الابستمولوجيا النسوية ونقدها للعلوم
عرض مشترك للطلبة:عبدالعالي الصغيري
سعيد عقاوي
عبدالرحمن السيد
فدوة لكحشة
تحت اشراف: ذ.نور الدين هرامي
مجزوءة نصوص وقضايا مختارة
السداسي الخامس 2012
تقديم :
في مطلع ثمانينيات
القرن العشرين ظهرت الإبستومولوجيا وفلسفة العلم النسوية في الفكر الغربي،وسارت
قدما على مدار العقدين الأخيرين منه،حتى اقبل القرن الواحد والعشرون وقد باتت من
ملامح المشهد الفكري،كتيار ذي معالم مميزة،يمثل إضافة حقيقية إلى ميدان فلسفة
العلوم ونظريات المعرفة العلمية (الإبستمولوجيا)،والمنهج العلمي (الميثودولوجيا) .
لقد كان العلم الحديث – أكثر من سواه –
تجسيداً للقيم الذكورية ، أحادي الجانب باقتصاره عليها واستبعاده لكل ما هو أنثوي
. فانطلق بروح الهيمنة والسيطرة على الطبيعة وتسخيرها واستغلالها مما تمخض عن
الكارثة البيئية ، واستغلال قوى العلم المعرفية والتكنولوجية في قهر الثقافات
والشعوب الأخرى ، وجاءت العولمة لتنذر بعالم يفقد تعدديته وثراءه وخصوبته..وتأتي
فلسفة العلم النسوية لترفض التفسير الذكوري الوحيد المطروح للعلم بنواتجه السلبية
، وتحاول إبراز وتفعيل جوانب ومجالات وقيم مختلفة خاصة بالأنثى ، جرى تهميشها
وإنكارها والحط من شأنها بحكم السيطرة الذكورية.
إن
الإبستمولوجيا التي تقطع علاقتها بالميتافيزيقا وبالقيم لكي تكون علمية ، تريد الكشف عن الشكل العادل لوجودنا في
العالم وترى العلم علما بقدر
ما هو محمل بالقيم والأهداف الاجتماعية،ولابد أن يكون ديموقراطيا يقبل التعددية
الثقافية والاعتراف بالآخر. هكذا تحاول الفلسفة النسوية أن تضيف إلى العلم قيما
أنكرها،فتجعله أكثر إبداعية وإنتاجا،مستجيباً بذلك لمتطلبات واقعه الثقافي ودوره الحضاري،وتجعل
فلسفة العلم ذاتها تطبيقية مرتبطة بالواقع الحي النابض ، بحيث يمكن القول إن
فلسفات العلم التقليدية المنحصرة في منطقه ومنهجه جميعها تبلور إيجابيات العلم
وتستفيد منها،تأخذ من العلم،أما الفلسفة النسوية فهي تحاول أن تضيف إلى العلم ما ينقصه
ويجعله أفضل.
-1-
ذكورية العلم و معالم
انبثاق الابستمولوجية النسوية .
أ – ذكورية العلم :
يمكن القول بخصوص هذا الموضوع " الابستمولوجية النسوية " انه
فريد في موضوعه و أسلوبه وكذا في أهدافه إذ يناقش في أهمية العلم و أبعاده
المنهجية ، فالعلم يمكن اعتباره مؤسسة اجتماعية أو طريقة لاكتساب المعرفة ، اكتسى
توجهات معينة في استشرافه للأمور ، و انعكس الوعي الذكوري في هذه المؤسسة ، لان
الغالبية العظمى من العقول المسؤولة عن تشييد العلم كانت ذكورا . أكثر من ذلك قامت
باستبعاد الأنثوية حيث أصبح العلم أداة لحرمان المرأة من حقوقها ، مثلا : كانت
"الكرانيولوجيا" أي علم قياس حجم الجمجمة و المخ ، مبحثا علميا هاما من
خلال القرن التاسع عشر حيث أجريت الكثير من الأبحاث على القدرات الذهنية و المخ ،
و بالتالي صاروا يقيسون أحجام الأدمغة ، أو بالأحرى أحجام الجماجم ، ولما كانت
جماجم النساء في المعدل العام اصغر من جماجم الرجال ، استنتج علماء الكرانيولويا أن
النساء أدنى في الذكاء من الرجال ، و بالتالي اقل قدرة على التفكير ، حيث ذهب
العلماء يخبرون المرأة أن المناشط العقلية عبء ، الآن لا يزال التحيز ضد قدرة النساء
على التفكير مائلا في مجالات من قبيل البيولوجيا الاجتماعية.
أجرى " ايان ميتروف " مقابلات شخصية مع 40 عالما بارزا درسوا
صخور القمر و لاحظ أن العلم لا يزال أحادي الجانب حتى يومنا هذا ، حيث هيمنت
الذكورية على روح برنامج غزو القمر إلى درجة علق عليها " ميتروف " قائلا
: "ليس الجنس البشري ، بل الرجل بجسده و روحه و نفسه هو الذي اصطحبنا إلى
القمر ، حط على سطحه ، و هو الذي يحلل خامات القمر إذ ليس للمبدأ الأنثوي أي حضور
في كل هذا .
و على الرغم أن
العلم يسوده انحياز ذكوري ، ومما زاد الطين بلة ، يكشف الباحثون و الأنظمة داخل
القيم عن العديد من الخصائص المميزة ، تسير في مجال متصل الذكورية و الانوثية ،
حيث ينظرون إلى العلوم الموضوعية "الصلبة" كالفيزياء و الكيمياء على أنها
تفوق في ذكوريتها دراسة علم النفس الأكثر " ليونة" و الأكثر ذاتية ، حيث
يجادلون في أن علم النفس ليس علما حقيقيا ، و هذا ما يؤدي بهولاء الباحثين في ذلك
الميدان كما تقول " شيفرد" إلى أن يتسموا هم الآخرون بد من المركزية
الذكورية في مقاربتهم حيث صاروا يصبون اهتمامهم على السلوك القابل للملاحظة و
التكميم من قبيل دراسة الحلم و الإبداع.
من هنا انبثقت
جوانب من مبدأ الأنثوية في عدة فروع من العلم ، في صورة طرق مستجدة لرؤية العلم
كتلك التي يعبر عنها الفيزيائيون الجدد في ذكورية الفيزياء ، لكن من جانب آخر و
بالمثل كذلك في صورة التمثيل الأكبر للنساء في العلم ، و ما دامت النساء بشكل عام الأكثر
وعيا بالأنوثة من الرجال، فان مشاركتهن في المشروع العلمي يمكن ا تسهم في تغيرات
تصل إلى أعمق مستوى .
ب – معالم انبثاق
الابستمولوجية النسوية و مرتكزاتها :
يجب أن نضع في
اعتبارنا أن ظهور الإبستمولوجيا وفسلفة العلم النسوية، كان بمثابة التطور الملحوظ
للفلسفة النسوية عموما التي ظهرت في العقود الأخيرة،والتي تقوم بشكل أساسي من أجل
رفض المركزية الذكورية،ورفض مطابقة الخبرة الإنسانية بالخبرة الذكورية،واعتبار
الرجل الصانع الوحيد للعقل والعلم والفلسفة والتاريخ والحضارة جميعا ، وقد أتت لإبراز الجانب الآخر للوجود البشري وللتجربة
الإنسانية الذي طال قمعه وكبته .
وفي هذا الإطار تعمل الفلسفة النسوية بسائر
فروعها على خلخلة التصنيفات القاطعة للبشر إلى ذكورية وأنثوية ، بما تنطوي عليه من بنية تراتبية هرمية
(هيراركية) سادت لتعني وجود الأعلى والأدنى,المركز والأطراف,السيد والخاضع ، وتعمل
كذلك على فضح كل هياكل الهيمنة وأشكال
الظلم والقهر والقمع,وتفكيك النماذج والممارسات الاستبدادية,وإعادة الاعتبار الآخر
المهمش والمقهور,والعمل على صياغة الهوية وجوهرية الاختلاف,والبحث عن عملية من
التطور والارتقاء المتناغم الذي يلقب ما هو مألوف ويؤدي إلى الأكثر توازناً وعدلاً.
و لئن كان ظهور
الفلسفة النسوية إنجازاً لافتا للحركة النسوية فإن امتدادها إلى مجال
الإبستمولوجيا وفلسفة العلم شكل ضربة
إستراتيجية حقا،أحرزت أكثر من سواها أهدافا للحركة وللفكر النسوي،وجعلت الفسلفة
استجابة واعية أكثر عمقا للموقف الحضاري الراهن.
فمن مرتكزات هذه الابستمولوجية أنها ترى وجه
العلم جافا ، و هو يبدوا كذلك بسبب سيادة الثقافة الذكورية بطول الحضارة الغربية و
عرضها ، و التي ربطت العقل بالرجل و العاطفة بالمرأة ، و لعلم هو نجيب العقل الأثير
و فارس الحلب المعرفية الآن ، فقد صبغت السلطة الذكورية بقيمها و سيماتها و
ملامحها ، و استبعدت عنه الأنوثة و اعتبرته ضد العلم و عملت على حجبها ليبدوا
الرجل هو الفاعل الوحيد للعلم مفاهيميا و منهجا و لغة ،
إن الهدف من هذه
الابستمولوجية هو إظهار الجانب الحي المحجوب أو المخفي المطمور من العلمي عن طريق
البحث في عناصر الانوثية في واقع الممارسة العلمية و في البحوث و الكشوف العلمية ،
زيادة على ذلك بدأ الرواد في هذا الجانب يظهرون بأعمالهم ، و أبرزها المثال الذي
نشرته " لورين كود " في مجلة
" ما وراء الفلسفة العدد 12 يوليوز 1981" و طرحت فيه سؤال تقول
فيه – هل جنس العارف مهم بالنسبة للابستمولوجيا؟- ثم فجرت طرحها بكتاب
الفيلسوفة "جنفيف لويد " برز باحثون و باحثات طوروا نقدهم لمركزية العلم
الذكورية .
- 2 – نقد الابستمولوجيا النسوية للعلوم .
أ
– النقد الموجه للنظريات الفلسفية التقليدية :
لقد ركز النقد النسوي على
قيام الفكر الفلسفي على تعارض ثنائي يعطى فيه التفوق لما يعتبر ذكوريا ، حسب هذا
التحليل ، ، فالذكر هو الذات
الإنسانية بينما
الأنثى هي
الموضوع، الذكر
هو العقل
والأنثى الجسد،
الأنثى مثل الأشياء الطبيعية، لا
تصح أن
تكون ذاتا
تتسم بالأخلاقية، هي موجودة
للتحكم فيها
من قبل
الإنسان –الرجل-ومهيأة لتحقيق وظائف
معينة .
إننا نجد أن الفكر الغربي قام
على رفض
اعتبار المرأة
كائنا عقلانيا
كاملا، هذا
الرفض امتد
منذ أرسطو
عبر فلسفة
القرون الوسطى وضمن في
افتراضات الفلسفة
الكلاسيكية الليبرالية ابتداء من
ديكارت وفكرة
الذات المنعزلة المفردة المنفصلة عن الموضوع
الذي تعرفه .
فالعلم هو
نشاط ذكوري
بشكل حصري
وهو موجود
ليمكن الرجال
من السيطرة على الطبيعة
والنساء اللاتي
يرتبطن بها
من خلال
سماتهن الأنثوية.
وتبين "لويس إريغاري
"أن أساس
نظرية المعرفة
التي توجد
جذورها عند
أفلاطون يقوم
على مركزية
ذكورية حيث العقل الذكوري هو القادر
على معرفة
الحقيقة، وهي
ترى أنه
حين ربط
بين المعرفة
وبين الضوء
الذي يوجد
خارج الكهف قصد بأن
يرمز الضوء
إلى المعرفة
التي يتوق
الذكر إليها،
وأن يرمز
الكهف إلى
رحم الأم
التي يرتبط
بها كل ما هو
أرضي ومظلم
وغير معرفي. وتعتقد إريغاري أنه
لهذا السبب
رسخت الصلة
بين المعرفة
والضوء في الفكر الغربي، فالمعرفة المؤكدة
ترتبط بالضوء
، والرؤية
ترمز إلى
عقل الذكر
بينما الجهل
والظلمة يرتبطان بالمرأة.
وبشكل عام فقد قام
هذا الفكر
على كراهية
النساء واحتقارهن، الحط من
قيمة النساء
واعتبارهن مواطنات
من الدرجة الثانية، واعتبار
السمات الأنثوية أقل شأنا
من سمات
الذكور، والنشاطات التي تمارسها
الإناث أقل
أهمية من تلك التي
يمارسها الذكور.
النسويات انتقدن هذه
القسمة الثنائية، كما كان
هناك عدد
من المفكرات اللاتي دعون
إلى رفض
هذه الفلسفة برمتها ووصفنها بأنها
فلسفة ذكورية
بمضمونها وشكلها
ومفاهيمها واهتماماتها وسيادتها. واتهمن
الفلاسفة التقليديين بأنهم صاغوا
نظرياتهم وتعاليمهم ومعاييرهم المتعلقة بالنساء انطلاقا
من خبراتهم
الذاتية الذكورية.
وتعتبر المفكرة
"جين فلاكس
"
أن جميع النظريات الفلسفية التقليدية تتضمن
ما يرمز
إلى الخوف
منة العودة إلى مرحلة
الارتباط بالأم
وفقدان الاستقلال . وهي تؤكد أن
سمات نفسية
ذكورية، ناتجة
عن كون
الأم هي المسؤولة عن
تنشئة الطفل،
تركت علامات
على الفلسفة، فكثير من
الفلاسفة يمكن
ملاحظة عمل
لا شعورهم الفلسفي عند
تحليل أعمالهم. هؤلاء المنظرون كما
ترى فلاكس
يرفضون كل
سمة تفاعلية
واجتماعية في
التطور البشري،
ويركزون على الفردانية
العزلة والاستقلال، ومن هنا
حديثهم عن
الانفصال الجذري
بين العارف
والموضوع الذي
يعرفه، والتعارض ما بين
الجسد والروح،
والعقل والعواطف، ومن هذه
النظريات تنبع
أفكار السيادة، والهيمنة والتحكم في الجسم والعاطفة، والخوف من
المرأة، ولذلك
تحط من
قيمة النساء
ومن كل
الأشياء التي
ترتبط بها، كالجنس والطبيعة والجسم.
ومع أن الانتقادات السابقة تنطبق
بشكل أساسي
على الفكر
الحداثي الليبرالي، إلا أن
القسمة الثنائية التي تقوم على هرمية تؤكد
تفوق الذكوري
بقيت موجودة
أيضا في
النظريات الماركسية في تعاملها
مع النساء،
حيث تبين " جاغار" أن عدم تعامل
الماركسية مع
المسؤوليات التي
تقع على
عاتق المرأة،
كالعمل المنزلي، والإنجاب ورعاية الأطفال وتنشئتهم على
أنها إنتاج
وليست مجرد
إعادة إنتاج
يقوم على
غبن وظلم
يقعان على
النساء، لأنه
يشير إلى أن أعمالهن
لا ترقى
إلى مستوى
العمل المنتج،
ويعمل كما
عمل الفكر
الليبرالي على
الحط من
قيمة أعمال تعد هامة وضرورية
لتطوير المجتمع
وكذلك الحط
من قيمة
المرأة نفسها
بعدم اعتبار
أعمالها جزءا
من المساهمة في تطوير
المجتمع.
ب – موقع الذات العارفة و الموضوع عند الابستمولوجية النسوية :
إن الابستمولوجيا
النسوية في نقدها للابستمولوجيا الذكورية التقليدية ، اعتمدت البحث في شروط
المعرفة العلمية و مصادرها و معاييرها و مناهجها ن و موقف العارف في العملية
المعرفية ، وكذا تأثير الجنوسة أو دورها في عملية المعرفة .
تتميز الابستمولوجية النسوية بتركيزها على
مقولة الذاتية ، إذ نجد الباحثتين "
ماري و لستونكرفت " قد أشارتا إلى أن الذاتية تبقى ذريعة الرجل لحجب المرأة
من الحياة العامة و السياسية ، و استفادت الابستمولوجية النسوية من تحولات ما بعد
الحداثة من إعادة النظر في الذات العارفة من حيث أن لها الدور المحوري في عملية
المعرفة ، كما أن تفكيك الدور الحقيقي للذاتية – الذكوريا طبعا – الكامنة في فصل
ديكارت للوعي العقلاني عن الجسد ، ليرتبط الأول بالذكر و الثاني بالأنثى .
لقد ميزت النسوية بين
الذات كمفهوم انتولوجي و بينها كمفهوم ابستمولوجي ، خصوصا في الابستمولوجيا
التجريبية حيث طورها البعض كأمثال " هيوم " في دورها الابستمولوجي ،
لكنه تجاهل تماما دلالتها الانتولوجية التي تعنى بها النسوية الجديدة كثيرا ، في
هذا السياق تأكيد للتمايز بين الذات المذكرة و الذات المونثة ، و بهذا تنتتهي
النسوية إلى أن الموقف المعرفي لذات الأنثى ليس تماما الموقف المعرفي لذات الذكر .
من هنا كان احد المعالم البارزة للفلسفة ،
ميلاد الابستمولوجية النسوية ، ففي مقال نشرته الباحثة " كود code " في مجلة " ما
وراء الفلسفة " نجدها تطرح السؤال التالي ، هل جنس العارف مهم من الناحية
الابستمولوجية؟ فالإجابة التقليدية هي النفي و القطع لكن " كود " تتقدم بإجابة
نسوية مختلفة تماما ، إذ أكدت على أن العارف مسؤول عما يعرفه و أهم ما تختلف فيه
الخبرة المعرفية للمرأة هو وبمعرفة بالأخلاق أو المسؤولية العلمية ، فالمعرفة طريق
لاتخاذ القرار ، ماذا سنفعل ؟ و بالتالي بحثت في الأبعاد الأخلاقية للموقف
الابستمولوجي و المسؤولية الابستمولوجي ، فالعملية المعرفية من المنظور النسوي
تؤدي إلى الحرية و المسؤولية و الفضائل المتصلة بالإخلاص و التواضع و الشجاعة ، أما
الأفكار النمطية عن الرجل و المرأة ، تعوق هذه العملية الايجابية لأنها تصب المرأة
في قالب ينكر عليها المسؤولية الفعالة ، وهكذا إذن ستعتني الميثودولوجيا النسوية
بالقيم و أخلاقيات العلم.
ج – النسوية و لغة
العلم :
اعتبرت الابستمولوجية النسوية على أن لغة العلم اتخذت صبغة ذكورية ، و
اتخذت لخدمة أغراض المركزية الذكورية ، إذ تم إقصاء النساء عن الانتاج اللغوي ،
مما جعلهن عاجزات عن إنتاج معاني و مدلولات أنثوية ضمن الخطاب اللغوي.
فمثلا نجد في اللغة
الفرنسية أن كلمة « homme » أو في الانجليزية كلمة « men »
تعنيان الإنسان و الرجل ، وتتساءل لباحثة و المنظرة النسوية " ديل سبيندر
1980" و تقول أليس في ذلك تحيزا يوميا للرجل في اللغة الاجتماعية ؟
لقد كانت اللغويات أو علم اللغة من ابرز
المجالات التي شهدت مدا لافتا للابستومولوجيا النشوية ، انطلاقا من مسلمة معاصرة
تقول : " أن اللغة ليست مجرد ليست مجرد وسيط شفاف يحمل المعنى ، بل هي مؤسسة
اجتماعية محملة بأهداف و معايير و قيم المجتمع المعني ، و بالتالي نستشف من خلال
هذا أن اللغة قامت بدورها بتجسيد الذكورية المهيمنة ، لذلك ينبغي كشف هذه الهيمنة
و التحرر منها.
و إذا ما عدنا للغة الانجليزية نجد أن " جون بول " يبين و يوضح
هذه الهيمنة ، فيعتبر أن كلمة « womman « تعني فيما تعنيه " الخادمة ، الخليلة و المومس ..." ومن
ناحية أخرى تستخدم الانجليزية للمرأة كلمات أخرى مثل « bebe » إي الطفل
الرضيع ، « weaker vessel " أي الوعاء الضعيف ،
« doll » أي الدمية . ومن استخدامات اللغة الانجليزية نجد
استعمالها كلمة « fury « للمرأة الحقود ومعناها الأصلي ، الضراوة و الغضب الشديد و العنف البالغ
، كما نجد كذلك أن كلمة « pussy » التي
كثيرا ما يستعملونها في الانجليزية للفرج ، بل إنها تطلق كذلك على نوع النساء كله
بالمعنى الجنسي ، و على المرأة بوصفها طرفا في الجماع ، ثم على الجماع ذاته.
في المقابل فكلمة « bull » (الثور ، الفحل ) بمعنى قوي ،
ضخم ...، و بالمثل كلمة « dog » بمعنى رجل أو إنسان كما في قولهم « you lucky dog »
مثلما تعنيه لفظة « bell cow » إذ تعني قائد أو مرشد، كلها لدلالة على الصفات
الطيبة المرتبطة بجنس الرجل.
ونجد كذلك أن اللغة
الاورو-امريكية ، تخترق بأمثلة عن لغة جنسية طبيعية ، فتوصف النساء تكرارا بألفاظ
حيوانية ازدرائية مثل : قطة ، كلبة ، أفعى ، دجاجة ( تنق النساء كالدجاجات) و
يسيطرون على أزواجهم. وعلى نحو مشابه ، فان اللغة التي تؤنث الطبيعة في الثقافة
البطريكية ، حيث ترى النساء تابعات و في مرتبة أدنى ، وتقوي و تجيز الهيمنة على
الطبيعة ، فالطبيعة الأم ( وليست الطبيعة الأب) تغتصب و تخضع و تضبط و تخترق أسرارها
( و ليست أسراره ) ، وتحرث الأرض التربة ( وليست الفحلة) ، كما أن الأرض التي تفلح
و تترك موسما من دون زراعة هي ارض لا نفع لها أو عاقر ، مثل امرأة لا تستطيع الحمل
بطفل.
د – فلسفة العلم
النسوية و فلسفة البيئة :
إذا ما عدنا إلى العلم بقيمه الذكورية التي مثلت أساسه الإيديولوجي ،
وتمثلت في النظر إلى الطبيعة كآخر و غزوها و السيطرة عليها و استنزاف مواردها، مما
أدى إلى كوارث بيئية ، معنى ذلك باختصار قهر المركزية الذكورية على البيئة ، هكذا تأتي
القيم الأنثوية لتحدث توازنا في المشروع العلمي لأنها تقوم على عمق الارتباط بالأخر
و انبثاق الحياة من المرأة و التعهد و التعهد بها و رعايتها و تنميتها... يؤذن
بطرح في مصلحة البيئة ، وهذا ما يؤكده التاريخ المهدر لمصلحة الرجل فقد اكتشف
الرجل ، القنص و الحرب ،بينما اكتشفت المرأة الزراعة و الرعي ، اخترع الرجل الفأس
، السكين ،الخنجر ، السهم و الرمح ، بينما المرأة اخترعت القدور ، الأواني ، الأطباق
، الأقداح و الموقد ، صنع الرجل العجلة ، بينما صنعت المرأة الفراش و الستائر.
هكذا تبرز النسوية أن مشكلة البيئة تكمن في خصوصيتها ، فقد ظهر في سنة 1974 ما
اصطلح عليه "النسوية أو الموت" و صيغ مصطلح النسوبة البيئية ليعبر عن
العلاقة الحميمية بين طرفي الأنثى و الطبيعة آو بالعبارة " إن الطبيعة أنثى و
الأنثى طبيعة " ففلسفة العلم النسوية عملت هنا على تقويض الذكورية التي جسدها
"بيكون" و اجتثاث فلول الميكانيكية و قهر الثنائيات و منها ثنائية الإنسان
و الطبيعة.
النسويات أوضحن أن العلم الغربي و التطور الرأسمالي باعتبار الأول يستغل
الطبيعة و يحيلها إلى طرف سلبي و الثاني أي الرأسمالية تستغل المرأة ، هذا إلى
جانب ثورة العلوم التكنولوجية ، كلها قضت على العديد من المجتمعات الأموية أو
الاميسية ،خصوصا في بلدان العلم الثالث ، وذلك بفعل المد الاستعماري (العسكري أو
الثقافي ) هكذا إذن حاولت فلسفة العلم النسوية الدفاع عن انتولوجية نسوية في مقابل
انتولوجية ذكورية ، و اقتلاع مركزية العقل الذكوري ، مما من شأنه تحقيق حرية
الشعوب و الحفاظ على البيئة .
هـ - بعض ملامح
الجانب الأنثوي في بناء المعرفة :
في هذا الإطار نجد النسوية الراديكالية قد
افترضت أن النساء يعرفن الكثير من الأمور التي يجهلها الرجال ، لان لديهن القدرة
على الحدس ، و هي قدرة تتطور بشكل جيد و تساعدهن على المعرفة ، و ادعين أن الحدس
يساعد النساء على تملك زيادة في المعرفة المباشرة غير الاستدلالية التي تمكنهن من إدراك
مشاعر الآخرين و دوافعهم و أحاسيسهم ، هذا إلى جانب قدرات أخرى تعتبر مصدرا هاما
للمعرفة ، هي القوة الروحية و الإحساس الغامض الذي يساعد النساء على الاتصال مع الآخرين و مع العالم كله.
من ناحية أخرى نجد عالم النفس
الشهير"بيونغ" قد قسم بين عقليتين ، إحداهما ذكرية و دعاها بالروح
الذكرية ، و الثانية أنثوية و دعاها بالروح الأنثوية ، الأمر الذي جعل الباحثين
لاحقا يربطون ذلك بالجانب البيولوجي ، حيث اعتبر أن النصف الأيسر من الدماغ هو
المسؤول عن الجانب المنطقي و قد ربط بالروح الذكرية ، و النصف الأيمن من الدماغ هو
المسؤول عن الجانب الأنثوي .
وقد بلغ الأمر بالإبستمولوجي الفرنسي غاستون باشلار إلى
الذهاب نحو اعتبار أن الجانب الأنثوي مسؤول عن الجانب الحُلُميّ الجميل فينا،حيث
يحاول غاستون (باشلار)جاهداً أن يؤكّد لنا صلة حُلم اليقظة بالروح المؤنثة كي يكون
الخيال الشعريّ خلاّقاً وعميقاً وجميلاً وخالياً من هموم الحياة، بل تحقيقاً أمثل
للسعادة، بينما نراه يؤكد على ذكورة الأحلام والمنامات، (وهما مفردتان مذكرتان في
اللغة الفرنسية).وهو مرجع حلم اليقظة الإبداعي وهو ـ عنده ـ «ظاهرة روحانيّة
طبيعية جداً ومفيدة جداً للتوازن النفسيّ، ويجب أن لا نعامله على أنه انحراف
للحلم، وأن لا يُوضع من غير مناقشة في مصاف الظواهر الحلميّة حيث أن تدخّل الوعي
في حلم اليقظة يحمل علامة حاسمة . ويحدّد باشلار حلم اليقظة على أنه تقوية ذاكرة الخيال، هذه
الذاكرة المستقرّة على شكل نمط أصلي أو عريق مستقرٍ وثابتٍ تحت ذاكرة، وعندما نستطيع أن نوقظ نمط
الطفولة الأصلي، تستأنف جميع الأنماط الأصلية العريقة والكبيرة انتعاشها، لتقوم
القوى الأبوية والأمومية بعملهما، فيفلت منهما الزمن ويعيش كلاهما، فينا، في زمن
آخر فهنالك سلخٌ للزمن
DÉTEMPORALISATION)) في حلم
اليقظة. وهنا يمكننا معرفة حالاتٍ تكون أنطولوجياً تحت الكينونة
أو الوجود (ÊTRE) وفوق العدم (NÈANT ). وفي هذه الحالات يخف تناقض الوجود واللاوجود ويحاول
الوجود الأقل أن يكون … وجوداً »[12]، وهنا يحرّرنا حلم اليقظة في ماهيته الخاصة من وظيفة الواقعيّ؛
«فما إن نتأمله في بساطته حتى نرى تماماً أنه شاهدٌ على وظيفة الواقعيّ وهي وظيفة
مُفيدة تحفظ النفس الإنسانيّة على هامش جميع فظاظات اللاأنا العدوانية.
فعندما يكون حلم اليقظة عميقاً حقاً، فإن الكائن الذي
يأتي ليحلم فينا هو روحنا المؤنّثة ، رغم أنه ـ لتوِّه ـ قد أكد لنا أننا نحن الذين نحلم في حلم
اليقظة. وهكذا فإن أول تعيّن لروحنا المؤنّثة هي أنها قرينُنُا الذي هو منّا، ولا
انفصال له عنّا. لكن حلم اليقظة يحتاج لكي يبرز كروح مؤنّثة أن يترافق بالتوحد (SOLITUDE) وفق معادلة نستقيها كما تُستقى المعادلات الكيمائية
ونقترح استخراج مثل هذه المعادلات في تفكيك ما جاء مكثفاً فيما سبق،لتكوُّن روحٍ.
على النحو التالي:
روح مؤّنثة + توحّد ¬ حلم يقظة شاعريّ
ولكن هذا سيكون شرطاً لحلم يقظة شاعريّ، إلا أن الشرط
الأهم حلم يقظة مثالي هو توافر الروحين معاً. ففي حلم اليقظة المتوحد نعرف أنفسنا
( في المذكّر والمؤنث معاً ) ويقوم حلم اليقظة ( هنا بالذات) بجعلِ مادته والحالم
مثاليّين في وقت واحد.
3- نقد
الابستمولوجية النسوية للعلم على مستوى المنهج (الميتودولوجيا النسوية ) :
لقد هيمنت الميثودولوجيا الكلاسيكية على الساحة العلمية لقرون
بصبغتها الذكورية ، لتكرس بذلك إقصاء النسوية من المساهمة في البناء العلمي ،
باعتبارهن ذاتيات .
وقد تم ترسي هذه الهيمنة من
خلال مفهوم علمي ، ألا وهو " الموضوعية " و الذي يقوم على أساس عملي
مفاده فصل موضوع المعرفة عن الذات العارفة ، باعتبار أن هذه الأخيرة ،مستقبل
للمعرفة و ليست مصدرا لها ، فالباحث يكتفي بتوظيف عنصريين أساسيين في عملية بناء
المعرفة ، نجد العقل من جهة ، يفكر و يصوغ نظريات آو فرضيات ، ومن جهة ثانية
الحواس ، وخص بالذكر هنا عملية الملاحظة للوصول في نهاية المطاف إلى بناء حقائق
علمية مطلقة.
من خلال هذا الإقصاء ، ستحاول
الميثودولوجية النسوية إعادة النظر في مفهوم الموضوعية من داخل سيرورة البناء
العلمي للمعرفة ، عن طريق إقحام الذات العارفة في هذه السيرورة العلمية ،
باعتبارها آلية من آليات البناء المعرفي.
و في هذا السياق أطرت "
ليندا جين شيفرد " الذات العارفة في مقولة دقيقة جدا حيث تقول "ويغدوا
كل من التفكير و الشعور ، الموضوع و الذات حليفين في عملية تعقب المعرفة".
بمعنى آخر لا يمكن فصل موضوع المعرفة عن الذات العارفة ، و في نفس السياق ، تضيف
النسوية ، على أن الباحث ليس آلة جامدة ، بل انه يقتحم مختبره محمل بقيم و أخلاق
مجتمعه ، فهو ينفعل و يحس ، و ينتج ردود أفعال ، و يبني علاقات ، و يعكس تجارب...،
كل هذه العناصر من شأنها أن تؤسس لموضوعية جديدة ، موضوعية يتداخل فيها الذاتي و
الموضوعي ، لتنتج لها حقائق ليست بالمطلقة، بل نسبية ، لكون أن البناء المعرفي
يؤطر من داخل سياق معين ، مما يؤدي إلى إنتاج منظور معين .
إن الذات العارفة هنا لا يمكن تجاوزها بسهولة ، و بالتالي تلغى
الموضوعية ، كما تبنتها الميثودولجيا الكلاسيكية. على هذا الأساس ،تكون
الميثودولوجيا النسوية ، قد ساهمت في نشوء علم جديد ، علم خالي من التحيزات ،
بمعنى بناء علم متحرر من الهيمنة الذكورية ، ليس بدافع إلغاء هذا الأخير ، لكن
الاعتراف بالطرفين من داخل الساحة العلمية.
4 – النقد الموجه للابستمولوجية النسوية :
" الابستمولوجية سيدة
العلم ، تزوج بها علم الاجتماع ، و مارس عليها الهيمنة التجريبية ، فأصبحت خاضعة
له ، و لكن علينا سسلجة السوسيولوجية ، وذلك بإحداث سوسيولوجية تدرس السوسيولوجية
عن طريق إعادة النظر في مجموعة من النظريات الكلاسيكية ، بناء علم اجتماع جديد
اقرب إلى الميدان آو بالأحرى مستمد من الواقع " (1).
انه و كما
هو معلوم أن الابستمولوجية النسوية هي علم يحلل أسباب و آليات القهر الاجتماعي
الذي تتعرض له المرأة ، وكذا و سيلة لخلق معرفة نظرية نسوية تعنى بكل شؤون المرأة
و قضاياها (2) .
إن سعينا للانتقاد يفرض أن نبدأ ذلك بمسألة ما مدى
مشروعية تناول الابستمولوجية النسوية للمعرفة ارتباطا بالجنس و الجنوسة ؟ ! ، وإننا سوف نعمل على تحليل السؤال في إطار المحاور التالية:
أ-
نقد الابستمولوجية النسوية على
مستوى المنهج :
إن الابستمولوجية النسوية قد
اعتمدت على ثلة من المفاهيم المفاتيح في إرساءها لدعائم المعرفة النسوية أو العلم الأنثوي
، منها : الذات ، الذات العارفة ...
أ-أ- مفهوم الذات :
إن أي معرفة حتى تستقيم و توصف
بالعلم لا بد أن تبتعد عن التحيز و التعصب و الأفكار (المسبقة ) و الأهواء و
النزاعات الذاتية التي يحملها عادة الأشخاص الذين يقومون بدراستها و تصنيفها و
تحليلها " (3)، و أن الابستمولوجية النسوية قد ارتكزت على الذات الأنثوية
بالأساس و جعلتها محور كل قضية ، و هكذا ساهمت في تحطيم مكانة الرجل و تهميشه على
حساب "رد الاعتبار" للمرأة خاصة حينما قامت بتطوير مفهوم الذات
انطولوجيا ، وذلك للتمييز بين الذات المذكرة و الذات المؤنثة ، من اجل تغيير
الموقف المعرفي للأنثى و الحط من شأن الموقف المعرفي الذكوري ، الذي يسعى في نظرها
إلى إقصاء المرأة و تهميشها ليس إلا.
(1)
– مقتطف من مقال زوال الموضوعية في الموضوعية ،للطالب عبد الرحيم
السيد ،السداسي الخامس ، كلية الآداب و العلوم الإنسانية مكناس .
(2)
د. يمنى طريف
الخولي "النسوية و فلسفة العلم" مقال من الانترنت.
(3)
د. إحسان محمد الحسن،
المعرفة العلمية: دراسة موضوعية في علم الاجتماع العلم "منشورات مجلة
الثقافة" العددان 2 و3، النسخة 11، شباط، آذار 1981 ص. 48 .
أ – ب – مفهوم الذات العارفة :
من خصائص الابستمولوجية أنها
تسعى إلى القطع مع كل العناصر القيمية أو الذاتية ، ذلك أنها تبحث عن الجذور
الموضوعية للمعرفة ، بيد أن هذا لايتوفر في الابستمولوجية النسوية ، ذلك أنها
منحت الحق للذات العارفة ( الشخص الذي
يعلم ) بالتموقع بين موضوع المعرفة و الطريقة التي يعرف بها ، بمعنى أن يخلط بين
الموضوع و الذات ، و هذا يتنافى تماما مع أسس الموضوعية التي يعتبر فيها الاستقراء
induction و الاستنباط déduction أهم آليتين تجعلان المعرفة
موضوعية ، ذلك أن النتائج التي يصل إليها الإنسان عن طريق الاستنباط لا تصدق إلا إذا
قامت على مقدمات صادقة و ثابتة و موضوعية".(3)
و هذا ما يغيب كليا في الابستمولوجية النسوية التي تقدس الذات العارفة و
تمنحها مكانة أساسية ، فمثلا حينما طرحت "لورين كود " في مقالها سؤالا أساسي
كان هو :هل جنس العارف مهم من الناحية الابستمولوجية؟ ، نسيت أن تقوم استقراء هذه
لفكرة التي استنبطتها بشكل موضوعي ، و الدليل على انها لم تتساءل عن جدوائية
الابستمولوجية بالنسبة للجنس الأنثوي ؟ ! بل أنها حاولت أن تمنح لجنس المرأة امتيازا عن جنس الرجل، و ذلك
حينما ربطت معرفة المرأة بالأخلاق و كأن الرجل يجهل الأخلاق ؟ ! .
إذن ، لقد انزاحت الابستمولوجية النسوية عن الموضوعية و ارتبطت
بالميتافيزيقيا ، و اعتبرت أن الموضوعية الغربية ما هي إلا زيف ووهم ، وحاولت أن
تربط المعرفة بسياقها الاجتماعي و المنظور الإنساني.
ب-
نقد نظريات الابستمولوجية النسوية :
إن الابستمولوجية النسوية تنطلق من ثلاثة اتجاهات نظرية أساسية هي :
ب – أ- النسوية التجريبية :
لقد حاولت النسوية من
الناحية الابستمولوجية أن تطبق مناهج العلم و مبادئه ، إلا أنها كثيرا ما أدخلت مفاهيم
و قضايا متعلقة بالمشاعر و الأحاسيس إلى مجالها ، حيث قزمت العلم بالروحانيات و
الفن و المشاعر و الحدس ، الذي يعتبر
بمثابة طريق نحو المعرفة ، بالنسبة للابستمولوجية التجريبية ، فمثلا قسمت
"فرانسيس فوجهان" في كتابها " إيقاظ الحدس" الحدس إلى أربع أقسام
:
(3)
نفس المصدر، ص
. 19
+ الحدس الفيزيقي و العقلي : كما عند "البرت انشتاين و ريتشارد فينمان ".
+الحدس العاطفي و الروحي :هو لا علاقة له بالعلم ، إلا انه في نظر
الابستمولوجية النسوية قد يقود في بعض الأحيان إلى حلول لمشاكل في العلم ، ولكنه
في نظرنا يبقى مجرد محض صدفة (4).
ب – ب – النسوية و اختياراتها :
انصبت أعمال "نانسي هارتسوك
nancu hartsok على كشف الاختيارات المهمة للابستمولوجية
النسوية خاصة حول الادعاء القائل بان حياة النساء تختلف عن حياة الرجال و ذلك من
الناحية البنيوية ، إلا أن هذا الإقرار بالاختلاف بين الرجل و المرأة ، يسقط
الابستمولوجية النسوية في تناقض حينما تحاول أن تساوي بين المرأة و الرجل في الأدوار
و المهام و المكانة العلمية .
ب-ج- النسوية ما بعد الحداثة :
يتجلى طرح النسوية ما بعد الحداثة ابستمولوجيا في اعمال "jean bethke elshtain " حيث أعادت تأويل الحقل الفلسفي للفكرة
التي تقول أن لنساء مخلوقات عمومية umpublic ، هنا تتضح مرة أخرى أزمة الابستمولوجية النسوية ، فهي تذبذب آراءها
من باحث إلى أخر و من نظرية إلى أخرى ،ما يطرح سؤالا أساسيا هو ، هل نتحدث عن
ابستمولوجية واحدة أم إننا نتحدث عن ابستمولوجيات نسوية؟ !.
إن هذه الفضفضة و الغموض الذي تكتسيه النسوية يدفعنا إلى رميها بالانتقادات
التالية :
1-
أنها بداية لابستمولوجية و ليست ابستمولوجية كاملة و ناضجة .
2-
هي لا تشرح الواقع و لا تحلله بل تنطلق من نظرة ثورية.
3-
أنها غفلت أسس العلم الابستمولوجية الموضوعية و تغاضت عنها .
شبه خاتمة :
يبدوا أن الابستمولوجية سيدة العلوم – كما ذكر ذلك صديقي – لم تقوى أختها
النسوية على أن تصير هي الأخرى سيدة ، لأنها لم تفلح في زواجها مع المناهج و مبادئ
العلم الموضوعية ، ما جعلها تبقى ابستمولوجية عزباء حتى الآن .
(4)
ليندا جين
شيفرد ، انثوية العلم /العلم من منظور الفلسفة النسوية ، سلسلة عالم المعرفة ،
العدد 306 ، سنة 2004 ، ص . 253/255
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق