السبت، 14 ديسمبر 2013

"متى يقهر الرجال الزمان"


"متى يقهر الرجال الزمان"
عبدالعالي الصغيري
مكناس في 15دجنبر2013
الساعة:01:50
فيي كل مرة نرتاد فيها المساجد لأداء الصلاة، إلا ونتفاجئ بعيد تحية السلام التي نختتم بها طقسنا المقدس، برجال ونساء يصرخون بأصوات مليئة بالحزن والكآبة تقشعر لها القلوب والأبدان، يشكون قهر الزمان، فمنهم من قهره الكراء،ومنهم من قهره مرض ما، والبعض الآخر قهره "الكريدي"... وتطول الشكايات في هذا المقام التي تستقبلها مؤسسة المسجد كل يوم، التي أضحت الملاذ وأمل الخلاص لدى الكثيرين من من تغشاهم الضائقات والكروب.فكيف يمكن تفسير علاقة الثقة التي تنسجها مثل هذه الفئات مع مؤسسات المقدس التي لا زالت تحظى بحظوة متجدرة وعميقة.
صحيح أن مؤسسة المسجد في مجتمعنا المغربي شكلت ولا زالت تشكل ذلك الفضاء الذي يحتضن الهم المشترك والهم الجماعي، خاصة في المجتمعات القبلية القروية،أو حتى في المدن التقليدية..لأنها كانت محضن حل النزاعات والصلح، وتدبير أمور القبيلة أو العشيرة،تخريج طلبة العلم وحفظة القرآن، وكانت تقوم بدور طلائعي في مساعدة الفقراء والمحتاجين عبر تدبير أموال الزكاة والصدقات...هذا الدور الذي أضحى يتقلص يوما بعد يوم في مجتمعنا اليوم، بعدما تم التدخل في هذه المؤسسة وفرض الوصاية عليها والتقزيم من حريتها ودورها الطلائعي في المجتمع.
لذلك فمؤسسة المسجد في المخيال الثقافي كانت ولا زالت هي الملاذ الآمن،والصدر الرحب عندما تشتد الشدائد، حتى في زمن كثرت فيه مؤسسات الرعاية والمساعدة الإجتماعية بين ألاف الأقواس، فلا شيء يمكنه منافسة المساجد في وظيفتها التسكينية لآلام القاع الإجتماعي، ولا شيء يمكنه منافستها في تصدير الأخلاق والأمن والسلم الإجتماعي، ولا شيء كذلك سينافسها في قهر الظلم والإستبداد إذا عادت لدورها الطلائعي. وحتى لا نغوص كثيرا في مؤسسة المسجد التي تحتاج لدراسة عميقة، نقف عند حال وأحوال الرجال الذين يضطرهم "الزمان" ليذرفوا الدموع، ويئنون من الأعماق ويقتحمون خجل سؤال الحاجة والفاقة الإجتماعية.
قد يقال أن الكثير اليوم من هؤلاء، من يمتهن حرفة التسول بهذه الطريقة، أو يتلاعب بعواطف المصلين، وبصخاء عطائهم في لحظات المقدس، لكن لا يمكن التعميم بأي حال من الأحوال، فكثيرة هي الحالات التي تعيش أوضاعا مزرية، من الفقر والتهميش والبطالة..وكثير هي الحالات التي تتصارع مع لقمة العيش وتسديد فاتورات الكراء والماء والكهرباء..وكثيرات هي الحالات التي تنمحي في صمت حتى يأكلها الزمان..لذلك ليس غريبا اليوم أن نشاهد هاته الظاهرة تتطور وتكثر يوما بعد يوم. أمام غياب العدالة الإجتماعية، والعدالة الثرواتية. أيضا أمام انقراض التضامن الإجتماعي، والتخلي عن الواجب الديني والإنساني إلى أبعد تقدير.
هذه الظاهرة التي أضحت تأخذ أشكال متعددة ومتنوعة، من قبيل وضع بعض المناديل الورقية أو كتيبات الجيب الدينية،...إنها تجارة التسول بهذا المعنى.لأن البائع يطلب ضعف ثمن السلعة طالبا بذلك التعاون والدعم. فهل يمكن التسليم بهذا الوضع وترك الأمور على عواهنها باعتبار المسجد محضن ومأوى من لا مأوى له؟ أم يجب تصحيح الوضعية وإعادة الإعتبار للدورالطلائعي الذي ينبغي أن يقوم به المسجد في توعية الناس بحقوقهم الإجتماعية،و تربيتهم على أنفة مد اليد للسؤال التي يفترض أن تمد للمؤسسات بحثا عن العيش الكريم والعدالة الإجتماعية وتقسيم الثروة بما يضمن العيش الكريم للجميع.
المطلوب اليوم هو استبدال قهر الزمان للرجال بقهر الرجال للزمان، بقهرهم للفساد والإستبداد المستشري في المجتمع، بقهرهم للخمول والكسل والربح السريع دون مجهود، بقهرهم للبؤس الذين يخيم عليهم إن لم يحركوا ساكنا، وبقهرهم للاستنجاد بالأضرحة أو المساجد والزوايا، بالانخراط في خلق التغيير، والضغط على اللوبيات المتحكمة في خيوط العنكبوت الإجتماعي.فاليوم لم يعد مسموحا والوضع المستشري البكاء أو الإستنجاد بمؤسسة لم يعد لها حول ولا قوة، لأن فاقد الشيئ لا يعطيه.




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق