قراءة مفاهيمية في مفهوم الجمعية والعمل الجمعوي
عبدالعالي الصغيري
طالب باحث في علم الاجتماع والانتروبولوجيا
30/04/2016
لا بد في البداية
أن نشير إلى انه ليس هناك تعريف ثابت لمفهوم العمل الجمعوي ،إذ لا ينبغي أن تغرينا
إشكالية هذا التساءل لننساق وراء البحث عن تعريف ثابت و نهائي للعمل الجمعوي على
اعتبار أن تحديد المفاهيم يأخذ عادة مظهرين اثنين :
1- إما أن
يتعلق الأمر بظواهر ثابتة في الزمان و المكان و بالتالي تكون قابلة لان تشخص كما
هي و ينتج عن ذلك التشخيص تعريف اقرب لان يكون نهائيا كما هو الشأن في تعريف بعض
الظواهر الطبيعية أو بعض تمظهرات النمو عند الإنسان .و إزاء تعريفات من هذا النوع
تسهل عملية ضبط العناصر التي ينبني عليها التعريف ذاته بصورة تسمح في النهاية
بإمكانية تعميم ذلك التعريف في الزمان و المكان .
2- وإما أن يتعلق الأمر بظواهر تتسم بعدم ثباتها و
بحركيتها المتجددة باستمرار ،و بالإيقاع السريع الذي يطرأ عليها بين الفينة و
الأخرى ، مما يجعل مسألة إعطاء تعريف نهائي و محدد شيء متعذرا إن لم نقل مستحيلا
من الناحية المنهجية على الأقل ، و تتعلق هذه الملاحظة أكثر بالظواهر المرتبطة
بالسلوك الإنساني في صيرورته الإنتاجية و الانجازية اليومية[1]، مما يجعل التعريف في هذه الحالة يراهن على ضبط
النقط التي تلتقي فيها و تتقاطع عندها مراحل و أشكال ممارسة ذلك السلوك ذاته .
إن مفهوم العمل
الجمعوي يندرج ضمن المظهر الثاني ، مما يعني أن هذا العمل في عمقه يحيل على وقائع
مجردة لا يمكن تمثيلها نظريا إلا بالاستناد إلى وقائع تطبيقية و عملية ، بحيث لا
يمكن أن نتحدث عن العمل الجمعوي كمعطى جاهز و مجرد ، بل نكون مضطرين للحديث عنه
كتجربة ملموسة ، أي تتغير من زمان لأخر ، و من مكان إلى آخر[2]، من خلال ما سبق
فان مقاربة المفهوم وقراءته ينبغي أن تنطلق من مختلف ممارساته في الواقع ، مما
يعطي للتعريف قوته الإجرائية على مستوى التشخيص إذ الانطلاق من المفهوم الثابت
الجاهز و النهائي إلى حيز الممارسة المتجددة باستمرار، فيكون الحديث عن تجارب و
ليس عن ثوابت من هذا المنظور ، فان العمل الجمعوي لا ينفلت من أن يكون ممارسة
اجتماعية للثقافي و تكيفا للاجتماعي ، أي انه في جوهره ظاهرة اجتماعية ثقافية تتقاطع
فيه مكونات الشخصية الممارسة له من حيث حمولتها المعرفية و قوتها الوجدانية
الدافعة ، ومنحدرات انتمائها لاختيار هذا العمل دون الآخر ، وهذا التقاطع بين
المعرفة و الوجدان و الانتماء يجعل إذن الممارسة الجمعوية مدخل للفعل في الواقع
،ليس لتغيير بنياه الأساسية الكبرى ( حتى لا نعطي للجمعيات دور الفعل السياسي و
الاجتماعي قوى الفعل السياسي و الاجتماعي المهيأ لهذا الفعل نظريا و تاريخيا ) و
إنما التغير على مستوى أشكال التفكير فيه و طريقة تعريف المعرفة المكتسبة لبناء
النموذج المرغوب فيه و تأطير الأداة البشرية المزمع تأهيلها لتحقيق ذلك البناء أي
بمعنى آخر أن العمل الجمعوي ليس في النهاية سوى منتوج تنظيمي و ثقافي هادف من خلال
ممارسات مجسدة إلى اكتساب المنخرط فيه وعيا محددا إزاء القضايا المطروحة بإلحاح في
السياق الاجتماعي و التاريخي الذي يمارس فيه ذلك العمل إذن ففي موضوع العمل
الجمعوي نجد الممارسة هي التي تحدد المفهوم و ليس العكس.
إن العمل الجمعوي في تحديداته القانونية و النفسية
و الاجتماعية يلوح كخطاب و ممارسة تعتمل في ظل سجل ثقافي أو حقل مجتمعي، بشرط وجود
أفراد و جماعات تلتئم من أجل مخطط إنجازي يروم إحداث تغييرات ما في سلم القيم و المواقف
و الاتجاهات و الممارسات و السياسات.
فأقوى الأسئلة الجمعوية
التي ما زال تحتاج إلى المزيد من النقاش و التوضيح تهم المجالات التالية :[3]
سؤال الهوية / سؤال الدور / سؤال العلاقة / سؤال المقاربة
فالعمل الجمعوي يعد ملمحا
من ملامح الفعل المدني و المواطناتي و الذي يجد أسسه النظرية في أدبيات المجتمع المدني،
و تحديدا مع هيغل و غرامشي و قبلا مع آل العقد الاجتماعي. لكن هل ما يتراءى أمامنا
زمن هياكل جمعوية وتنظيمات مدنية يعبر حقيقة عن المعنى المفترض للمجتمع المدني؟ وهل
ما يتناهى إلينا من حركيات وفعاليات يعكس المفهوم النبيل للمجتمع المدني الذي نحته
المثقفون العضويون خلال عصر النهضة والأنوار؟
مفهوم الجمعية
:
الجمعية
مؤسسة ثقافية وإطار قانوني لتكافل الطاقات و الجهود من اجل تحقيق أهداف
محددة حسب طبيعة الجمعية، و العمل الجمعي شكل من أشكال العمل العام
الموجه لفئات الجماهير الواسعة و ذلك حسب الهدف و المجال الذي حدد لهذا العمل، و
يعرف الفصل الأول من قانون الحريات العامة بالمغرب الجمعية بكونها: "اتفاق
لتحقيق تعاون مستمر بين شخصين أو عدة أشخاص لاستخدام معلوماتهم أو نشاطهم لغاية
غير توزيع الأرباح فيما بينهم" .
و حسب نوعية
مخاطبيها و انطلاقا من مجالها تتحدد طبيعة الجمعية: فقد تكون الجمعية جمعية
ثقافية، أو سياسية، أو اجتماعية خيرية، أو اجتماعية مهنية (النقابات)، أو فنية أو
مسرحية أو رياضية، و قد تخاطب تبعا لمجالها" فئة محدودة من الناس فتوجه
للنخبة أو لفئة معينة ، و قد تكون جماهيرية واسعة، و قد تخاطب المثقفين خاصة، كما
أنها قد تتوجه نحو الفئة الأمية، و قد ترتبط بفئات عصرية مختلفة: الأطفال ،
الكهول، الشباب، الشيوخ، وقد تختار فئة عمرية دون أخرى، و قد تختار الموسرين، كما
قد يكون العكس تماما.و انطلاقا مما سبق ذكره، فالعمل الجمعوي هو كل إطار ينضوي
تحته مجموعة من العاملين من اجل تحقيق هدف مشترك، هو بالأساس عمل تربوي يهدف إلى
المساهمة في بناء الإنسان، لذلك فهو يضم كل الأنشطة الهادفة على غرس المعاني و
القيم المنبثقة من عقيدة العاملين فيه على حساب المستويات الفكرية و التصويرية و
الوجدانية و السلوكية و هو من هذا المنطلق يشتمل على العمل السياسي (الأحزاب، و
النقابات، و المنظمات) و العمل الثقافي (الجمعيات، و النوادي الرياضية…) فكل من العمل
السياسي و العمل الثقافي يهدف إلى تحقيق نمط من الحياة لكن وسائلهما في تحقيق هذا
المسعى مختلفة فالعمل السياسي يعتبر اجتماعا بشريا مناضلا هادفا إلى امتلاك السلطة
من اجل تطبيق برامج اجتماعية و اقتصادية و سياسية، و بناء مؤسسات تضمن أسلوبا
معينا للحياة، أما العمل الثقافي فيسعى إلى التكوين المباشر للإنسان من خلال برامج
تربوية/ثقافية في حدود ما تسمح به إمكانيات الجمعية كإطار قانوني و ليس من خلال
امتلاك الأدوات التنفيذية (السلطة ) و هذا لا يعني انفصال السياسي من الثقافي
انفصالا تاما، بل هناك تداخل في ما بين السياسي و الثقافي.
ويمكن اعتبار
الجمعية من الناحية الاجتماعية على أنها
جماعة من الأفراد ، انبثقت عنهم رغبة للقيام بنشاط معين كان موجودا من قبل أو غير
موجود لفائدتهم أو لفائدة مجتمعهم في إطار من التعاون والتطوع وممارسة الأنشطة
والعلاقات التي تقوم بها الجمعية تربويا وثقافيا وفنيا واجتماعيا ورياضيا، وهذا
يؤدي إلى خلق ديناميكية ونشاط بين مجموعة من الأفراد، فوجود تنظيم يعني وجود أفراد
تربطهم علاقات ويقومون بأنشطة تحقق الأهداف المسطرة في القانون الأساسي للجمعية
وهو الذي يضمن الاستمرار والاستقرار خلال مدة صلاحية المكتب المسير. ثم الفعالية
التي تشير إلى القدرة على التنظيم والهيكلة وتحقيق الأهداف. فالعمل الجمعوي عمل
هادف وأهدافه محدودة، لا يمكن تغييرها إلا بمقتضى شروط معينة، وتساعد الفرد على أن
يعيش مع الجماعة ويتعاطف معها ويشارك في جميع الأنشطة من أجل الحصول على المنفعة
وتحقيق المصلحة العامة .
فالجمعية هي "كيان
مستقل عن السلطات العمومية تشكل مؤسسة جوهرية في المجتمع الديمقراطي، لا غنى عنها
لتوسيع مساهمة الأفراد في مسلسل التنمية." و يعتبرها كل من Jean-Louis Laville وRenaud Sainsaulieu أنها تنم على "تجمع العديد من الأشخاص، الذين قرروا
الاجتماع من أجل التعاون لحل مشكل ما أو الاستجابة لحاجة"[4] فما يركز
عليه هذين الباحثين في سوسيولوجيا الجمعيات
في دراستهم للجمعية هو مسألة التعاون الإرادي التطوعي و الاشتغال بطريقة حرة، و أن
فكرة التعاون تستند إلى ما يطلق عليه الفعل المنظم أو الفعل الجمعي Action collective.
إن الفعل الجمعوي اليوم أضحى مقترنا بالفعل التنموي والحديث عن أي
إستراتيجية تنموية إلا ويتم استذكار الدور الذي يمكن أن تؤديه الجمعيات، فالبعض
يرى فيها أنها بمثابة "فاعل اجتماعي والفاعل في قلب هذا
الإطار التحليلي الذي يقترحه Grozier و
Friedberg فهو قد يكون أفراد أو مجموعات يمتلك قدرات تمكنه
بهذا القدر أو ذاك على تحديد أهدافه له موارد قادر على تعبئتها من أجل تحقيق تلك
الأهداف ]...[ نقول أنه يتبع إستراتيجية عقلانية لتحقيق أهداف
معينة، بدون الانحياز إلى الفردانية المنهجية التي ترى في الإنسان كائن عقلاني
بشكل كامل ومع تجاوز للواقعية الشمولية le réalisme totalitaire التي ترى في الأفراد متحكم فيهم من طرف أشكال من
المنطق الاجتماعي التي تتجاوزهم."[5] فالجمعيات ينظر إليها كفاعل اجتماعي acteur social تنخرط في شبكة من العلاقات الاجتماعية، و أن دورها مكمل لعمل الدولة في تنفيذ السياسات
الاجتماعية لمحاربة الإقصاء والتهميش والفقر وتجسيد المشاركة الفعالة لجميع فئات
المجتمع وبلورة البرنامج والمشاريع، و أنها تعتبر قوة اقتراحية مهمة في أي عمل
يتوخى معالجة المسألة الاجتماعية، و هي بمثابة الوسيط بين الدولة وأجهزتها
الإدارية وبين السكان، وتلعب كذلك دورا في تأطير المواطنين وتأهيل النخب المحلية
، بما هي فئة أو طبقة تقوم بدور الوسيط في
عملية التكوين والتفكير وتنوب عن الباقين.
يرى عزيز الحبابي في الجمعية أنها "تعاقد
بين شخصين في إطار تجمع أدبي أو سياسي أو اقتصادي، وتعني طائفة تتألف من أعضاء
لعرض فكرة مشتركة." وارتبط ظهور
الجمعيات بالانتقال من انتظام اجتماعي أساسه العصب إلى انتظام اجتماعي أساسه
المصلحة العامة المشتركة، ولهذا فإن انخراط الفرد في الجمعية فهو انخراط من أجل
المصلحة العامة وليس انخراطا هدفه الربح والمصلحة الشخصية.
حسب محمد عاطف غيت، مفهوم الجمعية/ الرابطة Associassions على "أنها جماعة
منظمة تقوم بهدف متخصص و محدد، وفق قواعد قائمة، و نسق للقيادة، و بعض المصالح
المشتركة بين أعضاءها. وتتميز العلاقات فيها بأنها غير شخصية و ثانوية. و تختلف
الجمعية عن الجماعات الرسمية في طبيعة أهدافها محددة بدقة وبصورة متخصصة.
أما الأستاذ أحمد شراك يعتبر أن "الجمعية هي انتظام اجتماعي
لمجموعة من الناس في إطار قانوني وهذا الإطار يكون أساسه المصلحة وهذه المصلحة تضيق
وتتسع حسب المنخرطين." ودراسة الحركة الجمعوية تقودنا للحديث عن الفاعلين
الجمعوي، و الذي يتحدد في ذلك "الإنسان القادر على الفعل الجمعوي انطلاقا
من التطوع والاقتناع بجدوى المجتمع المدني."[6] و أن الفعل الجمعوي يقتضي نوعا من الصبر والمقاومة
ونكران الذات والدينامية والحركية بعيدا عن النشاط البيروقراطي، فما يميز الفاعل
الجمعوي هو روح المبادرة على الإنجاز وهو يتقاطع مع الفاعل الحزبي والسياسي
والنقابي. ويمكن التمييز بين الوظائف التالية التي يقوم بها الفاعل الجمعوي.
·
الوظيفة
التحسيسية: أي أن الفاعل الجمعوي يعمل على تحسيس المجتمع بأهمية
قضية ما، وأهمية دورها وأهمية جدواها وانعكاسها على حياة الناس، ومنها جمعيات
البيئة مثلا والتي تعمل على تحسيس الساكنة على دور البيئة وانعكاساتها اليومية على
الفرد والعلاقات الممكنة بين البيئة والحياة.
انطلاقا
مما سبق فالجمعية هي إحدى القنوات التي تساهم في نمو الفرد اجتماعيا بإكسابه نضجا
اجتماعيا، يساعده على التكيف و الاندماج في محيطه و مجتمعه. بل انه يصبح أكثر
فاعلية و تأطيرا في المحيط بفضل الخبرات و المهارات التي يكتسبها من خلال نفوذه
على العمل الجماعي المنظم. و تحمل المسئولية في المشاركة الواعية و الفعالة، التي
تبين عن النضج للفرد و للجماعة، مما يؤدي
إلى خلق و بروز قوة اجتماعية كقوة للفعل الديمقراطي و التأطير الاجتماعي من أجل
التغيير الشخصي و الجماعي الهادف إلى خلق مفهوم جديد للمواطنة. أي ي بروز مجتمع
مدني حقيقي و فعال.[7]
و بتعبير ج.ل.لفيل J.L. LA VILLE فالجمعية " تقابل قانونيا بنية شكلية مستقلة،
أي معلنة رسميا و غير خاضعة لمراقبة كيان خارجي، متميزة عن الدولة و الجماعات
الترابية. مبدئيا غير تجارية و لا توزع أرباحا على أعضاءها و مسيريها و تتضمن عنصر
المشاركة الإرادية، يمكن تناولها سوسيولوجيا كفضاء يؤمن الانتقال من الفضاء الخاص
إلى الفضاء العام، عبر لقاء بين شخصي.[8] وعليه فإن الجمعية إذن ركيزة أساسية لتحقيق
التقدم و الازدهار و تفعيل التنمية الإنسانية المستدامة الحقيقية. كما أنها تجسيد
فعلي و مطهر من مظاهر الديمقراطية الحديثة، التي ترتكز على الحرية و المساواة و
الكرامة و العدالة و الإنسانية و الإيمان بحقوق الإنسان.
[1] Linnovation social /émergence
et effets sur la transformatioun des sociétés /sous la
direction de juan-lhis klein harrisson
[3] العمل الجمعوي و التنمية
المحلية ، عبد الرحيم العطري ، في 9 يوليو 2008 ، المجلة الالكترونية الحوار المتمدن :www.alhewar.org
[4] محسن محمد الرحوتي : "تدبير
المجال الحضري ومساهمة جمعيات الأحياء بالمغرب" (جمعيات الأحياء العتيقة
بفاس نموذجا) أطروحة لنيل الدكتوراه في علم الاجتماع، تحت إشراف الأستاذ عبد
السلام فراعي السنة الجامعية
2002-2000 كلية الأداب والعلوم الإنسانية فاس ص 89 .
[8] Jean louis la ville "l'association une liberté propre à la
démocratie' in sociologie de l'association. 65_66 نقلا عن، حبيبة حفصاوي .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق