الثلاثاء، 17 ديسمبر 2013

خلق الصبر" سلسلة الجلسات التربوية 2

"
خلق الصبر"
سلسلة الجلسات التربوية 2
عبدالعالي الصغيري
مكناس في 18/12/2013
الساعة:00:42

كان يا سادتي مجلس الذكر مستنيرا مشرقا، وي كأن الملائكة تحفه بأجنحتها حتى عنان السماء . المكان لا يكاد يسع الحاضرين الذين التحموا في بوثقة أنستهم برودة الطقس،  وضيق المكان،  ولكن المثير في هذه المرة كما في كل مرة أن التشكيلة مختلفة وجديدة، فقلت في نفسي أهو القدر الذي يتحكم في هكذا مجالس؟ على أية حال كان موضوع هذه الجلسة رفيع المقام، تتهدد معه الجبال، ويسلب العقل والوجدان، إنه باختصار موضوع الصبر، الذي كان الحديث فيه من نصيب عبدالله، وقد قيل مما قيل أن الصبر يكون على النعم كما يكون في النقم، كأن يصبر المرء على الصلاة وتلاوة القرآن،  وأن الإنسان كلما ازداد صلاحا إلا وازداد ابتلاء واختبارا، وأن أعظم ابتلاء يكون في الشهوات مصداقا لقوله تعالى " زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ(ال عمران14. كما أن الإبتلاء الأعظم يكون في النعم، كأن يبتلى المؤمن في دينه وعلمه..

وقد أبيت يا سادتي إلا أن أدلو بدلوي في هذا المقام فبدأت مما بدأت به بأسئلة تبدو بسيطة لكنها مقلقة للجميع، وهي على ما أظن المدخل الأساس لهذا الموضوع، وكانت على النحو التالي، أولا لماذا نصبر؟ ففي هذا السؤال نجيب عن مقاصد الصبر وغاياته، ثانيا كيف نصبر؟ أما هذا السؤال فمن خلاله نعرف الوسائل والآليات التي يكون بها الصبر الذي يحتاج منا في بعض الأحيان للاستعانة بالغير أو بالجماعة، أو المؤسسة أحيانا حتى تعيننا على الصبر، ثم أخيرا متى نصبر؟ هذا السؤال فيه فصل بين موضع الحق في الصبر وموضع عدم الحق فيه حسب الوضعيات. فهل يصبر الإنسان على هتك الأعراض أو قهر العباد؟ وهل لا نصبر على قساوة الأهل أو الأستاذ..وختم الكلام الصلاة والسلام على خير البرية والأنام صلى الله عليه وسلم.

السبت، 14 ديسمبر 2013

"متى يقهر الرجال الزمان"


"متى يقهر الرجال الزمان"
عبدالعالي الصغيري
مكناس في 15دجنبر2013
الساعة:01:50
فيي كل مرة نرتاد فيها المساجد لأداء الصلاة، إلا ونتفاجئ بعيد تحية السلام التي نختتم بها طقسنا المقدس، برجال ونساء يصرخون بأصوات مليئة بالحزن والكآبة تقشعر لها القلوب والأبدان، يشكون قهر الزمان، فمنهم من قهره الكراء،ومنهم من قهره مرض ما، والبعض الآخر قهره "الكريدي"... وتطول الشكايات في هذا المقام التي تستقبلها مؤسسة المسجد كل يوم، التي أضحت الملاذ وأمل الخلاص لدى الكثيرين من من تغشاهم الضائقات والكروب.فكيف يمكن تفسير علاقة الثقة التي تنسجها مثل هذه الفئات مع مؤسسات المقدس التي لا زالت تحظى بحظوة متجدرة وعميقة.
صحيح أن مؤسسة المسجد في مجتمعنا المغربي شكلت ولا زالت تشكل ذلك الفضاء الذي يحتضن الهم المشترك والهم الجماعي، خاصة في المجتمعات القبلية القروية،أو حتى في المدن التقليدية..لأنها كانت محضن حل النزاعات والصلح، وتدبير أمور القبيلة أو العشيرة،تخريج طلبة العلم وحفظة القرآن، وكانت تقوم بدور طلائعي في مساعدة الفقراء والمحتاجين عبر تدبير أموال الزكاة والصدقات...هذا الدور الذي أضحى يتقلص يوما بعد يوم في مجتمعنا اليوم، بعدما تم التدخل في هذه المؤسسة وفرض الوصاية عليها والتقزيم من حريتها ودورها الطلائعي في المجتمع.
لذلك فمؤسسة المسجد في المخيال الثقافي كانت ولا زالت هي الملاذ الآمن،والصدر الرحب عندما تشتد الشدائد، حتى في زمن كثرت فيه مؤسسات الرعاية والمساعدة الإجتماعية بين ألاف الأقواس، فلا شيء يمكنه منافسة المساجد في وظيفتها التسكينية لآلام القاع الإجتماعي، ولا شيء يمكنه منافستها في تصدير الأخلاق والأمن والسلم الإجتماعي، ولا شيء كذلك سينافسها في قهر الظلم والإستبداد إذا عادت لدورها الطلائعي. وحتى لا نغوص كثيرا في مؤسسة المسجد التي تحتاج لدراسة عميقة، نقف عند حال وأحوال الرجال الذين يضطرهم "الزمان" ليذرفوا الدموع، ويئنون من الأعماق ويقتحمون خجل سؤال الحاجة والفاقة الإجتماعية.
قد يقال أن الكثير اليوم من هؤلاء، من يمتهن حرفة التسول بهذه الطريقة، أو يتلاعب بعواطف المصلين، وبصخاء عطائهم في لحظات المقدس، لكن لا يمكن التعميم بأي حال من الأحوال، فكثيرة هي الحالات التي تعيش أوضاعا مزرية، من الفقر والتهميش والبطالة..وكثير هي الحالات التي تتصارع مع لقمة العيش وتسديد فاتورات الكراء والماء والكهرباء..وكثيرات هي الحالات التي تنمحي في صمت حتى يأكلها الزمان..لذلك ليس غريبا اليوم أن نشاهد هاته الظاهرة تتطور وتكثر يوما بعد يوم. أمام غياب العدالة الإجتماعية، والعدالة الثرواتية. أيضا أمام انقراض التضامن الإجتماعي، والتخلي عن الواجب الديني والإنساني إلى أبعد تقدير.
هذه الظاهرة التي أضحت تأخذ أشكال متعددة ومتنوعة، من قبيل وضع بعض المناديل الورقية أو كتيبات الجيب الدينية،...إنها تجارة التسول بهذا المعنى.لأن البائع يطلب ضعف ثمن السلعة طالبا بذلك التعاون والدعم. فهل يمكن التسليم بهذا الوضع وترك الأمور على عواهنها باعتبار المسجد محضن ومأوى من لا مأوى له؟ أم يجب تصحيح الوضعية وإعادة الإعتبار للدورالطلائعي الذي ينبغي أن يقوم به المسجد في توعية الناس بحقوقهم الإجتماعية،و تربيتهم على أنفة مد اليد للسؤال التي يفترض أن تمد للمؤسسات بحثا عن العيش الكريم والعدالة الإجتماعية وتقسيم الثروة بما يضمن العيش الكريم للجميع.
المطلوب اليوم هو استبدال قهر الزمان للرجال بقهر الرجال للزمان، بقهرهم للفساد والإستبداد المستشري في المجتمع، بقهرهم للخمول والكسل والربح السريع دون مجهود، بقهرهم للبؤس الذين يخيم عليهم إن لم يحركوا ساكنا، وبقهرهم للاستنجاد بالأضرحة أو المساجد والزوايا، بالانخراط في خلق التغيير، والضغط على اللوبيات المتحكمة في خيوط العنكبوت الإجتماعي.فاليوم لم يعد مسموحا والوضع المستشري البكاء أو الإستنجاد بمؤسسة لم يعد لها حول ولا قوة، لأن فاقد الشيئ لا يعطيه.




الأحد، 8 ديسمبر 2013

الشباب ورياح التغيير مدخل سوسيولوجي

الشباب ورياح التغيير مدخل سوسيولوجي
عبدالعالي الصغيري                                                  مجلة ملتقى الشباب
مكناس في08 دجنبر2013
الساعة: 23:52

الحديث عن الشباب ورياح التغيير يستلزم منا القول أن الشباب هم مكينة ومحرك التغيير، وهم النسمات التي تهب مع رياح هذا التغيير، لأن من يسبح في بحر الشباب يمتلك مجادف وأشرعة قوية وصلبة، تستطيع الصمود في وجه عواصف شتى ورياح عاتية، كما يستطيع بالمقابل أن يغير المجرى الإعتيادي للتيار إن لم نقل يسبح ضد هذا التيار. كل هذا يحيل طبعا إلى قوة هذه المرحلة بيولوجيا أولا ثم نفسيا وداخليا في حياة الشاب، حيث النشاط والحيوية، والجموح العالي، وإطلاق العنان وقوة الخوض وما إلى ذلك من تيمات معبرة عن مرحلة الشباب التي يكون لها طبعا وقع كبير في التحولات والتغيرات الإجتماعية والثقافية.من هنا نطرح عدة تساؤلات أولها متى يبدأ الشباب ومتى ينتهي؟كيف يحضر الشباب اجتماعيا،ثقافيا ورمزيا؟ما الحاجة إلى الشباب في رياح التغيير؟لماذا نعول على الشباب كثيرا؟ وهل حقا يمكن ربط التغيير في مستواياته بهذه المرحلة خاصة إذا كان يتم النظر إليها بيولوجيا  أم أن التغيير يفوق ذلك بكثير؟ وأي شباب لأي مجتمع؟.
يمكن إجمال هذه التساؤلات والمشكلات في إشكالية أساسية سنجعل منها وحدة التحليل الأساسية ضمن هذه المساهمة وهي ما الذي يجعل الكثيرين اليوم  في مجتمعاتنا يعولون على الشباب في التغيير، في ظل ما تعرض له الشباب من صناعة وقولبة، عبر أنظمة تعليمية وبنيات ثقافية وتوظيفات سياسية؟. هذه الإشكالية تقودنا بدورها إلى طرح بعض التساؤلات الممكنة .فهل الشباب اليوم قادر على الإنقلاب على بنياته وكينونته المصطنعة؟ وما المساهم في ذلك؟هل يتأتى ذلك مع التطور والتحوال الذي عرفه العالم من عولمة ،ثورة تكنولوجية ومعلوماتية أم يتأتى الأمر مع الثورة المعرفية وثورة الوعي التي نفترض أنها قد حطت في عشنا الإجتماعي.
هذه النوطة الإستفهامية تقودنا مباشرة إلى السؤال عن الشباب بين الأمس واليوم، تقودنا إلى مساءلة رهانات واهتمامات اختلفت وتنوعت باختلاف وتعاقب الأجيال، فهل ما حصل في هذا الإطار من تحول وتغير سار في اتجاه السلب أم الإيجاب، والأمر هنا مرتبط باهتمامات الشباب وأفكارهم، أحلامهم وطموحاتهم، ثم تمثلاتهم لأنفسهم ومحيطهم.فما الذي حدث؟
لقد كان للشباب ولمرحلة الشباب في مجتمعنا المغربي دور مهم في عدة تحولات وتغيرات نوعية، خاصة في إطار الحركات الإحتجاجية، العمل الجمعوي، العمل الحزبي، العمل النقابي...وكنموذج على هذه الحركية والديناميكية نستدرج في هذا الإطار، الإتحاد الوطني لطلبة المغرب، الذي أنتج ولا زال ينتج ثقافيا ورمزيا لرؤى متقدمة للشباب الذي نحتاجه، عبر ترصيد ثقافة الإحتجاج، وخلق الوعي بالقضايا الكبرى، وتجاوز سفاسه الأمور إلى أجدرها للنقاش والمداولة، فقد كانت طموحات وطروحات الشباب "الأطامي" ولا زالت عالية الهمة، عبر إثارة النقاش حول قضايا عدة ومصيرية في المشترك الهوياتي، العقدي والإنساني..كالقضية الفلسطينية، التي أبدع لها الشباب الجامعي الكثير من الشعارات، والأغاني الملتزمة، والأناشيد الحاشدة للهمم والرسومات..، ناهيك عن الحلقيات النقاشية التي تستمر لعدة أيام في ظل ثبات وصمود منقطع النظير، كما كانت للشباب "الأوطامي" الجامعي رؤى سياسية ورؤى نقابية مذهلة الإستراتيجيات في التنزيل، والمرافعة والمدافعة حتى آخر رمق، مما كان يزعج في غالب الأحيان خصوم الحركة الطلابية التي تعرض إطارها للحظر القانوني والعملي، فقط لأنها كانت تتطلع إلى وطن يضمن العيش الكريم، ويصون الحرية والكرامة، ويدفع الظلم والإستبدادية.ولم يكن الأمر مقتصرا على الجامعات وحدها بل كان يوازي ذلك حراكا حادا في الثانويات عبر الحركات التلاميذية(23مارس)، والإضرابات العمالية(فاس، البيضاء)، ثم الإنخراط القوي في التنظيمات الجمعوية أو الحزبية التي كانت سرية منها أو علنية، لأنه ببساطة كانت همم الشباب عالية.بل وقبل هذا شباب ورجال الحركة الوطنية الذين تعرضوا للاستبعاد والتهميش، بعدما استولى الأعيان على السلطة.
هذا على المستوى الوطني، أما على مستوى أمتنا الإسلامية، فيعود بنا الزمان إلى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم والدور الذي لعبه الشباب في نصرة رسول الله ودين الإسلام، بدءا من سيدنا علي وعمر وخالد بن الوليد،وطلحة والزبير... واللائحة تطول في هذا المقام، ولنا في قصة أصحاب الأخدود ما يشفي الغليل، وفي يوسف عليه السلام واخوته ما يكفينا دروسا وعبر، وفي موسى وأخيه هارون ما يعفينا من كثرة السؤال.
ولنا في العهد القريب ما يغري من نماذج قائمة خلدتها ثورة المليون شهيد بالجزائر الشقيقة، وانتفاضة أطفال الحجارة الأولى والثانية بالأرض المقدسة،وشباب الربيع الديمقراطي ولا يقتصر بنا الحال ها هنا على رد الظلم وطرد المستعمر ونصرة الإسلام، بل يتعداه إلى جيش عرمرم من العلماء والأدباء والمفكرين الذي نبغوا في مرحلة الشباب ومنهم من لم يعمر طويلا.
لكن ما الذي يحدث اليوم في مجتمعنا المغربي، من تحول وتغير وتسارع في القيم، مما جعل الكثير من الشباب يتخندقون في المجهول، ويعيشون عبر متاهات لا متناهية، ويبحثون عن اللاشيء، واللاجدوى...، وهل الشباب المغربي يمتلك اليوم سلطة التغيير، والتأثير وقلب الموازين أم أن الأمر لا يعدوا أن يكون كتلك الخطابات والدعوات المزيفة في وسائل الإعلام وفي المنابر السياسية حول إشراك الشباب، وإعطائهم تمثيلية أكبر وما إلى ذلك من سياسات التدجين والإحتواء والمحسنات البديعية للصور والملامح المصطنعة التي تتحكم فيها لوبيات الضغط.
ما الذي جعل الشباب المغربي مغرورقا في سفاسه الأمور من علاقات غير شرعية، وثقافات دخيلة ،ما الذي جعلهم ينساقون في الحاناة والليالي الحمراء، تحصد عقولهم نغمات ونوطات السهرات، كيف يسمحون لأنفسهم بالتغيب عن الصلاة.وكيف اختل ميزان سفنهم وأشرعتهم حتى تلاعبت بهم الرياح، كما تلاعب التلفزيون بالعقول بلغة بورديو.
وماذا عن الشباب في القاع الإجتماعي، ماذا عن الهدر المدرسي المهول، وتوظيف طاقة هؤلاء الشباب في اللاإنتاجية،واللاتقدم، عبر الدوران في حلقات مفرغة، وهو ما تساهم في تكريسه المنظومة التربوية المدرسية،حيث حوامل الشواهد العليا بالآلاف والأطر المعطلة وليست العاطلة، ماذا عن اختصار العلم والتنمية الإجتماعية والإنسانية في التكوين المهني، أو رش بين الفينة والأخرى بعض من هؤلاء التقنيين بصاع من دريهمات، أوبعض الآلات الكاسدة. أو كما هو حال شبات ونساء التعاونيات الذين يقاومن من أجل العيش في المغرب العميق.
على المستوى الثقافي في قواميس الشباب المغربي، تحولات بالجملة فردتها العولمة، والرأسمالية، والتحضر، الهجرة وعوامل أخرى كثيرة..حيث غياب ثقافة الإعتراف للآخر، غياب ثقافة الإعتذار، غياب الثقة في المؤسسات، والأحزاب والنضالات، غياب ثقافة الفعل والمبادرة، سيادة ثقافة الإنتظارية و"ميم النافية"، ثقافة الكسل والخمول واللاجدوى...كل هذا يجعل من التساؤل أي تغيير لأي شباب سؤالا ممكنا.
كذلك غياب الإستقلالية في الشخصية، وعدم القدرة على التخلص من ثقل الحمولات والتمثلات والإشاعات،بالإضافة إلى غياب الثقة في النفس والقدرات، وضبابية الأهداف وفقد المعنى...، كل هذه الأمور أصابت مجتمعنا في قلب مسلكياته وبنياته ومحركيه الشباب. لذلك فرياح التغيير لا تأتي دائما من الخارج بل إنها تنبع من الأعماق ومن الميكرواجتماعي، "مصداقا لقوله صلى الله عليه وسلم لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم" وهنا إشارة واضحة إلى البعد الداخلي عند الشاب والمحرك الداخلي الذي يكون محددا لكل شيء ولكل المنطلقات والأهداف. وهذا هو إن أمكن الإعتقاد، المدخل الأساس الذي ينبغي الإشتغال عليه عبر التنمية الإنسانية والذاتية لينخرض الشباب في رياح التغيير، ويكون بحق الشاب والتغيير أمران متلازمان لا يكون أحدهما إلا باستحضار الآخر.











الجمعة، 6 ديسمبر 2013

ما الذي تفضحه السوسيولوجيا؟ !

ما الذي تفضحه السوسيولوجيا؟ !



14 أبريل 2013 الساعة 48 : 21
عبدالعالي الصغيري *

كثيرا ما نجد مقولة الراحل بول باسكون، والتي مفادها أن " السوسيولوجي هو الذي تأتي الفضيحة عن طريقه" تتداول بين الباحثين والمتخصصين من طلبة وأساتذة في علم الاجتماع بالمغرب، لكن دعونا نسائل هذه المقولة عن صحتها في الواقع و المختبر الاجتماعي،  فهل السوسيولوجي مهمته فضح المتستر عنه اجتماعيا، أم فهم لماذا المجتمع يبدي أشياء و يتستر عن أخرى،فما الذي تفضحه السوسيولوجيا؟ ،لماذا؟ وكيف؟

قد لا تخلو كل ثقافة ثقافة ، وكل مجتمع مجمتع مما هو مخفي وما هو مرئي باد للعيان، وقد يكون ذلك بشكل طبيعي عفوي تلقائي أو مصطنع مفبرك لا يعكس حقيقة الأشياء، وهكذا نكون بصدد الرسمي و اللا رسمي ، الوهم و الحقيقة ، المسكوت و اللا مسكوت عنه .. ،فلماذا يخفي المجتمع أشياء و يبدي أخرى ؟ وبأية معايير يمأسس البناء الثقافي هكذا؟ ، وما الرهانات الخفية وراء ذلك؟ أسئلة تبقى ممكنة لفك تلك الشفرات العالقة من داخل الخزان و المنتوج الاجتماعي، سنسافر بها في واقعنا الاجتماعي الذي يفترض في حقه أنه يأخذ من الصمت والسكوت صمام أمان من أجل الاستمرارية والاتجاه قدما واضعا في الغالب نقط النهاية ليكتب شيئا جديدا. فكيف ذاك؟

الحديث عن هذا الموضوع يدفعنا الى مساءلة معنى ثقافة المسكوت عنه وفق ما يروج له في التمثل العامي، وهو ما يمكن تأطيره في ما يسمى ثقافة العيب، الحشومة و العار، كيف تتأسس هذه الثقافة وفق المخيال الجمعي؟

لابد في البداية من تحديد ما الذي نقصده بالمسكوت عنه، رغم أن الكتابات العلمية في هذا الصدد ضئيلة، لكن، نرصد من بين التعريفات الاجرائية كون "المسكوت عنه هو التسليم طواعية أو كرهاً بعدم الحديث وتبادل الآراء والمعرفة أو إعادة دراسة الكثير من الوقائع والأحداث أو المفاهيم المستورة أو المخفية بسب الخوف من المجتمع، وذلك لأن الأمر أو الموقف أو السلوك أو الحديث يعتبر ضمن المحرم إجتماعياً أو الشائع أو المعروف عنه "العيب". فتتحول عبر ذاكرة المجتمع العديد من الموضوعات والقضايا إلى دائرة المسكوت عنه ، فيلفها الغموض والإخفاء، فالنسيج الاجتماعي في مجتمعاتنا يقوم على ما إستقر في قاع الموروث الثقافي والاجتماعي والفكري من أمور نرفض إستدعاءها وجعلها في دائرة المتاح أخذا وعطاءاً من أجل حركة إجتماعية متحررة من تلك المواريث والتي لا تعبر عن مصلحة شرعية أو دنيوية، والنبي (ص) في مسيرة إحياء قيم ومعاني التدين أبطل الكثير من موروث العادات والتقاليد لعدم نفعها أو لضررها وعدم إتساقها والإنسان المكرم بالعقل والتمييز1.

إذا فهل يستطيع السوسيولوجي بهذا الدور الذي قلده إياه الراحل باسكون أن يحرر الإنسان المغربي من التخبط في ثقافة الموروث التي تعرقل التقدم الحضاري و الثقافي ،هذا من جهة ، من جهة أخرى ألا يمكن القول أن السوسيولوجي الذي تأتي الفضيحة عن طريقه يخلخل التوازنات الماكروثقافية والمدلولات الرمزية للمجتمع الذي هو في غنى عن الكشف عن مسكوتاته ومتسراته ولايريد الإفصاح عنها، حتى وإن "غطيت الشمس بالغربال" كما في المدلول العامي لعلها تحجب مرارة الواقع للتعايش معه بمره و حلوه ، فمجتمعنا رغم المشاكل التي يعرفها من فقر، بطالة وتهميش... لا زال يتعايش مع واقعه ولا زال الشعب المغربي لم يخرج بعد من حفلاته التنكرية ومقولة العام زين..على ميزان مهرجان موازين..، وها هي أيام الصيف القادمة ستبدي لنا العجب العجاب من داخل مجتمعنا المركب أو المزيج بلغة الراحل باسكون دائما، فما الحاجة الى الفضيحة السوسيولوجية وما الحاجة الى افساد الحفلات التنكرية كما عبر بذلك بيير بورديو " إن علماء الاجتماع أشبه ما يكونون بمشاغبين يفسدون على الناس حفلاتهم التنكرية " .ما دام مجتمعنا يهوى لباس الاقنعة ويتقن لعبة التخفي والهروب الى الأمام دون عناء تصحيح المسار الثقافي والهوياتي ووضع تلك اللبنات و الأسس المشكلة لمنطلق الحضارة والثقافة والتقدم.