الجمعة، 24 يونيو 2016

ما نصيب الهوية والثقافة في "الربيع الديمقراطي"



ما نصيب الهوية والثقافة في "الربيع الديمقراطي"
في الوقت الذي تسعى في المجتمعات و الثقافات جاهدة إلى الانعتاق و التحرر من التبعية و الاستعمار الثقافي ، والهوياتي ، انطلاقا مما أفرزته العولمة و الأنظمة الرأسمالية و الامبريالية من تغيرات سوسيواجتماعية و ثقافية غيرت من قيم المجتمعات وقضت على تضامنهم الآلي ، لتحل الفردانية والبراكماتية ، لتطفو المصالح على بحر الحياة الاجتماعية الغير مستقر والهائج دوما ، حيث يصعب بمكان على أي سفينة ثقافية الرصو فيه إن لم تكن لديها أشرعة قوية ، وإلا سيجرفها التيار حتما.
واقعنا الاجتماعي و الثقافي و الرمزي اليوم شهد مجموعة من المتغيرات الخطيرة التي أثرت في مختلف اللبنات والأسس الأولية للبناء الثقافي و الهوياتي ، ونخص بالذكر هنا مؤسساتنا الاجتماعية المتمحورة أساسا في الأسرة ثم المدرسة ،والمجتمع كوعاء جامع ومفرز لنتائج التفاعل ، ليتشكل لنا في النهاية فضاء عام غير مستقر على انمودج بعينه بل قابل للتحول و التغير دوما؛على ضوء ما سلف دعونا نساءل الحراك الاجتماعي و الثوري الذي شهدته شعوب شمال إفريقيا والشرق الأوسط ، فما موقع الدفاع عن الهوية و الثقافة من هذا الحراك؟ ، أين تتجلى مظاهر إثارة إشكالات الهوية و الثقافة ؟، وعلى أية معايير و أية أسس؟
كإجابة على هذه التساؤلات نجد  عالم الاجتماع التونسي ذ.محمود الذوادي  يعتبر أن ما غفلت عنه ثوارات الربيع الديمقراطي هو رفع مطالب ترد الاعتبار للثقافة و الهوية ،حيث بقيت المطالب منحصرة في ماهو سياسي و اجتماعي لكن لم تنتقل لما هو ثقافي حيث إن الوضع الثقافي مازال مركبا ومعقدا ، وهنا يطرح الذوادي إشكال اللغة كعنصر أساسي للتحليل حيث اعتبر أن شعوب شمال إفريقيا مستلبة لغويا، حيث إن لغة المستعمر ما تزال متغلغلة في البنيات الرسمية لهذه البلدان لتنتقل بذلك إلى الاجتماعي و الثقافي وتخلق استعمارا أشد خطورة وهو الاستعمار الثقافي .
إن الاستعمار الثقافي هو اخطر أنواع الاستعمار فهو يهدف إلى احتلال العقل في وقت تكون فيه الثقافة الذاتية لبلد ما على أدنى مستوياتها (لأسباب مختلفة)
الاستعمار الثقافي لا يحتاج إلى الأسلحة التقليدية ولكنه – ربما يحتاج حاليا – إلى التكنولوجيا المتقدمة والعلم  والاتصالات الحديثة.
الاستعمار الثقافي على عكس الاستعمار العسكري يحتاج إلى زمن ليس بالقصير لتحقيق الأهداف المرجوة منه  لأنه ينخر بطيئا في عقول الناس وخاصة عقول من يقال عنهم (المثقفون) لأنهم لبنة الثقافة ويصبح هؤلاء هم المروج لثقافة المستعمر.
أسوء أنواع الاستعمار الثقافي هو بث الأفكار المتخلفة والهدامة وإثارة الفتن والنعرات الدينية و الطائفية والمذهبية وتشجيع أي فكر يدعو إلى عدم الاستقرار واستمرار الفوضوية وقتل أي أفكار تدعو للعلم والتعلم والتحرر والتقدم والرقي.
كل دولنا العربية الآن واقعة تحت الاستعمار الثقافي – شئنا آم أبينا – وكثير من الوقائع الاجتماعية تؤكد و تدل على هذا .
فعلى سبيل المثال لا الحصر ما يشهده مجتمعنا المغربي من تحولات على مستوى القيم و الأخلاق ، وفقدان خصوصيات التضامن الاجتماعي و العائلي ، وطغيان الاستهلاك التفاخري و الفردانية المتوحشة ، ثم كثرة الجرائم الخطيرة منها في مناطق التضامن الآلي ناهيك عن التحولات المؤسفة التي شهدتها مؤسسة الأسرة ، والتغير الفجائي الذي طرأ على أساليب التنشئة  ، و الأدهى من هذا معايير تشكل هاته المؤسسة التي انقلبت المعايير و الأعراف في تشكلها لتلبس حلة جديدة ناسخة في ابعد الحدود أنموذج الزواج الغربي ، فأصبحت مؤسساتنا التعليمية اليوم خصوصا في المرحلة الثانوية و الجامعية تعج بالعلاقات العاطفية الحالمة ، ولا يقتصر الأمر هنا بل الفضاء العام نفسه يشهد ممارسات شبه جنسية أمام مرأى الجميع دون تحريك ساكن ضبطي لما يقع ، أو ثقافة خلاقة  . وأمام تفاقم العزوف عن الزواج وصعوبة العيش والاستلاب الثقافي أصبح هناك نوع من التماهي والتطبيع مع هذا الوضع‘ ولم يعد إشكال في علاقات تخرج عن نطاق المسموح به ثقافيا أو مرجعيا، ومن يدري ربما يمكن التمرد في أفق بناء ثقافي جديد ، حيث أضحى التنازل الثقافي ، وقتل الثقافة و الهوية أمرا عاديا في ظل انهيار جدار الدفاع و الصد المحلي أمام قوة صدام الثقافات الدخيلة.
في منحى آخر تعبر أزمة التعليم التي يتخبط فيها التعليم المغربي عن شكل آخر من أشكال الاستلاب الفكري و العلمي الذي لم يجد لنفسه وحتى الساعة مخرجا من الأزمة ، فمن بين المشكلات التي لازالت تخلق القلق لدى الطلبة هو إشكال لغة التدريس حيث التدريس باللغة العربية في المرحلة الابتدائية والثانوية لتنقلب الأمور في المرحلة الجامعية باللغة الفرنسية ، الأمر الذي يشكل عائقا و عبئا بل خللا وظيفيا من داخل النسق التعليمي ، أما على المستوى السياسي فان كانت اللغة الرسمية للبلاد هي العربية و الامازيغية فحضور هاتين الأخيرتين من داخل النسق الإداري و المعاملاتي يبقى شبه غائبا تماما ، ليطغى في النهاية الرأسمال الثقافي اللغوي الفرنسي ليؤكد لنا من جديد أننا شعب لم يتحرر  بعد . شعب فاقد لرأسماله الرمزي يتكلم بما لا تفهمه ثقافته ، منسلخ عن جذوره و لبناته ، كل هذا ساهم في تكريس الهشاشة الهوياتية و الثقافية ، فأصبحنا وعاءا دون محتوى تخترقه ثقافات متناقضة على مدار الساعة .إننا بحاجة إذن إلى ثورة ثقافية و هوياتية لننحت موافقات و مواضعات قوية قادرة على صد الثقافات الدخيلة في أفق البناء الحضاري المستلهم لقيم التقدم والنمو ولكن ليس على حساب الخصوصيات المحلية.
عبدالعالي الصغيري








ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق