الأحد، 25 مارس 2018

تقرير عن ندوة المثقف و المجتمع بمكناس




مُساهمة  sghiri abdelaali في الجمعة أغسطس 10, 2012 -10:31

مكناس في 15/16 نونبر 2011 

نظمت شعبة علم الاجتماع ملتقى علميا في ذكرى رحيل الاستاذ عبد السلام حيمر ، هذا الملتقى استمر لمدة يومين وشهد حضورا مكثفا من الجمهور السوسيولوجي ، الذي اختلفت شرائحه بين طلبة و اساتذة باحثين ابو الا ان يشاركوا في هذا النشاط العلمي استمرارا للرغبة الجامحة منذ السنة الماضية في كسر هاجس التواصل و خلق جو المقارعة الفكرية و العلمية خصوصا بين الطلبة و الاساتذة ، ونظرا لقيمة الاستاذ المحتفى به ، وما حققه من انجازات علمية و فكرية اقحمته بدون شك في شباك المثقفين ، باعتبارهم الطليعة الاولى للكشف عن خبايا و خفايا المجتمع المغربي ضمن ما يعرف بحرفة السوسيولوجيا، لهذا اختير لهذا الملتقى العلمي كعنوان عريض " المثقف و المجتمع".

هذا العنوان الذي يختزن في سردابه الكثير مما يقال و يناقش ، حول المثقف و علاقته بالمجتمع ، دوره و تاثييره ، موقعه من داخل المجتمع...
ما دمنا اليوم نتحدث عن التغيير الذي هب مع ربيع الثورات العربية ، وضع للجلسة الاولى عنوان "المثقف ،المجتمع و التغيير الاجتماعي" اذ تناول ابن وجدة كاول مساهمة له محاولا تقديم مقاربة حول النخبة المغربية المثقفة وموقعها في قلب التحولات الجارية. و قد تساءل المتخصص في دراسات البنيات التقليدية و المولوع (بالابستمولوجيا ) عن كيفية تعاطي المجتمع مع المثقف ؟ وماذا يقول سكان المجتمع عنه...
لكن الوجه الجديد و المثير للجدل بكلية الاداب و بشعبة السوسيولوجيا حاول بشكل موفق و قبل كل شيء مقاربة " الثقافة و المجتمع "، وله الحق في ذلك. ومن الجارة الجزائر اثارت وجهة نظر جزائرية إشكالية " النخبة المثقفة و التحول القيمي في الجزائر ، في اطار دراسة على عينة من اساتذة مستغانم".
ان الحديث عن المثقف لن يجعلنا ننفك من ربطه بالسياسة ، وهذا ما جعل الساهرين يعنونون الجلسة الثانية ب "المثقف و السياسي" والتي استهلها صاحب الوزن الثقيل في المدرسة العليا للاساتذة بعنوان يكاد يغدو غريبا لكنه في الصميم ، هو "المثقف و لسعة السياسة" . و فجاة يظهر الرجل الهادئ الرزين و المكن للجابري بالاعجاب ليقارب مسالة المثقف و المجتمع من خلال كل من الجابري و ابن رشد والتقاطع الكبير بينهما في انتاج نفس المسار العلمي و الفكري.
لكن ، و من دون شك فعنوان " سلطة المثقف" ، كسر طول الغياب و الحنين لاستاذة بجامعتها السابقة و طلبتها الذين يبادلونها نفس الشعور، من قلب اكادير الى قلب مكناسة الزيتون.
اما الجلسة الثالثة ، فعنونت ب " المثقف بين العلم و الالتزام ، ليستهلها الانتروبولوجييين و المولوعون بالميدان ضمن مقاربات منهجية و ابستمولوجية في بناء البحث العلمي و الالتزام المنهجي.
الا ان ابن باجا عادت له الحياة ، وكان حاضرا بيننا اليوم وفق العنوان " من تدبير المتوحد الى تدبير المدينة او بعبارة اخرى في نقد الحياة الاجتماعية و السياسية عند ابن باجة".
وقبل الجلسة الاخيرة و الختامية اكتست الجلسة الرابعة عنوان " المثقف ، النخبة و الاصلاح "، ليتساءل احدهم عن النخبة و سؤال التحديث . وله ذلك.
ومرة اخرى يحضر البعد الروحي و السلطة الروحية كضامن لاستمرار السلطة الزمنية بعبارة اوكست كونت ، اذ ناقش عضو الجمعية المغربية لمدرسي الفلسفة "المثقف و الاصلاحالديني " .و غير بعيد عن هذا ومن فضاء الابحاث و الدراسات في العلوم الاجتماعية و الانسانية تم الاستفسار عن "تطور اهتمامات المثقفين في بلدان شمال افريقيا ، و ذلك في ضوء التحولات التي شهدتها الساحة السياسية خلال العقود الاخيرة ". ليثار مجددا اشكال " المثقف و التغيير " لكن هذه المرة من العاصمة الرباط.
اقتربت النهاية و ضقت الجلسة الخامسة ناقوص الخطر ، فلبست حلة لازالت تغلي ألان في سوريا و اليمن والبحرين... انه " المجتمع العربي في زمن الثورات" .
ليستهلها صاحب ماستر الجريمة و المجتمع ، بعنوان يتداخل بشكل كبير مع الشق العام للجلسة ،وهو "الديني و السياسي بالمغرب : مساهمة في الاقتصاد السياسي للمقدس ، وطرحه هذا يبقى مشروعا ، ومن يدري لعل الاستثمار السياسي للمقدس هو الذي احال دون توجه الحركات الاحتجاجية بالمغرب الى مسار قد يهدد استقرار البلاد.
الا ان ابن القرويين اعتبر ان الربيع العربي اليوم ادهش الجميع بما في ذلك الغرب ، فالثورات كان لها خصم واحد هو الحاكم ، كما انها وضعت لها اولويات مكنتها من تجاوز ما هو ايديولوجي لافساح المجال لما هو ثقافي موحد بين الجميع.
الا ان المهتمين بعلم الاجتماع السياسي اعتبروا ان ميلاد هذه الثورات لم يبدأ اليوم بل هو حصيلة لنضالات سابقة توجت بهذا الحراك الاجتماعي الذي اعاد الاعتبار للهوية و الثقافة العربية في ظل فضاء عام مشترك تجمعه العديد من الخصائص و القواسم المشتركة.

اتت لحظة النهاية ليكرر رئيس شعبة علم الاجتماع مقولتة الشهيرة "إذا عدتم عدنا"، شاكرا بذلك جميع الحضور و المساهمين في انجاح هذه المحطة العلمية.


إعداد : عبدا لعالي الصغيري






الاثنين، 5 مارس 2018


 

سوسيولوجيا المأسسة والإدارة والتنظيم


1-مقاربات في مفهوم المأسسة:                           

تهتم المأسسة Institutionalism كظاهرة إدارية بدراسة الكيفية التي تتشكل فيها الممارسات الإدارية والتنظيمات المرتبطة بها على اختلاف انواعها، كما تُعنى بدراسة العوامل والأبعاد المشكلة لها أو التي تساعد في تشكلها عند تحليل وتفسير هذه الممارسات والتنظيمات . ويبرز فيها تسليط الضوء على كيفية تفاعل منظمات الأعمال والمؤسسات مع بيئاتها المتعددة.
ويعتبر مفهوم المأسسة من المفاهيم ذات الأوجه المتعددة والمتداخلة نظراً لاشتراك عدد من الحقول المعرفية مثل علم الاجتماع، وعلم الاقتصاد، وعلم السياسة، والدراسات التنظيمية، وغيرها، في طروحاتها ونظرياتها،  اذ هناك تداخل وأحياناً تضارب بين هذه الطروحات والنظريات.20
ولقد ترتب على تعددية نظريات المأسسة وتداخل طروحاتها عدم إمكانية توظيف مدخل نظري شمولي للمأسسة في الدراسات التنظيمية، وكذلك صعوبة تطوير مقاييس محددة يمكن توظيفها من أجل قياس مدى تمأسس الظاهرة الإدارية والتنظيمية ميدانيًا. مما جعل العديد من الدراسات تلجأ إلى اعتماد مؤشرات قابلة للقياس منبثقة من الممارسات الإدار ية أو الجوانب التنظيمية ذات العلاقة من أجل الاستدلال على المأسسة من خلالها. (.Zucker & Tolbert ،1996)
ويرجع الاهتمام بالمأسسة إلى علماء بارزين من أمثال عالم الاجتماع المعروف دوركايم(Durkheim ) الذي اطلق على علم الاجتماع "علم دراسة المؤسسات ". كما ساهم في إ براز مفهوم المأسسة عالم الإدارة المعروف "ماكس فيبر Max weber  1947" الذي افترض توفر سمات مجتمعية محددة تعكس اتجاهات مستقرة (أو مُمأسسة) مثل: العقلانية بمفهومها الواسع الذي يعني الابتعاد عن التقليدية، والرسمية التي تعني فصل العام عن الخاص، والنفوذ الشرعي الذي تقره المؤسسات المجتمعية ذات العلاقة، افترض توفرها كشروط لنجاح الممارسة الإدارية وفق النموذج البيروقراطي المثالي الذي طوره .
 كما يعتبر الباحث الأمريكي (سيلزنيك  ( 1949 Selznick, وكما ورد في دراسة ديماجيو وباول(  ( 1991 ; DiMaggio & Powellمن اوائل الباحثين الذين بينوا ميدانيا  كيف أن السلوك التنظيمي يحتكم لمظاهر مُمأسِسِة معينة كما جاء في دراسته المعروفة "سلطة وادي تينيسي" والتي بيّن فيها كيفية ترسّخ (تمأسس) الممارسة الإدارية لسلطة الوادي متأثرة بالأنظمة والتعليمات الحكومية ذات العلاقة ، مع أن ذلك يتعارض مع اهداف تلك السلطة المهنية. بينما يُعتبر مير وروان ((Rowan&Meyer ;1977      من الباحثين الأوائل الذين بينوا كيفية تأثير الأبعاد المجتمعية على التنظيم ميدانياً وفق ما أصبح يعرف بالمأسسة الجديدة .Neoinstitutionalism
وارتكزت العديد من الدراسات الحديثة في المأسسة على مساهمات مفكرين مثل بيرجر ولوكمان (1967 Berger & Luckman ; ) ،الذين تمكنوا من خلال توظيفهم لمفهوم الظواهرية " (Phenomenology) في سياق الدراسات ذات العلاقة من إبراز فكرة أن الممارسة أو إعادة إنتاجها كنمط سلوكي تنبثق من التفاعل المتكرر في التنظيم .وعليه، تتم ممارسة الأنشطة التنظيمية على أساس مسلم به، مما ساعد ذلك في تحديد أدق لمدى تأثير الأبعاد المجتمعية ذات العلاقة على الظاهرة التنظيمية بعد أن كانت تتخذ الطابع العمومي في الدراسات ذات العلاقة 21
وارتبط الاهتمام المعرفي الأكثر حداثة بالمأسسة المرتبطة بالدراسات التنظيمية بالمأسسة الجديدة والتي برز فيها باحثون من أمثال سكوت Scott،  وروان Rowan ،Zucker وزكر ،Powell وباول،Jepperson وجيبرسون ،Meyer ومير ، DiMaggio وديماجيو وغيرهم . ولقد عكس ذلك توجهات جديدة في البحث ،المأسسي القائم بشكل رئيسي على تبيان وتفصيل مدى تأثير العوامل المجتمعية باختلاف أنواعها، وبتداخلاتها المتشابكة على الممارسات الإدارية في المؤسسات ومنظمات الأعمال، وكذلك أيضاً الكيفية التي تتشكل فيها هذه الممارسات والتنظيمات المرتبطة بها على اختلاف أنواعها مستجيبة للمؤثرات المجتمعية العديدة ،( مثل دور كل من الدولة والاتحادات المهنية ومنظمات الأعمال في نفس القطاع ).
ولقد تم ذلك على أساس التفريق بين البيئة المؤسسية التي تعكس المجتمع، والبيئة التقنية التي تعكس التنظيم، وبالتركيز على أن التنظيم ليس مقيداً فقط بالبيئة الاقتصادية والتكنولوجية.
وبسبب الوزن الكبير الذي اولته المأسسة الجديدة المرتبطة بالدراسات التنظيمية ، التي ترتكز بشكل رئيسي على مساهمات علم الاجتماع بالبعد المجتمعي واعتبارها بشكل أساسي أن الظاهرة التنظيمية تنحو لأن تكون متشابهة بفعل تأثير القوى المؤسسية المجتمعية، كما يجسّد ذلك مفهوم ما يدعى تشابه التشكل البنيوي  (structural,ismorohism) ، تم انتقادها من قبل العديد من الدراسات اللاحقة التي رأت ضرورة إيلاء المأسسة العقلانية rationalized instituionalism والخيارات العديدة المتاحة من خلالها، والتي ليس من الضروري أن تتقيد بالسياق المجتمعي العام، الدور الذي تستحقه في تشكل الممارسة الإدارية . وهكذا، ووفقاً لطروحات الاتجاه الناقد يساهم كلاً من البعدين المجتمعي والعقلانية في مأسسة الممارسات الإدارية والتنظيمات المرتبطة بها.

اذن فبحثنا المعنون "بالعمل الجمعوي بالمغرب اشكالية المأسسة و رهانت التغيير الاجتماعي" يثير اشكالية المأسسة ، انطلاقا من الاهمية المتزايدة في البحث الاداري و التنظيمي المعاصر ، لذلك فالسوسيولوجي هو الاخر مدعو بقوة للبحث في هذا الاشكال خصوصا في ظل ما يعرف بسوسيولوجيا التنظيمات ، كل هذا في افق ابراز العلاقة التفاعلية بين المنظمات وبيئاتها في البحث و الدراسة (هنا في البحث سنتحدث عن منظمات المجتمع لمدني).
كما ستمكننا المعالجة البحثية المنطلقة من المنظور المأسسي من امكانية تناول الممارسة الادارية و التنظيمية على اساس ديناميكي ، أي معرفة مدى تحول هذه الممارسة و انتقالها من وضع لاخر عن طريق البحث الميداني ، وتاتي هذه الدراسة في اطار تتبعنا للاستراتيجيات والتوجهات البحثية المتعلقة بالممارسة الادارية و التنظيمية التي نهجتها الدولة المغربية ، والتي كانت ترمي غالبا الى تطوير هذه الممارسة و تحديثها ، وتحويلها ، ونقلها من وضعها التقليدي الاقل تطورا الى وضع اكثر حداثة و عصرنة ، أي انها ترمي الى مأسسة هذه الممارسة بناء على اسس و قواعد و اطر قائمة على الطرح الاداري و التنظيمي الاكثر تقدما و تطورا.
بالمقابل فان المعالجة البحثية للموضوع من المنظور المأسسي ستمكننا من تركيز الاهتمام على الكيفية التي تتفاعل فيها  هذ المنظمات والجمعيات مع بيئاتها التي تعكس مفهوم النظام المفتوح في التنظيم .

2- المأسسة : الخصائص و الاشكال:

من بين التعريفات الدالة على المأسسة وعلى اشتقاقاتها تلك التي أوردها جيبرسون (jepperson ,1991)، فوفقا له تعرف المؤسسات Institutions  بأنها برامج و قواعد منظمة مبنية اجتماعيا يعاد انتاجها او تشكلها بشكل روتيني ، وتعمل كركائز مقيدة نسبيا للبيئات ذات العلاقة، وتكون مرتبطة باعتبارات مسلم بها"
اما التمأسس Institutionalization او Institutionalizing ، فيوضحه على انه الصيرورة التي يُستدلُّ من خلالها على معنى المؤسسات . ولهذه الصيرورة ذات المظاهر المتعددة والمتنوعة مستويات مثل المحلي والعالمي، ودرجات تعكس مدى تجذّرها أو التسليم بها، ومسالك مثل المنظمة الرسمية والثقافة والنظم الضابطة.
والمأسسة Institutionalism كمنهج دراسي متمايز في الدراسات التنظيمية وفقاً لجيبرسون (Jepperson, 1991) عبارة عن "الاستراتيجية النظرية التي تسعى إلى تطوير وتطبيق الأساليب التي تُمكّن من تفسير ودراسة المؤثرات والمسببات المُفضية الى تشكل المؤسسات( اومنظمات الأعمال كأحد مظاهرها) والممارسات فيها.
ومن أهم خصائص المأسسة كما تضمنتها الأدبيات (على سبيل المثال،(1991 Friedland & Alford ،Scott 1991 Tolbert & Zucker, 1996; DiMaggio & Powell, 1991) ما يلي : أنها لا تعتبر نظرية متكاملة قائمة على طروحات وافتراضات محددة قابلة للتحقق، إنما بالإمكان الاستدلال عليها من خلال ما يسميه "بوازو(boisot ;1996) تحوّل الأنموذج . ومن خصائصها أيضاً أنها صيرورة تتجسّد من خلال النظم أو البرامج الاجتماعية أو القواعد أو الكتب المخطوطة أو الطقوس أو الأذونات أو الاعتبارات أو الروتين، وغيرها، ذات العلاقة. وأنها صيرورة نسبية تتحقق بدرجات متفاوتة ويمكن التدرج فيها وزيادة وتيرتها (اوتخفيضها) ، أو إعادة تشكلها. وأنها صيرورة مزدوجة تعكس حرية التصرف والضوابط المُقيدة لهذه الحرية في آن واحد . ومن خصائصها أن الإلمام بها يتطلب التفريق بين ما هو مُمأسس وما هو غير مُمأسس من الظواهر ذات العلاقة . وأنها تتداخل مع العديد من المفاهيم المرتبطة بها مثل المنظمة الرسمية والسياق الكلي والثقافة . وأنها ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالمنظمات الأقدر على تجسيد الواقع المجتمعي والتي تعمل كمجال لقياس التأثيرالمجتمعي على سلوك الافراد.
ووفقاً للأدبيات ذات العلاقة، تشمل الأشكال الرئيسية للمأسسة ثلاثة أنماط هي: المأسسة القسرية coreicive التي ترتبط بالتشريعات والأنظمة والقواعد التي يتم سنُّها، والمأسسة المُقلِّدة memetic التي ترتبط بتبني تشكلات تنظيمية محددة من قبل بعض المؤسسات (أو المنظمات ) مشابهة لغيرها من المؤسسات أو المنظمات، والمأسسة المعيارية normative التي أكثر ما ترتبط بالحرفية( أو المهنية)  ومعاييرها وشروطها.
3- المداخل النظرية الرئيسية للمأسسة : استناداً إلى الأدبيات ذات العلاقة، بالإمكان تصنيف هذه المداخل من زاوية الدراسات التنظيمية إلى مدخلين رئيسيين متعارضين هما: الأول مدخل إبراز تأثير دور البيئة ونظمها المؤسسية الرئيسية على المؤسسات والمنظمات والقائل بأن السلوك التنظيمي وممارساته هي نتاج ترتيبات إدارية مستقرة تؤدي أمور اً مثل القواعد، والطقوس، والحسابات والاعتبارات والاذونات، والكتب المخطوطة، والروتين، وغيرها، أدواراً أساسية في تشكله. ويتقاطع هذا المدخل مع نظريات ونماذج أخرى ذات علاقة مثل نظرية الاعتماد على الموارد (Resource Dependence) ونظرية الوكالة ( Agency).22
والثاني مدخل المدرسة الثقافية والعقلانية الاقتصادية القائل بأن السلوك التنظيمي وممارساته هي نتاج نظرة عقلانية وقيم متجذرة تلعب القيم والاعتقادات دوراً رئيسياً فيها بغض النظر عن الترتيبات الإدارية المستقرة ويتقاطع هذا المدخل مع نظريات ونماذج أخرى ذات علاقة مثل نظرية كلفة الصفقة ( Transaction Cost)  ونظرة الموائمة البنيوية (Structural Cost).23
وتجدر الملاحظة بأن مثل هذا التصنيف يبقى فضفاضاً نظراً لطبيعة موضوع المأسسة ذات الأوجه المتعددة والمتداخلة مع حقول أخرى . ونظراً لشمول كل مدخل على مدارس عديدة كل منها له طروحاته ونماذجه ونظرياته المستقلة، كما تجدر الملاحظة بأن هناك اختلافات وآراء متباينة في الطروحات والافتراضات ذات العلاقة بالمأسسة حتى بين أصحاب المدخل (أو المدرسة ) الواحد. وأن المتغيرات ذات العلاقة بالدراسة والقائمة على التحليل المأسسي قد تشكل سبباً ونتيجة في الوقت نفسه . ويُعبِّر سكوت (Scot,1987) أحد المساهمين الرئيسيين في حقل المأسسة الجديدة عن هذه التعددية المتباينة بالقول "بأنه إذا ما أراد باحث ما تبني المدخل المأسسي في دراسته فعادة ما يُسأل أي صيغة من الصيغ ستعتمد".
وعليه، فإن الدراسة المتفحصة والمنصفة لموضوع المأسسة تتطلب تناولها من زوايا ومنطلقات وافتراضات عديدة حتى يتم الالمام بأوجهها المتعددة والمتباينة، وحتى يتم تكوين قاعدة معرفية يُطمئن لها ويُستند عليها.24
 صيرورة المأسسة وأنماط تغيرها : تحدد الباحثتان "تولبرت" و "زكر" (Tolbert&Zuker,1996) صيرورة المأسسة بثلاثة حالات ترتبط كل منها بمرحلة تمأسس محددة، وهي : حالة التعوُّد habitualization  التي تقترن بتطوير أنماط سلوكيات حل المشاكل التي بدورها تقترن بمحفزات محددة . وترتبط هذه الحالة بمرحلة ما قبل التمأسس .pre-institutionalizaion ومن أهم مزاياها التجانس في سمات المتبنين لها، وان انتشارها يرتكز على المأسسة المُقلِّدة، وأن التباينات في ممارستها تكون عالية، وأنه قد يعتري بناءها معدل فشل عالي أيضاً.
والحالة الثانية هي المادي المحسوس objectification المقترنة بتطوير معاني اجتماعية مشتركة عامة ذات علاقة بالسلوكيات التي تعتبر ضرورية من أجل غرس الفعل بسياقات لها مدى أبعد من نقطة أصل السلوك أو بداية تكوينه . وترتبط هذه الحالة بمرحلة شبه التمأسس  .semi-institutionalization وأهم مزاياها أن سمة التنافر هي التي تُجسّد المتبنين لها، وان انتشارها يرتكز على كل من المأسسة المُقلِّدة والمأسسة المعيارية، وأن معدل التباينات في ممارساتها متوسط، وأن معدل الفشل في بناءها متوسط ايضا.
أما الحالة الثالثة فهي حالة الترسّب (او التجذر) sedimentation التي تقترن بالصيرورة التي يتطلب الفعل فيها وضعاً خارجياً ( برانيا) ،exteriority والتي تعرفها الباحثتان بأنها الدرجة التي تُختبر فيها التمثلات السلوكية  typifications وكأنها حائزة على الحقيقة بحد ذاتها التي تواجه الفرد كحقيقة خارجية مُلزمة له . وترتبط هذه الحالة بمرحلة المأسسة الكاملة .full institutionalization وأهم مزاياها ان سمة التنافر، وكما هو في حالة المادي . وأهم مزاياها إن سمة التنافر، وكما هو في حالة المادي المحسوس، هي التي تُجسّد المتبنين لها، وأنها ترتكز في انتشارها على المأسسة المعيارية، وأن التباينات في ممارساتها وكذلك معدل الفشل في بناءها منخفضين.
وتتقاطع حالات صيرورة المأسسة هذه مع مداخل التغير المأسسي institutional change التي يُصنّفها جيبرسون (Jepperson,1991) في أربعة أنماط هي : الأول، التشكل المأسسي instituational formation الذي يرتبط بإيجاد مخرج لأنماط السلوك أو الممارسات غير المُعاد بناءها أوتشكلها أو تلك الناجمة عن الأنماط  السلوكية المُعاد بناءها أوتشكلها بناءً على الفعل المقصود والموجه، كمأسسة الفرد لذاته . والثاني، التطوير المأسسي institutional development الذي يمثل حالة استمرارية التمأسس : أي التغير من خلال شكل تمأسسي معين كمأسسة المواطنة . والثالث، اضعاف المأسسة، deinstitutionalization الذي يُمثّل مخرجاً للمأسسة نفسه نحو إعادة تشكل الممارسة من خلال أنماط السلوك غير المُعاد تشكلها، كتفكيك مأسسة الجندر المتعلقة بأدوار الجنسين . وأما الرابع فهو إعادة المأسسة  reinstitutionalization الذي يُمثّل مخرجاً من حالة تمأسس معينة ودخولاً في حالة تمأسس أخرى تحكمها قواعد أو مبادئ مختلفة، كمأسسة العلمانية وتحوّل الفكر الديني في المجتمعات الغربية.

4- نقد المأسسة :

    تتمثل أهم الانتقادات الموجهة إلى المأسسة المرتبطة بالدراسات التنظيمية بتلك التي وجهتها إليها  المدرسة العقلانية الاقتصادية والتقنية المعارضة  , Kallinikos&Hasselbtadt , 2000; Kondra &Hinings, 1998))  والتي تشمل الآتي : حتمية المأسسة institutional determinism والمتعلقة بإيلاء المأسسة الدور الأكبر في تشكل السلوك والممارسات التنظيمية المرتبطة به إلى المؤسسات والنظم المجتمعية الرئيسية مثل دور الدولة وأجهزتها والرابطات المهنية ومعاييرها وإغفال دور البعد التقني في التنظيم ذو الأهمية الخاصة في مفهوم الكفاءة التي تعوّل عليها الدراسات التنظيمية وعدم اعطائه الأهمية  الذي يستحق . وإغفال البعد الاقتصادي وتأثيره على التنظيم وبخاصة من منظور المنافسة وضرورة التكيّف لمتطلباتها التي قد تقتضي من المنظمات سلوكيات وبنى تنظيمية لا تحكمها الانساق والمحددات المؤسسية25.
كما تشمل الانتقادات اغفال ما يسميه جون تشايلد ( John Child,1972) ، وكما ورد في الأدبيات ذات العلاقة، الاختيار الاستراتيجي وبخاصة فيما يتعلق بقمة الهرم الإداري ودور اهتماماته في توجيه وقيادة المنظمات عبر النظم المؤسسية المتداخلة من أجل تمايزها عن غيرها ومن أجل تحقيق الميزة التنافسية المرجوّة . وإغفال دورالتنوع المرغوب في عمل المنظمات الذي من الصعب تحققه إلا من خلال الخروج على الاطر المرسومة التي تفترضها المأسسة . وتشمل أيضاً ما يمكن الاستدلال عليه ضمناً من طروحات المأسسة المتعلقة بعدم ايلاء الاشكالات الناجمة عن تجنب المخاطرة الأهمية التي تستحقها، بافتراض ان الالتزام بقواعد وأسس معينة يعمل على ضمان استمرارية المنظمات ويقود إلى فعاليتها.




20 تجدر الاشارة الى هذا الفصل  مأخودة من هذا المرجع: المأسسة و منظمات الاعمال و المؤسسة الاردنية اتجاهات المديرين نحو ممارسات ادارية دالة ، الدكتور عادل محمود الرشيد ، دراسة ميدانية ، دراسات مجلد 28 سنة  2001 عدد1 ص 151-176 ).
 ( 20) من النظريات التي طورت في حقول المعرفة الاجتماعية ذات العلاقة بالمأسسة Nohria & Gulati,1994, نظرية الاعتماد على الموارد (Resource Dependence) والتي تهتم بالترآيز على تفسير السلوك التنظيمي من خلال محاولة التنظيم لتقليل عدم التأآد البيئي المرتبط باعتماد منظمة ما على غيرها من المنظمات. ونظرية التبيؤ السكاني (Population Ecology) والتي تزعم بأن البيئة تختار منظمات محددة آونها أقدر على التكيف مع متطلباتها بينما تتوقف منظمات اخرى عن الاستمرارية لعدم قدرتها على ذلك . والنظرية الشبكية (Network Theory) والقائلة بأن الاتصالات الاجتماعية للمنظمة هي التي تشكل بيئتها وهي التي تعدّل سلوآه ا. ونظرية آلفة الصفقة (Transaction Cost) ، والتي تنادي بأن المنظمات تهتم أساساً بإدارة آلفة القيام بصفقة ما بكفاءة والتي يحددها التفاعل المتبادل مع غيرها من المنظمات والجهات على أساس عوامل السوق . ونظرية الوكالة (Agency) والتي ته تم باشكاليات العلاقة الناجمة عن ارتباط  المنظمة بغيرها من الوآلاء الذين يؤدون مهام نيابة عنها أو من خلالها والتي يمكن أن ينتابها تضارب بالأهداف. ونظرية الموائمة البنيوية
(Structural Contingency) القائمة على فرضية التوافق بين التنظيم والبيئة والذي يحدد فعالية المنظمة.
21 وفقاً لما اكدت عليه العديد من المساهمات الرئيسية في الحقل من أمثال ديماجيو وباول ( Powell & DiMaggio, 1991) وزكر ( Zuker,1991) ، وسكوت ( Scott,1987) ، و جيبرسون ،( Jepperson ,1991) و غيرهم.(المرجع السابق)
22 انظر الملاحظة رقم 20 أعلاه ذات العلاقة.( الرجع السابق)
23 انظر الملاحظة رقم 20 أعلاه ذات العلاقة.(المرجع السابق)
24 تتضمن توصيات الدراسة الحالية (المأسسة و منظمات الاعمال الاردنية اتجاهات المديرين نحو ممارسات ادارية دالة" د.عادل محمود الرشيد") اشارة الى ضرورة اجراء المزيد من الدراسات المتعلقة بالمأسسة في البيئة الإدارية .
25 تركز مدارس ذات علاقة بالمأسسة مثل مدرسة كلفة الصفقة (Transaction Cost) على ابراز البعد الاقتصادي ودوره في التنظيم. انظر الملاحظة رقم 20 أعلاه ذات العلاقة.(المرجع السابق)