس الذي ما فتئت تنحته
غزة الصمود عبر ملامحها المستمرة.
إن كان
رهانكم أيها الخونة الخانعون سقوط غزة فغزة لا تسقط ولن تسقط، إن كان رهانكم ضحر
مشروع المقاومة والممانعة فلن يتم الأمر لكم، إن كان تنظيم الإخوان المسلمين يرهبكم،
فمهما تقتلون من الأفراد فلن تستطيعوا إجهاض واقتلاع الأفكار والمنهج والخيار. فلا
للمساومة بدماء المسلمين والمؤمنين الذين صدقوا ما واعدوا الله عليه. إن كل عتاد
الكيان الصهيوني لا يخيف ولا يرهب، فإن قتلوا الرجال والشيوخ والأطفال والنساء،
فالله خير المجيرين والرازقين. وستظل غزة وفلسطين عموما محضنا ومنبعا لتخريج
المقاومين للمحتل الصهيوني.
إن ما تخافه الأنظمة
العربية هو أن تلقى نفس مصير العراق أو أفغانستان لو تحركت أو ناصرت القضية، إنها
تفكيرات جيوستراتيجية مادية دنيوية قصيرة المدى ، تبين بالملموس حجم الشتات
التفرقة بين هذه الانظمة، التي انقسمت وتجزءت بين المعسكر الشرقي والمعسكر الغربي،
ومعسكر المصالح. فهل ميزان القوى العالمي هو الذي يفرض على هذه الدول اتباع هذه
السياسات، أم أن الأنظمة نفسها معاقة ومقعدة تحتاج إلى من يفجر ركودها. وشتان بين
الأنظمة العربية ومواقفها وبين مواقف دول أمريكا اللاتينية، وتركيا وتونس المشرفة،
التي تبين في الحقيقة الانظمة ذات السيادة والاستقلال والأنظمة المقادة المقعدة
والتابعة.
لقد خرجت الشعوب من كل
أنحاء العالم تندد بالمجازر التي يرتكبها العدو الصهيوني (مجزرة حي الشجاعية، رفح،
خان يونس..)، وللقضية الفلسطينية طعم خاص لدى الشعوب فيا ترى ما السر في ذلك،
ألأنها البقعة الاستثناء التي تعيش تحت هذا النوع من الاحتلال أم لقداسة المكان، فياترى
متى تنوجد الإجابة. و هل لخروج الشعوب اليوم من خلال الاحتجاج السلمي نفع وتأثير فعلي، أم أن
الأنظمة العسكرية ألفت نعومة هذا الأحتجاج وموسميته التي لا تسمن أوتغني من جوع.
إن السيل قد بلغ الزبى
لما يقع في فلسطين وغزة، والتعويل على أنظمتنا المهترئة لم يعد مجديا، إنها أنظمة
وضعت لتسوس سياسة الغرب الاستعمارية والامبريالية بأشكال ومسميات تحت غطاءات
مختلفة من بينها التنمية وتطوير الاقتصاد، جاعلة الشعوب العربية فاقدة للبوصلة
وأقحمتها في فوضى ثقافية، وفي تبعية استهلاكية، مدمرة كل سبل الإبداع والانتاجية
والعطاء والفكر. إنا أمتنا اليوم في حاجة ماسة إلى ربيع في جولته الثانية لجرف كل
الشوائب والمعيقات التي تعرقل نهضة أمتنا وتحرر عقولنا وسيادة أوطاننا.
لك الله ياغزة، لك
الله فلسطين
عبدالعالي الصغيري
رمضان 1435.