من بين التعريفات
المتداولة لمفهوم العنف، أنه كل سلوك يلحق أذى بالغير، سواء كان ذلك الأذى ماديا
أو معنويا، ويعرفه "لالاند" في معجمه الفلسفي بأنه
"..الاستخدام غير المشروع...للقوة.."؛ ويشير أحمد زكي بدوي في
معجم مصطلحات العلوم الاجتماعية، إلى أن مفهوم العنف يدل على" استخدام القوة
والضغط استخداما غير مشروع أو غير مطابق للقانون من شأنه التأثير على فرد ما،
والإكراه من الناحية القانونية إذا وقع على من تعاقد يكون سببا في بطلان التعاقد[1]،
وترى Hannah
Arendt
في كتابها "من الكذب إلى العنف"
أن القوة لا تتحول إلى عنف إلا عندما تستخدم كأداة للسيطرة والهيمنة[2]؛
ومفهوم العنف يشمل كل التصرفات التي تهدد أمن الإنسان واستقراره، وتحط من كرامته
وقيمته، سواء أكان ذلك بشكل مباشر أو غير مباشر؛ وبهذا المعنى يمكن اعتبار الإقصاء
الاجتماعي أو السياسي أو الثقافي أو اللغوي شكلا من أشكال العنف. وقد يمارس العنف
من قبل فرد أو جماعة أو فئة عرقية أو لغوية أو طبقة معينة، وقد يكون من فعل مؤسسة
أو جهاز منظم، ويمكن أن يستهدف فعل العنف الفرد أو الجماعة أو الطبيعة أو الثقافة
أو اللغة أو غير ذلك مما يشكل مصدرا للحياة، أو الكرامة أو إنسية الإنسان[3].
يرى إريك فايل أن "العنف" سلوك
لا عقلي يهدف إلى النيل من كرامة الإنسان ومن إنسانيته[4].
أما ماركس وأدرنو فيعتبران
" أن السلوكات والتصرفات تتشكل وتتكون بفعل تفاعل العديد من العوامل الوراثية
والبيئية، وأن الفوضى الاجتماعية، تكون هي السبب الرئيسي لانتشار العنف، كما أن
الأسباب التي تؤدي إلى العنف ناتجة عن الحرمان والكبت والخوف والشعور بالخطر،
فعندما يصبح النشاط الهادف للوصول إلى الغاية المرغوب فيها مستحيلا، يتحول النشاط
تلقائيا إلى العنف والعدوانية؛ والعنف يظهر دائما على أنه الحل الأكثر نجاعة
بالنسبة لصاحبه ولو لفترة قصيرة، عندما لا يبقى هناك منفذ أو سبل أخرى متاحة أمامه[5].
ويرى مصطفى
حجازي أن العنف يعتبر آخر وسيلة يلجأ إليها الفرد حين لا ينفع الحوار وحين
تغلق كل الأبواب لتحقيق رغباته أو إيصال صوته وآرائه للآخرين، وأيضا عندما يريد
إثبات وجوده والاعتراف به كفرد ينتمي إلى نفس المجتمع، وله حقوق يريد الحصول عليها
أو غاية يطمح في تحقيقها والوصول إليها[6]؛
وإذا تفقدنا مصطلح العنف في قاموس "أكسفود" فنجده يشير إلى : ممارسة
القوة البدنية لإنزال الأذى بالأشخاص والممتلكات، كما يعتبر الفعل أو المعاملة
التي تحدث ضررا جسمانيا أو التدخل في الحرية الشخصية عنفا"؛ فحسب هذا القاموس
فإن العنف يشير إلى كل فعل أو سلوك من شأنه أن يضر بالآخرين أو بالأشياء ويخترق
حدودهم وحرياتهم ويغتصب منهم ممتلكاتهم، وذلك باستعمال القوة المادية، كالتخريب أو
التعذيب والضرب والاعتداء[7].
·
العنف المادي: يتمثل في
السلوك الوحشي الفظ غير الملائم للحياة الاجتماعية، كالضرب والجرح والتعذيب
والاغتصاب والاستغلال الجنسي وغيرها؛
·
العنف
اللفظي: المتمثل في الكلام والأقوال العدوانية
المجرحة كالصياح والشتم والإذلال والتهديد بالاعتداء المادي والانتقام وغيرها؛
·
العنف
اتجاه الذات: يعتبر بعض الباحثين أن هناك نوعا من
العنف الذي يتجه نحو الذات والذي يتمثل في الانتحار.
·
العنف النفسي: هو نوع من
العنف يصعب رصده بوضوح لأنه غير ملموس كما هو الحال بالنسبة للعنف البدني، فقد يتم
على شكل أقوال أو حركات خفية ومتسترة غير ظاهرة في كثير من الأحيان للعيان. على
سبيل المثال ما يعتمل داخل الوسط الطلابي من تهديد و"ترهيب" .
قد يتخذ العنف
أشكال متنوعة، منها ما هو مادي وملموس، كالاعتداءات الجسدية بمختلف أشكالها، مثل الضرب
والاغتصاب والحبس والاغتيال إلخ، ومنها ما هو معنوي وأخلاقي، كالضغط والإكراه والإهانة
والتهميش، وهذا ما يصطلح عليه بالعنف الرمزي، فهو عنف خفي ومقنع يصعب إدراكه بصورة
مباشرة، ومثال ذلك العنف الرمزي الذي تمارسه بعض الأجهزة الإيديولوجية وبعض وسائل
الإعلام، حين تسخر ما تتوفر عليه من إمكانات النفوذ والتأثير والتواصل لاحتلال
العقول وحشو الأدمغة، بما يخدم مصالح فئات أو طبقات أو دولا معينة من أفكار
وتصورات وتوجهات، وكثيرا ما يتم ذلك تحت ذريعة التثقيف والتنوير[9].
في هذا الصدد يطرح بيير
بورديو في كتابه "إعادة الإنتاج" المسلمة التالية: " إن كل
سلطة عنف رمزي، أي كل سلطة تطال فرض دلالات وتطال فرضها على أنها شرعية أن تواري
علاقات القوة التي هي منها مقام الأس لقوتها، إنما تزيد إلى علاقات القوة تلك،
قوتها المخصة بها، أي تحديدا قوتها الرمزية"[10]
لهذا يعتبر بورديو أن أي نشاط تربوي هو موضوعيا نوع من العنف الرمزي، وذلك
بوصفه فرض من قبل جهة متعسفة لتعسف ثقافي معين[11]،
ومنه أن علاقات القوة بين الجماعات والطبقات التي تتألف منها التشكيلة الاجتماعية،
تؤصل النفوذ التعسفي باعتباره شرطا لانعقاد علاقة الاتصال التربوي، أي لفرض وترسيخ
نموذج ثقافي تعسفي وفق نمط تعسفي من الفرض والترسيخ (التربية)[12].
ويعرف بيير
بورديو Bourdieu العنف الرمزي باعتباره عنف
غير فزيائي، يتم أساسا عبر وسائل التربية وتلقين المعرفة والإيديولوجيا، وهو شكل
لطيف، وغير محسوس، وغير مرئي بالنسبة للضحايا أنفسهم. والعنف الرمزي حسب بورديو Bourdieu، يمارس على الفاعل الاجتماعي بموافقته وبتواطؤ منه، والأكثر من
ذلك أنه يعمل في الخفاء وبشكل غير واع، ولذلك فهو غالبا ما لا يعترف به كعنف، حيث
يستدمجه الفاعل الاجتماعي كمعطى بديهي، عبر وسائل التربية والتنشئة الاجتماعية،
وأشكال التواصل داخل المجتمع، وهو نوع من
أنواع الاستغلال للوسائل التي يمرر من خلالها العنف الرمزي، خاصة عندما تتوافق
البنيات الموضوعية السائدة على أرض الواقع مع البنيات الذهنية الحاصلة على مستوى
الفكر[13].
كما أنه لا يمكن فهم العنف الرمزي إلا في علاقته بالأنساق الرمزية (الفن، الدين،
اللغة ..).
[2] اقفلي حماني،العنف: المفهوم والظاهرة،
العنف مقاربات فلسفية، دفاتر المدرسة العليا للأساتذة بمكناس، مجلة بيداغواجية
وثقافية، العدد 14، أبريل 2009، مطبعة مرجان، ص8.
[3] اقفلي حماني،العنف: المفهوم والظاهرة،
العنف مقاربات فلسفية، دفاتر المدرسة العليا للأساتذة بمكناس، مجلة بيداغواجية
وثقافية، العدد 14، أبريل 2009، مطبعة مرجان، ص 8 .
[5] الحوامدة
كمال، العنف الطلابي في الجامعات الأردنية الرسمية والخاصة من وجهة نظر الطلبة
فيها، مرجع سابق، ص 3.
[6] حجازي مصطفى ،
التخلف الاجتماعي، مدخل إلى سيكولوجية الإنسان المقهور، الطبعة الأولى، دون ذكر المطبعة، بيروت، 1976،
ص253. ( أنظر ويس راضية، آثار صدمة الاغتصاب على المرأة، رسالة
ماجيستر في علم النفس، كلية العلوم
الإنسانية والاجتماعية، جامعة منتوري- قسنطينة- السنة الجامعية 2005-2006. ص7)
[7] عبد المختار محمد خضر، الاغتراب والتطرف نحو
العنف، الطبعة الأولى، دار الغريب للطباعة والنشر، القاهرة مصر، 1999، ص 155. ( أنظر ويس راضية، آثار صدمة الاغتصاب على المرأة، رسالة ماجيستر في علم
النفس، كلية العلوم الإنسانية
والاجتماعية، جامعة منتوري- قسنطينة- السنة الجامعية 2005-2006. ص7)
[8] أوزي أحمد،
سيكولوجيا العنف، عنف المؤسسة ومأسسة العنف، الطبعة الأولى،مطبعة النجاح الجديدة،
منشورات مجلة علوم التربية، الدار البيضاء، 2014، ص11.
[9] اقفلي حماني،العنف: المفهوم والظاهرة،
العنف مقاربات فلسفية، دفاتر المدرسة العليا للأساتذة بمكناس، مجلة بيداغواجية
وثقافية، العدد 14، أبريل 2009، مطبعة مرجان، ص9.
[10] بيار بورديو وجان-كلود
باسرون، إعادة الإنتاج، في سبيل نظرية عامة لنسق التعليم، ترجمة تريمش ماهر،
مراجعة سعود المولى، الطبعة الأولى،
المنظمة العربية للترجمة، توزيع: مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، لبنان، 2007،
ص 104.
[11] بيير بورديو،
العنف الرمزي( بحث في أصول علم الاجتماع التربوي)،ترجمة جاهل نظير،الطبعة الأولى،
المركز الثقافي العربي: د.ت.،ص7.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق