الاثنين، 12 ديسمبر 2016

رقصة الشمس في ذكرى المولد النبوي



رقصة الشمس في ذكرى المولد النبوي
عبدالعالي الصغيري
باحث في الأنتروبولوجيا
تكتسي ذكرى المولد النبوي بالمغرب طابعا خاصا، سواء من حيث الاحتفالات التي تقام بمناسبة هذه الذكرى أو من حيث الطقوس الأنتروبولوجية التي يتدخل فيها أو ينتجها عدة فاعلين من زوايا ومساجد وجمعيات وكذلك أعراف وتقاليد؛ وتأتي هذه المساهمة من أجل تسليط الضوء على بعض الطقوس الأنتروبولوجية التي تتخلل هذه الذكرى بمنطقة الجرف اقليم الرشيدية كحالة، من أجل وصف بعض المشاهد والتعبيرات الرمزية في هكذا مناسبات.
في مناسبة ذكرى المولد النبوي ببلدة الجرف، تحرص الأسر على خلق أجواء احتفالية، عبر إعداد خلطات من طبخات المقدس التي تسم هذه المناسبات، كوضع الحناء في يد البنات، وتمرير "البخور" و"الجاوي"..، في مختلف مرافق البيت والزقاق، كما يتم تزيين الأطفال الصغار بأحلى وأجود الثياب، كما يستمتع الأطفال من الذكور بلعبة مشهورة على المستوى المحلي يطلق عليها إسم "فرفارة"  وهي عبارة عن مروحية من الورق مثبة على قصبة في طول 80 سنتمترا إلى متر واحد.
يلعب الأطفال الصغار بهذه اللعبة ويتسابقوا في الجري في الأزقة والشوارع حتى تحوم المروحية، ويدخل هذا الطقس في نفوسهم البهجة والسرور، أما الكبار فيتبادلوا الزيارات وصلة الرحم، كما تتضلع الزوايا بمجالس من المديح والسماح وتلاوة القرآن والأمر نفسه ينطبق على المساجد، أما الجمعيات فتقيم مهرجانات احتفالية تتخللها مسابقات ثقافية في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، وأمداح نبوية وتلاوات قرآنية لطلبة دور القرآن.
يثيرنا أيضا في هذه الطقوس، ذلك الطقس الذي يتسابق إليه سكان البلدة في الصعود باكرا إلى أسطح المنازل وأعلى نقط فيها، لمراقبة الشمس عند طلوعها، بحيث يعتقد الساكنة أن الشمس ترقص في شكل دائري ومتوهج مشع عند حلول  ذكرى المولد النبوي، ويطلقون عليها إسم "عوينة الشمس"، ويمثل الأمر في المخيال الجمعي ذلك النور الساطع الذي انتشر مع ميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم، وعم البشرية بالنور والضياء. في هذا الإطار تقول إحدى ساكنات البلدة " كنا ننتظر ذاك اليوم بشوق وحرارة، نعد الدقائق والثواني المتبقية حتى يصبح الصباح، وما إن توشك الشمس على الشروق، حتى تسمع زغاريد النساء من أعالي سطوح المنازل...والأطفال مذ ذاك الوقت الباكر على غير عادتهم يترقبون تلاوين الشمس المتوهجة، فتجد أحدهم يقول لقد رأيتها احمرت، بينما الآخر يقول اصفرت، أما الثالث فيقول لا وإنما أراها تبتسم...لقد استيقظت مرة وحاولت أن أرى ما يرون لكني لم أرى شيئا، رغم أن ابنة عمي وابن عمي رأوا تماثيل صور، ووو، وحينما أقول لهم لم أرى شيئا يقولون: تعالي مكاني وسترين، ورغم ذلك لم أوفق،.. حقا كانت طفولة بريئة ترى ما لا يراه الكبار..
في جو تغمره الفرحة نستيقظ وأيادينا مخضبة بالحناء، نرتدي أحسن ما نملك من الثياب نحمل مروحياتنا الورقية المسماة "الفرفارة"، ونجوب شوارع القصر وكلنا فرح وسرور نردد كلمات جميلة" فرفارتي فرفارتي فرفارة الميلود" ياليتني أعود صغيرة حتى أفرح كما كنت أفرح فرحا حقيقيا[1]".
هكذا يحضر طقس رقصة شمس المولد النبوي في مخيال ساكنة بلدة الجرف؛ طقس مليء بكثير من المعاني والدلالات التي تحيل إلى النور والضياء وإشراقة فجر جديد تتجدد معه بواعث الأمل ومعاني السعادة في اتباع خطى الحبيب المصطفى عليه أفضل الصلاة والسلام.





[1] و.م.طالبة باحثة بجامعة مولاي اسماعيل بمكناس.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق