وقفة مع الذات
كثيرا ما أجد نفسي
وذاتي تريد أن تتكلم و تعبر وتنطق ، في محاولة منها لفهم ما يجري في كنهها ، وتخرج
من هذا التياهان و الذوبان في رياح الواقع الاجتماعي ، فلا طالما انتابني الشعور بالضياع و الغربة ،
وبدأت أطرح سؤال من أكون ، أين أنا ، وفي أي طريق أجول ، وأعتقد اليوم وفي هذه
اللحظات التي سرقت مني وقتا من الضياع ، لتجرفني ولتنبهني كي أعطي فرصة لذاتي
ونفسي كي تعبر وتنطق عما يجول فيها ، لكنها وجدتني عنيدا ومن أنا لكي أعاندها
ولماذا ، لماذا أعماقي تنذرني وأحس وكأني منفصل عن نفسي ، أحس بها من الداخل ،
أشعر بها تتألم ، وكأنها تريد أن تخرج مني وكأن وعائي لم يعد ينسجم معها أم أني لم
أعد أحتمل أعبائها و أثقالها فمن أنا ومن أكون وكيف سأكون ...
أسئلة محيرة ، مقلقة تخالجني في الفينة و
الأخرى ، شاءت اللحظة و الآن حتى اكتب هاته الكلمات وأنا أستشعر بعمق انه لا بد لي
من وقفة مع الذات ، فما ذاتي ونفسي ما التحولات و التغيرات التي شهدتها ، بين
متغيرات الماضي و الحاضر ، أين أجد نفسي أم متى تجدني ، ما السبيل إلى اتساق
وانسجام بين الروح والجسد ، والى أين ينبغي المسير للخروج من الضياع إلى بر
الأمان؟
دعيني انطق و أتكلم يا نفس ، دعني أعبر
وأشعر يا إحساس ، دعوني و شأني فكوا أغلالي ، أتركوني أذهب لحالي ، كفى ، كفى
،كفى... دعوني أجد نقطة البداية ، الخيط الناظم ، عنوان الوجود و الحياة ... أنا
لم أخلق لهذا أو ذاك ، بل أعظم من هذا و ذاك... لذا مهما قاومتي يا نفسي ومها
فعلتي فلن تثنيني عما أريد وعما اطمح إليه .
كان لا بد من البداية بهاته الكلمات التي أتت
لوحدها ربما لأنها أرادت أن تأتي أو ناديتها خلسة لتعبر عما حل بي ، ففي هذه
السنوات الأخيرة أجد نفسي تائها حقا ، وأصبحت الرياح العابرة تأخذني متى مرت وهبت
،تسرح بي و تدور بي وتتركني مغيب الذهن تائها ، وعندما أريد العودة لا أستطيع ،
أكتمل الطريق في ضبابة كاحلة ، مغامرة تغمر بي لتعيش مغامرتها من خلالي ،لتفوز
الأهواء و يجرفني الخواء في النهاية بسرعة و هرولة تغدوا حلما يشتاق للحلم لكنه
الواقع .
بدأت الحرب من جديد لماذا دعيني اكتب لماذا
دائما خطاب توقف لا تفعل ، هذا ما لا أطيقه ، دعيني ما دام الضياع أعطاني فرصة لأعود
للأنا ، دعيني مادام الإحساس منحني ثوان للشعور ، عفوا عما كتبت ،فكما تعلمون
الحرب مستمرة مع النفس... لكن اعذروني قد هزمت مرة أخرى سأعود متى سنح لي الضياع ،
دعو نفسي الآن تفعل بي ما تشاء .
عدت من جديد ربما لأني أردت العودة ، بعد
مشقة مع النفس ، صيحات و أهازيج ، أطفال وصبيات يهتفون يغنون يلعبون ، فرحون بقدوم
العيد ، بينما أجد نفسي وحيدا في غرفتي ، الفراغ يقتلني ، رغم أنني مشغول بأمور لا
تكاد تفصح عن نفسها وأبحث عن كنهها ، لماذا تبعثرت حياتي ، لماذا انشق فؤادي
وعقلي... موسيقى هادئة شاءت الأقدار أن أنصت إليها وأنا أدون هنا و الآن ، تأخذني
للحظات لكني أعود لأكتب ، وكأنها تلهمني وتوحي لي بما أكتب فمن يدري ما الذي يقع
الآن . ومن يدري وكيف ادري فأنا الغائب الحاضر ، العاقل المجنون ، بل حتى أن
المجنون يستشعر وجوده بين الفينة و الأخرى لكني غائص متعمق في الضياع فمتى العودة
ومتى الرجوع إلى الديار .
أنا الضاحك الباكي ، في هنيهة من هذا بدأت
اضحك على نفسي لكن أليس هي التي تضحك علي ، ربما بلى ، لكن لما الضحك أليس الأصوب
هو البكاء ، ربما هذا قد يكون أيضا ، لكن ماذا يمكن أن أقول عني عندما أتموقف بين
هذا و ذاك ، ليس بكاء أو ضحكا ، بل خمود ، دهشة حقيرة ، توقف عن الحراك الذهني و
العقلي... أكاد انفجر ، بينما الانفجار لا يريد أن يسعفني أو يفك أسري...لا طالما
أردت الكلام و التفريغ لمحتواي لكن لم أجد من ينصتي لي ربما لأنني غير مفهوم أو
الآخرون يتغاضون عن فهمي ، ومن قال أني أريد أن أتكلم للآخرين ، فقط أردت التكلم
مع نفسي وأردت محاورتها بعدما طالها القمع دوما ، والتنقيص حتى غدت تفقد مقوماتها
وثقتها في نفسها ، دعونا نكن منصفين لكي نفهم و نفسر ما الذي وقع لنفسنا من مخاض
وتحول وانفجار أثر بدون شك على سيرورتها حياتيا وبسيكواجتماعيا حتى نستطيع اقافها
عما تجمح إليه دون مجرى متزن تسير عليه ، معرفة كل هذا تتطلب حوار داخليا معها حتى
تفوح لي بأسرارها ، لكن لا أعتد ذلك سيحدث الآن إنها في هاته اللحظات متعبة تريد أن
تستريح فلنا عودة متى سنح الضياع طبعا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق