المجتمع المدني و
الدولة ، أية علاقة
عبدالعالي الصغيري
مسلك علم الاجتماع
السداسي الخامس 2012
تقديم:
اكتسى مفهوم المجتمع المدني في الآونة الأخيرة أهمية كبرى ، ارتبطت بشكل كبير بتلك النزاعات التي ارتسمت مؤخرا، والمتعلقة بتطور
الدولة وكذلك العلاقات الناشئة بينها وبين المجتمع، حيث تجري بلورة العلاقات
الضرورية بين المجتمع المدني والمجتمع السياسي، وقد بذلت جهود فكرية لتأصيل نظري لتلك العلاقات.
إن الحديث عن إشكالية
المجتمع المدني و الدولة أية علاقة ، يدفعنا بالضرورة إلى تحديد مضمون كل إشكالية ،
أي تحديد مضمون المجتمع المدني
ومضمون الدولة. مما سيسمح لنا بالكشف عن طبيعة العلاقة الناشئة بين المجتمع المدني
والدولة والتغيير الدائم فيها، فهي ليست علاقة ثابتة، بل على العكس تتغير وتكتسى
بأشكال ومضامين متنوعة بفعل عوامل متعددة.
فتناولنا لهذا الموضوع بالذات لم
ينشأ من فراغ بل أتى لفك الغموض الحاصل بين الدولة و المجتمع المدني ، خصوصا في ظل
أطروحات تقدم لنا الدولة وكأنها فوق الطبقات الاجتماعية، أي تظهر كمحاولة للمصالحة
بين الطبقات، أو باختصار شديد تقدم لنا " لابسة ثوب حيادها المبجل ".
ولهذا فإن المطلوب إنزالها من هذه العلياء ودراستها دراسة سليمة تكشف طبيعتها
ووظائفها، وبما يمكننا من فك الاشتباك بين مفهوم المجتمع المدني ومفهوم المجتمع
السياسي.
مفهوم المجتمع المدني:
بداية،
يتعين الإشارة إلى أنه ليس هناك مفهوم ثابت لمفهوم المجتمع المدني، فالمفهوم مرتبط
بتاريخ نشأته، أي بالمشكلات التي كانت مطروحة في وقت نشوئه، فهو بالضرورة ابن بيئة
تاريخية اجتماعية محددة وهو ابن فكر محدد أيضا. إذن ما هو المجتمع المدني ؟
إن عبارة
" المجتمع المدني " تعني ذلك المجتمع الذي ينشأ كيانه الذاتي ويحافظ على
قوانينه ويصوغ مبادئ تنظيمه واشتغاله، ويقيم قانونه أو عقده الاجتماعي الخاص به
والمميز له. مجتمع يتألف من مواطنين أحرار، يستطيعون وقادرين على العيش سوية وبشكل
مشترك، بحسب القواعد التي اختطوها، والتي أصبحت عادات لا يمكن تجاوزها. (هذا
التصور، متطابق مع مواقف طليعي القرن الثامن عشر، يتفق وأفكار معينة من قبيل
التحضر والاحترام وكذا فكرة القانون المدني).
هناك من يعرّف المجتمع المدني على
نحو إجرائي بأنه جملة " المؤسسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية
التي تعمل في ميادينها المختلفة في استقلال نسبي عن سلطة الدولة لأغرض متعددة منها
:
أغراض سياسية كالمشاركة في صنع
القرار على المستوى الوطني، ومثال ذلك الأحزاب السياسية، ومنها غايات نقابية كالدفاع
عن المصالح الاقتصادية لأعضاء النقابة، والارتفاع بمستوى المهنة والتعبير عن مصالح
أعضائها، ومنها أغراض ثقافية كما في اتحادات الكتاب والمثقفين والجمعيات الثقافية
التي تهدف إلى نشر الوعي وفقا لاتجاهات أعضاء كل جمعية، ومنها أغراض اجتماعية للإسهام
في العمل الاجتماعي لتحقيق التنمية. وبالتالي، يمكن القول إن العناصر البارزة
لمؤسسات المجتمع المدني هي : الأحزاب السياسية، النقابات العمالية، الاتحادات
المهنية، الجمعيات الثقافية والاجتماعية " .
وإذا حللنا التعريف السابق الى
مكوناته أمكننا أن نستنتج بأن جوهر المجتمع المدني، بحسب وجهة النظر هذه، ينطوي
على أربعة عناصر رئيسية :
- العنصر الاول يتمثل بفكرة "
الطوعية "، أو على الاصح المشاركة الطوعية التي تميز تكوينات وبنى المجتمع
المدني عن باقي التكوينات الاجتماعية المفروضة أو المتوارثة تحت أي اعتبار؛
- أما العنصر الثاني فيشير الى فكرة
" المؤسسية " التي تطال مجمل الحياة الحضارية تقريبا، والتي تشمل مناحي
الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. ولعل ما يميز مجتمعاتنا
الحضور الطاغي للمؤسسات، وغياب المؤسساتية بوصفها علاقات تعاقدية حرة في ظل القانون؛
- في حين يتعلق العنصر الثالث بـ
" الغاية " و " الدور " الذي تقوم به هذه التنظيمات، والأهمية
الكبرى لاستقلالها عن السلطة وهيمنة الدولة، من حيث هي تنظيمات اجتماعية تعمل في
سياق وروابط تشير إلى علاقات التضامن والتماسك أو الصراع والتنافس الاجتماعيين؛
- وأخر هذه العناصر يكمن في ضرورة
النظر إلى مفهوم المجتمع المدني باعتباره جزأً من منظومة مفاهيمية أوسع تشتمل على
مفاهيم مثل " الفردية، المواطنة، حقوق الإنسان، المشاركة السياسية، الشرعية
الدستورية .... الخ .
* من
وجهة نظر أخرى نجد أن "عبد الغفار شكر " يعرف المجتمع المدني بأنه
" مجموعة التنظيمات التطوعية المستقلة عن الدولة .......، أي بين مؤسسات
القرابة (الأسرة والقبيلة والعشيرة) ومؤسسات الدولة التي لا مجال للاختبار في
عضويتها، هذه التنظيمات التطوعية تنشأ لتحقيق مصالح أعضائها كالجمعيات الأهلية
والحركات الاجتماعية والمنظمات غير الحكومية، كما تنشأ لتقديم مساعدات أو خدمات اجتماعية
للمواطنيين أو لممارسة أنشطة إنسانية متنوعة، وهي تلتزم في وجودها ونشاطها بقيم
ومعايير الاحترام والتراضي والتسامح والمشاركة والإدارة السلمية للتنوع والاختلاف
" .
دور المجتمع المدني ووظائفه
يستنتج
من التعريف السابق أن جوهر دور المجتمع المدني هو تنظيم وتفعيل مشاركة الناس في
تقرير مصائرهم، ومواجهة السياسات التي تؤثر في معيشتهم وتزيد من افقارهم، وما تقوم
به من دور في نشر ثقافة خلق المبادرة الذاتية، ثقافة بناء المؤسسات، والتأكيد على
إرادة المواطنين في الفعل التاريخي، وجذبهم الى ساحة الفعل التاريخي، والمساهمة
الفعالة في تحقيق التحولات الكبرى حتى لا تترك حكرا على النخب الحاكمة.
وارتباطا بهذا الدور يبلور الباحث
خمس وظائف تقوم بها مؤسسات المجتمع المدني هي :
1. وظيفة تجميع المصالح،
2. وظيفة حسم وحل الصراعات،
3. زيادة الثروة وتحسين الاوضاع،
4. افراز القيادات الجديدة،
5. إشاعة ثقافة ديمقراطية.
مكونات المجتمع المدني
أما مكونات المجتمع المدني بالنسبة
للسيد شكر فهي أي كيان مجتمعي منظم يقوم على العضوية المنتظمة التطوعية في قطاعات
عامة أو مهنية أو اجتماعية ولا تستند فيه العضوية على عوامل الوراثة وروابط الدم
والولاءات الأولية مثل الأسرة أو العشيرة والطائفية والقبيلة، وبالتالي فإن أهم
مكونات المجتمع المدني، حسب هذا الكاتب، هي :
النقابات المهنية، النقابات
العمالية، الحركات الاجتماعية، الجمعيات التعاونية الزراعية والحرفية والاستهلاكية
والاسكانية، الجمعيات الاهلية، نوادي هيئات التدريس بالجامعات، النوادي الرياضية
والاجتماعية ومراكز الشباب والاتحادات الطلابية، الغرف التجارية والصناعية وجماعات
رجال الاعمال، المنظمات غير الحكومية المسجلة كشركات مدينة مثل مركز حقوق الانسان
والمنظمات الدفاعية الاخرى للمرأة والبيئة .... الخ، الصحافة المستقلة وأجهزة
الاعلام والنشر غير الحكومية، مراكز الابحاث والدراسات والجمعيات الثقافية.
في ضوء ما سبق يمكن تصور النموذج
الاساسي لمجتمع مدني متطور كالتالي :
1. إن المجتمع المدني يضم مجموعة
مؤسسات (وليس مجرد منظمات) تستطيع أن تلعب دور الفاعل في عملية التغيير الاجتماعي
والسياسي والثقافي، وكلما تطور دورها في عملية التغيير، وكلما اتسمت بمرونة اكبر
في استجابتها للبنية الاجتماعية.
2. إن المجتمع المدني المتطور القائم
على فعل الطوعية والمبادرة والنزوع للعمل الطوعي – في إطار مشاركة منظمة – هو ركن
أساسي في ثقافة بناء المؤسسات.
3. إن مؤسسات مجتمع مدني متطور تعني
أن يتوافر لها وعي ورؤية، أو ما يمكن أن نطلق عليه موقف نقدي فهي تمتلك تصورا
واضحا لخريطة المجتمع ومصادر القوة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ومصادر
الضعف، وهي مؤسسات لديها تصور واضح للتغيير الاجتماعي، وتتبنى مواقف الدفاع
والمناصرة لمساندة فئات أو قطاعات أو جماعات، سواء على مستوى الحقوق المدنية أو
الحقوق الثقافية والاجتماعية والاقتصادية.
4. انها مؤسسات لا تتبنى فقط ما
يعرف " بالدور الالحاقي " أي معالجة المشكلات بعد حدوثها وإنما تتجاوزه
الى " دور توازني "يسعى الى تحقيق توازن المجتمع والإسهام في عملية
التحول الاجتماعي.
5. أن يأخذ بالنظرة الكلية، بمعنى
أن مشكلات المجتمع المحلي والمشكلات الوطنية تقع في كل مترابط مع المشكلات الإقليمية
والدولية، ومؤسسات المجتمع المدني لها دور في كل من هذه المستويات.
تسمح التعاريف السابقة بالتأكيد على
أن هناك ثلاثة مصطلحات تشكل اركان مثلث فكري لا يمكن فصلها عن بعضها عن بعض لأي
مجتمع ينشد التطور الحضاري في زماننا وهي : المجتمع المدني وحقوق الإنسان
والديمقراطية.
فالمجتمع المدني هو مجتمع المؤسسات
الاهلية المرادفة للمؤسسات الرسمية، وتشمل الميادين السياسية والمهنية والثقافية
والاجتماعية.
وحقوق الانسان هي : الحقوق الأساسية
للانسان في التمتع بالعيش الكريم وضمان حريته وصيانة كرامته وتوفر العدالة في
حصوله على حقوقه، وإن توفر هذه الحقوق من سمات المجتمعات المحضرة.
أما الديمقراطية فهي : المشاركة
الشعبية في اتخاذ القرار، وقبول التعددية.
المراجع :
*المجتمع المدني و الديمقراطية
:صلاح عبد الصبور.
كتاب : المجتمع المدني :التاريخ
النقدي للفكرة ، جون اهرنبرغ ، ترجمة عالي
حاكم صالح و حسن ناظم .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق