الثلاثاء، 17 ديسمبر 2013

خلق الصبر" سلسلة الجلسات التربوية 2

"
خلق الصبر"
سلسلة الجلسات التربوية 2
عبدالعالي الصغيري
مكناس في 18/12/2013
الساعة:00:42

كان يا سادتي مجلس الذكر مستنيرا مشرقا، وي كأن الملائكة تحفه بأجنحتها حتى عنان السماء . المكان لا يكاد يسع الحاضرين الذين التحموا في بوثقة أنستهم برودة الطقس،  وضيق المكان،  ولكن المثير في هذه المرة كما في كل مرة أن التشكيلة مختلفة وجديدة، فقلت في نفسي أهو القدر الذي يتحكم في هكذا مجالس؟ على أية حال كان موضوع هذه الجلسة رفيع المقام، تتهدد معه الجبال، ويسلب العقل والوجدان، إنه باختصار موضوع الصبر، الذي كان الحديث فيه من نصيب عبدالله، وقد قيل مما قيل أن الصبر يكون على النعم كما يكون في النقم، كأن يصبر المرء على الصلاة وتلاوة القرآن،  وأن الإنسان كلما ازداد صلاحا إلا وازداد ابتلاء واختبارا، وأن أعظم ابتلاء يكون في الشهوات مصداقا لقوله تعالى " زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ(ال عمران14. كما أن الإبتلاء الأعظم يكون في النعم، كأن يبتلى المؤمن في دينه وعلمه..

وقد أبيت يا سادتي إلا أن أدلو بدلوي في هذا المقام فبدأت مما بدأت به بأسئلة تبدو بسيطة لكنها مقلقة للجميع، وهي على ما أظن المدخل الأساس لهذا الموضوع، وكانت على النحو التالي، أولا لماذا نصبر؟ ففي هذا السؤال نجيب عن مقاصد الصبر وغاياته، ثانيا كيف نصبر؟ أما هذا السؤال فمن خلاله نعرف الوسائل والآليات التي يكون بها الصبر الذي يحتاج منا في بعض الأحيان للاستعانة بالغير أو بالجماعة، أو المؤسسة أحيانا حتى تعيننا على الصبر، ثم أخيرا متى نصبر؟ هذا السؤال فيه فصل بين موضع الحق في الصبر وموضع عدم الحق فيه حسب الوضعيات. فهل يصبر الإنسان على هتك الأعراض أو قهر العباد؟ وهل لا نصبر على قساوة الأهل أو الأستاذ..وختم الكلام الصلاة والسلام على خير البرية والأنام صلى الله عليه وسلم.

السبت، 14 ديسمبر 2013

"متى يقهر الرجال الزمان"


"متى يقهر الرجال الزمان"
عبدالعالي الصغيري
مكناس في 15دجنبر2013
الساعة:01:50
فيي كل مرة نرتاد فيها المساجد لأداء الصلاة، إلا ونتفاجئ بعيد تحية السلام التي نختتم بها طقسنا المقدس، برجال ونساء يصرخون بأصوات مليئة بالحزن والكآبة تقشعر لها القلوب والأبدان، يشكون قهر الزمان، فمنهم من قهره الكراء،ومنهم من قهره مرض ما، والبعض الآخر قهره "الكريدي"... وتطول الشكايات في هذا المقام التي تستقبلها مؤسسة المسجد كل يوم، التي أضحت الملاذ وأمل الخلاص لدى الكثيرين من من تغشاهم الضائقات والكروب.فكيف يمكن تفسير علاقة الثقة التي تنسجها مثل هذه الفئات مع مؤسسات المقدس التي لا زالت تحظى بحظوة متجدرة وعميقة.
صحيح أن مؤسسة المسجد في مجتمعنا المغربي شكلت ولا زالت تشكل ذلك الفضاء الذي يحتضن الهم المشترك والهم الجماعي، خاصة في المجتمعات القبلية القروية،أو حتى في المدن التقليدية..لأنها كانت محضن حل النزاعات والصلح، وتدبير أمور القبيلة أو العشيرة،تخريج طلبة العلم وحفظة القرآن، وكانت تقوم بدور طلائعي في مساعدة الفقراء والمحتاجين عبر تدبير أموال الزكاة والصدقات...هذا الدور الذي أضحى يتقلص يوما بعد يوم في مجتمعنا اليوم، بعدما تم التدخل في هذه المؤسسة وفرض الوصاية عليها والتقزيم من حريتها ودورها الطلائعي في المجتمع.
لذلك فمؤسسة المسجد في المخيال الثقافي كانت ولا زالت هي الملاذ الآمن،والصدر الرحب عندما تشتد الشدائد، حتى في زمن كثرت فيه مؤسسات الرعاية والمساعدة الإجتماعية بين ألاف الأقواس، فلا شيء يمكنه منافسة المساجد في وظيفتها التسكينية لآلام القاع الإجتماعي، ولا شيء يمكنه منافستها في تصدير الأخلاق والأمن والسلم الإجتماعي، ولا شيء كذلك سينافسها في قهر الظلم والإستبداد إذا عادت لدورها الطلائعي. وحتى لا نغوص كثيرا في مؤسسة المسجد التي تحتاج لدراسة عميقة، نقف عند حال وأحوال الرجال الذين يضطرهم "الزمان" ليذرفوا الدموع، ويئنون من الأعماق ويقتحمون خجل سؤال الحاجة والفاقة الإجتماعية.
قد يقال أن الكثير اليوم من هؤلاء، من يمتهن حرفة التسول بهذه الطريقة، أو يتلاعب بعواطف المصلين، وبصخاء عطائهم في لحظات المقدس، لكن لا يمكن التعميم بأي حال من الأحوال، فكثيرة هي الحالات التي تعيش أوضاعا مزرية، من الفقر والتهميش والبطالة..وكثير هي الحالات التي تتصارع مع لقمة العيش وتسديد فاتورات الكراء والماء والكهرباء..وكثيرات هي الحالات التي تنمحي في صمت حتى يأكلها الزمان..لذلك ليس غريبا اليوم أن نشاهد هاته الظاهرة تتطور وتكثر يوما بعد يوم. أمام غياب العدالة الإجتماعية، والعدالة الثرواتية. أيضا أمام انقراض التضامن الإجتماعي، والتخلي عن الواجب الديني والإنساني إلى أبعد تقدير.
هذه الظاهرة التي أضحت تأخذ أشكال متعددة ومتنوعة، من قبيل وضع بعض المناديل الورقية أو كتيبات الجيب الدينية،...إنها تجارة التسول بهذا المعنى.لأن البائع يطلب ضعف ثمن السلعة طالبا بذلك التعاون والدعم. فهل يمكن التسليم بهذا الوضع وترك الأمور على عواهنها باعتبار المسجد محضن ومأوى من لا مأوى له؟ أم يجب تصحيح الوضعية وإعادة الإعتبار للدورالطلائعي الذي ينبغي أن يقوم به المسجد في توعية الناس بحقوقهم الإجتماعية،و تربيتهم على أنفة مد اليد للسؤال التي يفترض أن تمد للمؤسسات بحثا عن العيش الكريم والعدالة الإجتماعية وتقسيم الثروة بما يضمن العيش الكريم للجميع.
المطلوب اليوم هو استبدال قهر الزمان للرجال بقهر الرجال للزمان، بقهرهم للفساد والإستبداد المستشري في المجتمع، بقهرهم للخمول والكسل والربح السريع دون مجهود، بقهرهم للبؤس الذين يخيم عليهم إن لم يحركوا ساكنا، وبقهرهم للاستنجاد بالأضرحة أو المساجد والزوايا، بالانخراط في خلق التغيير، والضغط على اللوبيات المتحكمة في خيوط العنكبوت الإجتماعي.فاليوم لم يعد مسموحا والوضع المستشري البكاء أو الإستنجاد بمؤسسة لم يعد لها حول ولا قوة، لأن فاقد الشيئ لا يعطيه.




الأحد، 8 ديسمبر 2013

الشباب ورياح التغيير مدخل سوسيولوجي

الشباب ورياح التغيير مدخل سوسيولوجي
عبدالعالي الصغيري                                                  مجلة ملتقى الشباب
مكناس في08 دجنبر2013
الساعة: 23:52

الحديث عن الشباب ورياح التغيير يستلزم منا القول أن الشباب هم مكينة ومحرك التغيير، وهم النسمات التي تهب مع رياح هذا التغيير، لأن من يسبح في بحر الشباب يمتلك مجادف وأشرعة قوية وصلبة، تستطيع الصمود في وجه عواصف شتى ورياح عاتية، كما يستطيع بالمقابل أن يغير المجرى الإعتيادي للتيار إن لم نقل يسبح ضد هذا التيار. كل هذا يحيل طبعا إلى قوة هذه المرحلة بيولوجيا أولا ثم نفسيا وداخليا في حياة الشاب، حيث النشاط والحيوية، والجموح العالي، وإطلاق العنان وقوة الخوض وما إلى ذلك من تيمات معبرة عن مرحلة الشباب التي يكون لها طبعا وقع كبير في التحولات والتغيرات الإجتماعية والثقافية.من هنا نطرح عدة تساؤلات أولها متى يبدأ الشباب ومتى ينتهي؟كيف يحضر الشباب اجتماعيا،ثقافيا ورمزيا؟ما الحاجة إلى الشباب في رياح التغيير؟لماذا نعول على الشباب كثيرا؟ وهل حقا يمكن ربط التغيير في مستواياته بهذه المرحلة خاصة إذا كان يتم النظر إليها بيولوجيا  أم أن التغيير يفوق ذلك بكثير؟ وأي شباب لأي مجتمع؟.
يمكن إجمال هذه التساؤلات والمشكلات في إشكالية أساسية سنجعل منها وحدة التحليل الأساسية ضمن هذه المساهمة وهي ما الذي يجعل الكثيرين اليوم  في مجتمعاتنا يعولون على الشباب في التغيير، في ظل ما تعرض له الشباب من صناعة وقولبة، عبر أنظمة تعليمية وبنيات ثقافية وتوظيفات سياسية؟. هذه الإشكالية تقودنا بدورها إلى طرح بعض التساؤلات الممكنة .فهل الشباب اليوم قادر على الإنقلاب على بنياته وكينونته المصطنعة؟ وما المساهم في ذلك؟هل يتأتى ذلك مع التطور والتحوال الذي عرفه العالم من عولمة ،ثورة تكنولوجية ومعلوماتية أم يتأتى الأمر مع الثورة المعرفية وثورة الوعي التي نفترض أنها قد حطت في عشنا الإجتماعي.
هذه النوطة الإستفهامية تقودنا مباشرة إلى السؤال عن الشباب بين الأمس واليوم، تقودنا إلى مساءلة رهانات واهتمامات اختلفت وتنوعت باختلاف وتعاقب الأجيال، فهل ما حصل في هذا الإطار من تحول وتغير سار في اتجاه السلب أم الإيجاب، والأمر هنا مرتبط باهتمامات الشباب وأفكارهم، أحلامهم وطموحاتهم، ثم تمثلاتهم لأنفسهم ومحيطهم.فما الذي حدث؟
لقد كان للشباب ولمرحلة الشباب في مجتمعنا المغربي دور مهم في عدة تحولات وتغيرات نوعية، خاصة في إطار الحركات الإحتجاجية، العمل الجمعوي، العمل الحزبي، العمل النقابي...وكنموذج على هذه الحركية والديناميكية نستدرج في هذا الإطار، الإتحاد الوطني لطلبة المغرب، الذي أنتج ولا زال ينتج ثقافيا ورمزيا لرؤى متقدمة للشباب الذي نحتاجه، عبر ترصيد ثقافة الإحتجاج، وخلق الوعي بالقضايا الكبرى، وتجاوز سفاسه الأمور إلى أجدرها للنقاش والمداولة، فقد كانت طموحات وطروحات الشباب "الأطامي" ولا زالت عالية الهمة، عبر إثارة النقاش حول قضايا عدة ومصيرية في المشترك الهوياتي، العقدي والإنساني..كالقضية الفلسطينية، التي أبدع لها الشباب الجامعي الكثير من الشعارات، والأغاني الملتزمة، والأناشيد الحاشدة للهمم والرسومات..، ناهيك عن الحلقيات النقاشية التي تستمر لعدة أيام في ظل ثبات وصمود منقطع النظير، كما كانت للشباب "الأوطامي" الجامعي رؤى سياسية ورؤى نقابية مذهلة الإستراتيجيات في التنزيل، والمرافعة والمدافعة حتى آخر رمق، مما كان يزعج في غالب الأحيان خصوم الحركة الطلابية التي تعرض إطارها للحظر القانوني والعملي، فقط لأنها كانت تتطلع إلى وطن يضمن العيش الكريم، ويصون الحرية والكرامة، ويدفع الظلم والإستبدادية.ولم يكن الأمر مقتصرا على الجامعات وحدها بل كان يوازي ذلك حراكا حادا في الثانويات عبر الحركات التلاميذية(23مارس)، والإضرابات العمالية(فاس، البيضاء)، ثم الإنخراط القوي في التنظيمات الجمعوية أو الحزبية التي كانت سرية منها أو علنية، لأنه ببساطة كانت همم الشباب عالية.بل وقبل هذا شباب ورجال الحركة الوطنية الذين تعرضوا للاستبعاد والتهميش، بعدما استولى الأعيان على السلطة.
هذا على المستوى الوطني، أما على مستوى أمتنا الإسلامية، فيعود بنا الزمان إلى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم والدور الذي لعبه الشباب في نصرة رسول الله ودين الإسلام، بدءا من سيدنا علي وعمر وخالد بن الوليد،وطلحة والزبير... واللائحة تطول في هذا المقام، ولنا في قصة أصحاب الأخدود ما يشفي الغليل، وفي يوسف عليه السلام واخوته ما يكفينا دروسا وعبر، وفي موسى وأخيه هارون ما يعفينا من كثرة السؤال.
ولنا في العهد القريب ما يغري من نماذج قائمة خلدتها ثورة المليون شهيد بالجزائر الشقيقة، وانتفاضة أطفال الحجارة الأولى والثانية بالأرض المقدسة،وشباب الربيع الديمقراطي ولا يقتصر بنا الحال ها هنا على رد الظلم وطرد المستعمر ونصرة الإسلام، بل يتعداه إلى جيش عرمرم من العلماء والأدباء والمفكرين الذي نبغوا في مرحلة الشباب ومنهم من لم يعمر طويلا.
لكن ما الذي يحدث اليوم في مجتمعنا المغربي، من تحول وتغير وتسارع في القيم، مما جعل الكثير من الشباب يتخندقون في المجهول، ويعيشون عبر متاهات لا متناهية، ويبحثون عن اللاشيء، واللاجدوى...، وهل الشباب المغربي يمتلك اليوم سلطة التغيير، والتأثير وقلب الموازين أم أن الأمر لا يعدوا أن يكون كتلك الخطابات والدعوات المزيفة في وسائل الإعلام وفي المنابر السياسية حول إشراك الشباب، وإعطائهم تمثيلية أكبر وما إلى ذلك من سياسات التدجين والإحتواء والمحسنات البديعية للصور والملامح المصطنعة التي تتحكم فيها لوبيات الضغط.
ما الذي جعل الشباب المغربي مغرورقا في سفاسه الأمور من علاقات غير شرعية، وثقافات دخيلة ،ما الذي جعلهم ينساقون في الحاناة والليالي الحمراء، تحصد عقولهم نغمات ونوطات السهرات، كيف يسمحون لأنفسهم بالتغيب عن الصلاة.وكيف اختل ميزان سفنهم وأشرعتهم حتى تلاعبت بهم الرياح، كما تلاعب التلفزيون بالعقول بلغة بورديو.
وماذا عن الشباب في القاع الإجتماعي، ماذا عن الهدر المدرسي المهول، وتوظيف طاقة هؤلاء الشباب في اللاإنتاجية،واللاتقدم، عبر الدوران في حلقات مفرغة، وهو ما تساهم في تكريسه المنظومة التربوية المدرسية،حيث حوامل الشواهد العليا بالآلاف والأطر المعطلة وليست العاطلة، ماذا عن اختصار العلم والتنمية الإجتماعية والإنسانية في التكوين المهني، أو رش بين الفينة والأخرى بعض من هؤلاء التقنيين بصاع من دريهمات، أوبعض الآلات الكاسدة. أو كما هو حال شبات ونساء التعاونيات الذين يقاومن من أجل العيش في المغرب العميق.
على المستوى الثقافي في قواميس الشباب المغربي، تحولات بالجملة فردتها العولمة، والرأسمالية، والتحضر، الهجرة وعوامل أخرى كثيرة..حيث غياب ثقافة الإعتراف للآخر، غياب ثقافة الإعتذار، غياب الثقة في المؤسسات، والأحزاب والنضالات، غياب ثقافة الفعل والمبادرة، سيادة ثقافة الإنتظارية و"ميم النافية"، ثقافة الكسل والخمول واللاجدوى...كل هذا يجعل من التساؤل أي تغيير لأي شباب سؤالا ممكنا.
كذلك غياب الإستقلالية في الشخصية، وعدم القدرة على التخلص من ثقل الحمولات والتمثلات والإشاعات،بالإضافة إلى غياب الثقة في النفس والقدرات، وضبابية الأهداف وفقد المعنى...، كل هذه الأمور أصابت مجتمعنا في قلب مسلكياته وبنياته ومحركيه الشباب. لذلك فرياح التغيير لا تأتي دائما من الخارج بل إنها تنبع من الأعماق ومن الميكرواجتماعي، "مصداقا لقوله صلى الله عليه وسلم لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم" وهنا إشارة واضحة إلى البعد الداخلي عند الشاب والمحرك الداخلي الذي يكون محددا لكل شيء ولكل المنطلقات والأهداف. وهذا هو إن أمكن الإعتقاد، المدخل الأساس الذي ينبغي الإشتغال عليه عبر التنمية الإنسانية والذاتية لينخرض الشباب في رياح التغيير، ويكون بحق الشاب والتغيير أمران متلازمان لا يكون أحدهما إلا باستحضار الآخر.











الجمعة، 6 ديسمبر 2013

ما الذي تفضحه السوسيولوجيا؟ !

ما الذي تفضحه السوسيولوجيا؟ !



14 أبريل 2013 الساعة 48 : 21
عبدالعالي الصغيري *

كثيرا ما نجد مقولة الراحل بول باسكون، والتي مفادها أن " السوسيولوجي هو الذي تأتي الفضيحة عن طريقه" تتداول بين الباحثين والمتخصصين من طلبة وأساتذة في علم الاجتماع بالمغرب، لكن دعونا نسائل هذه المقولة عن صحتها في الواقع و المختبر الاجتماعي،  فهل السوسيولوجي مهمته فضح المتستر عنه اجتماعيا، أم فهم لماذا المجتمع يبدي أشياء و يتستر عن أخرى،فما الذي تفضحه السوسيولوجيا؟ ،لماذا؟ وكيف؟

قد لا تخلو كل ثقافة ثقافة ، وكل مجتمع مجمتع مما هو مخفي وما هو مرئي باد للعيان، وقد يكون ذلك بشكل طبيعي عفوي تلقائي أو مصطنع مفبرك لا يعكس حقيقة الأشياء، وهكذا نكون بصدد الرسمي و اللا رسمي ، الوهم و الحقيقة ، المسكوت و اللا مسكوت عنه .. ،فلماذا يخفي المجتمع أشياء و يبدي أخرى ؟ وبأية معايير يمأسس البناء الثقافي هكذا؟ ، وما الرهانات الخفية وراء ذلك؟ أسئلة تبقى ممكنة لفك تلك الشفرات العالقة من داخل الخزان و المنتوج الاجتماعي، سنسافر بها في واقعنا الاجتماعي الذي يفترض في حقه أنه يأخذ من الصمت والسكوت صمام أمان من أجل الاستمرارية والاتجاه قدما واضعا في الغالب نقط النهاية ليكتب شيئا جديدا. فكيف ذاك؟

الحديث عن هذا الموضوع يدفعنا الى مساءلة معنى ثقافة المسكوت عنه وفق ما يروج له في التمثل العامي، وهو ما يمكن تأطيره في ما يسمى ثقافة العيب، الحشومة و العار، كيف تتأسس هذه الثقافة وفق المخيال الجمعي؟

لابد في البداية من تحديد ما الذي نقصده بالمسكوت عنه، رغم أن الكتابات العلمية في هذا الصدد ضئيلة، لكن، نرصد من بين التعريفات الاجرائية كون "المسكوت عنه هو التسليم طواعية أو كرهاً بعدم الحديث وتبادل الآراء والمعرفة أو إعادة دراسة الكثير من الوقائع والأحداث أو المفاهيم المستورة أو المخفية بسب الخوف من المجتمع، وذلك لأن الأمر أو الموقف أو السلوك أو الحديث يعتبر ضمن المحرم إجتماعياً أو الشائع أو المعروف عنه "العيب". فتتحول عبر ذاكرة المجتمع العديد من الموضوعات والقضايا إلى دائرة المسكوت عنه ، فيلفها الغموض والإخفاء، فالنسيج الاجتماعي في مجتمعاتنا يقوم على ما إستقر في قاع الموروث الثقافي والاجتماعي والفكري من أمور نرفض إستدعاءها وجعلها في دائرة المتاح أخذا وعطاءاً من أجل حركة إجتماعية متحررة من تلك المواريث والتي لا تعبر عن مصلحة شرعية أو دنيوية، والنبي (ص) في مسيرة إحياء قيم ومعاني التدين أبطل الكثير من موروث العادات والتقاليد لعدم نفعها أو لضررها وعدم إتساقها والإنسان المكرم بالعقل والتمييز1.

إذا فهل يستطيع السوسيولوجي بهذا الدور الذي قلده إياه الراحل باسكون أن يحرر الإنسان المغربي من التخبط في ثقافة الموروث التي تعرقل التقدم الحضاري و الثقافي ،هذا من جهة ، من جهة أخرى ألا يمكن القول أن السوسيولوجي الذي تأتي الفضيحة عن طريقه يخلخل التوازنات الماكروثقافية والمدلولات الرمزية للمجتمع الذي هو في غنى عن الكشف عن مسكوتاته ومتسراته ولايريد الإفصاح عنها، حتى وإن "غطيت الشمس بالغربال" كما في المدلول العامي لعلها تحجب مرارة الواقع للتعايش معه بمره و حلوه ، فمجتمعنا رغم المشاكل التي يعرفها من فقر، بطالة وتهميش... لا زال يتعايش مع واقعه ولا زال الشعب المغربي لم يخرج بعد من حفلاته التنكرية ومقولة العام زين..على ميزان مهرجان موازين..، وها هي أيام الصيف القادمة ستبدي لنا العجب العجاب من داخل مجتمعنا المركب أو المزيج بلغة الراحل باسكون دائما، فما الحاجة الى الفضيحة السوسيولوجية وما الحاجة الى افساد الحفلات التنكرية كما عبر بذلك بيير بورديو " إن علماء الاجتماع أشبه ما يكونون بمشاغبين يفسدون على الناس حفلاتهم التنكرية " .ما دام مجتمعنا يهوى لباس الاقنعة ويتقن لعبة التخفي والهروب الى الأمام دون عناء تصحيح المسار الثقافي والهوياتي ووضع تلك اللبنات و الأسس المشكلة لمنطلق الحضارة والثقافة والتقدم.



الاثنين، 25 نوفمبر 2013

"سعة الصدر مقاربة سوسيوتربوية"

"سعة الصدر مقاربة سوسيوتربوية"
مكناس في:25/11/2013
عبدالعالي الصغيري
الساعة: 22:46
بينما نحن جلوس في "منزل 29" قادمين من أماكن متفرقة صوب هذا المكان الذي يختزن ذاكرة جماعية لأجيال مضت وأجيال تمضي هنا والآن، وأجيال تنتظر المفتاح لتركب قطار الجلسات التربوية، أطل علينا أسامة هذه المرة بدرس تربوي عنوانه "سعة الصدر" الذي جاء مما جاء فيه أن السعة هي الطاعة والقوة وهي الخلق الكريم المبني على الود والمحبة وهي العفو عند المقدرة، يجسدها في ذلك حسن الخلق وحسن التأويل والظن بالناس،الحلم والسلام مصداقا لقوله عزوجل "وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما".
وقد طرحنا في هذه الجلسة المباركة سؤالا اشكاليا ممكنا طبعا، مفاده ما الذي جعل الصدور اليوم ضيقة موصدة الأبواب، مبحرة في الإنغلاق والإنطواء، مهيئة للانفجار في أية لحظة؟ ما الذي جعل الناس اليوم سكارى وما هم بسكارى، خمرت عقولهم وطفحت على السطح غرائزهم. أيبدوا ذلك كما طرحنا للنقاش في التغير القيمي والثقافي وسوء الفهم الديني..أليس ممكنا القول أن العلاقات التعاقدية والعلاقات المبنية الجديدة تبدوا أكثر ميكانيكية وآلية...حيث أن أبسط احتكاك يشعل النيران..ما موقع ثقافة اليومي والحكم الشعبية التي كانت تدعوا إلى سعة الصدر من قبيل " وسع خاطرك"، "ماديرش فبالك" "أولاد اليوم هما هادو"..إلى غير ذلك من الأمثلة التي لازالت حاضرة متى استدعت الضرورة في سياقات ممكنة.

إذا "علاش الناس ما بقاتش كتقدر تتحمل" هذا هو السؤال الذي ينبغي الإجابة عليه، لماذا النفس والفؤاد والروح لم تعد هادئة متبصرة ومتعقلة، وتطبعها القابلية للانفجار دوما.أيمكن ربط ذلك بهموم الواقع ومشاكله، أم بسوء تنزيل واستثمار المقدس لتنيظم الحياة الروحية والمادية.

الثلاثاء، 12 نوفمبر 2013

المجتمع الفايسبوكي المركب

المجتمع الفايسبوكي المركب
عبدالعالي الصغيري
مكناس في 12 نونبر2013
الساعة: 19:03
تجسد اليوم شبكات التواصل الإجتماعي منطوق "العالم أصبح قرية صغيرة"، فيكفي أن تحرك الفأرة قليلا لتجد نفسك في عوالم ومجتمعات مختلفة، إنه الحضور في الغياب في مواطن وعوالم أخرى، دون عناء إثقال الكائن البيولوجي فينا كاملا لحزم الأمتعة واقتناء الحافلة أو الطائرة. يكفي فقط عينين محدقتان وأذنان وأصابع تترحك بكل رشاقة ربما هذا ما نحتاجه بيولوجيا، لنترك المجال لعالمنا الداخلي للسفر عبر الزمان والمكان. وبينما الإنسان يسبح في مجتمعات الفايسبوك يستوقفه بكل دهشة وحيرة المجتمع الفايسبوكي المغربي كيف لا وهو مجتمع مغرب الإستثناء.
إذا كان بول باسكون قد استعمل مفهوم المجتمع المركب للدلالة على الديناميكية الداخلية التي تميز المجتمع المغربي، والتي تفرز وتولد تناقضات بين مختلف المستويات التي يتشكل منها الواقع الاجتماعي، وتعطي لهذه المجتمعات طابع التركيب وغياب التوافق والانسجام بين مكوناته. فالأمر نفسه ينطبق على مجتمع الفايسبوك المغربي الذي يجسد هذا المفهوم في شتى ابعاده، ولعل هذا يتجلى في عدة استراتيجيات يتبعها الفاعل الفايسبوكي من قبيل استراتيجية إظهار وإخفاء الهوية، فتح حسابات متعددة الهويات، التغيير من لغة الخطاب حسب سياقات التفاعل... كل هذا يجعل من السؤال ما الذي يدفع الفاعل الفيسبوكي لاتخاذ استراتيجيات متعددة ومتناقضة سؤالا مشروعا قد يمكننا من فك شفرات الخلفيات السوسيو-ثقافية التي يمكن قراءتها في ثنايا شبكات التواصل الإجتماعي. فإلى أي حد يترجم الفيسبوك اليوم ما عبر عنه بول باسكون بالمجتمع المركب؟
إن ما يترجمه المجتمع الفايسبوكي المغربي من تناقضات وامتزاج يعكس في الحقيقة ما يحدث في الواقع الاجتماعي الذي يختزل الكثير من الثنائيات المتناقضة، التي تحركها طبعا ميكانيزمات التغير والتحول الذي يشهده المجتمع خاصة على مستوى العلاقات الاجتماعية. فمظاهر اخفاء الهوية والحرص على ثقافة الغموض وعدم الوضوح، ثم بيع الوهم والتعتيم عن حقيقة الوضع، ومخافة الظهور في المرآة..هي أمور تجد دلالاتها في المجمتع الفايسبوكي المغربي المركب، وكم تساعد التقنيات والبرامج الإلكترونية على حسن استعمال واستخدام هذه الاستراتيجيات كما تساعد بذلك في الواقع الاجتماعي آليات أخرى كاستعمال مفاهيم " ركيزة صحيحة"، "الكال"، "ما تعطيش راس الخيط"...وهلم من المفاهيم والرموز المستعملة.
اليوم في المجتمع الفايسبوكي المغربي الكثير من ينتحل صفة الأنثى والكثيرات من ينتحلن صفة الذكر ويوظفونها في اختبارات معينة، إنها "القوالب" بهذا المعنى، في عالم الفايسبوك المغربي الكثير من يخفي نفسه عن الأنظار حتى لا يراه أستاذه أو أبوه أو شخص غير مرغوب فيه...لكنه بالمقابل يفتح المجال لعشيقته أو لعشيقها أو لمن رأى فيه مصلحة شخصية وكثير هي العلاقات التي تحركها المصالح اليوم لا الأبعاد الإنسانية. اليوم في مجتمعنا الفايسبوكي المركب هناك من يبيع لك الوهم والعسل من "الكومنتيرات" و"الجيمات" و لكنه خلف ستار الستار يخطط ويفبرك للمآلات والمنتظرات التي يعرفها هو.
المجتمع الفايسبوكي المغربي يفرز من بين الثنائيات، ثنائية الصراع بين التقليد والتحديث، بين الحنين إلى الماضي وقوة الإرتباط به، وبين تحديات الانخراط في التحديث الذي يبدو أنه لم يصل بعد لدرجة الممكن في مجتمع كالمجتمع المغربي، لكن لا بد من طرح السؤال دائما عن معيار تصنيف التحديث والتقليد ومن المخول لوضع هذا التصنيف على الأقل في مستوى العلاقات الإجتماعية والتعاقدية.
لا غرابة إذن من القول أن ما يتجسد في العالم الإفتراضي هو صورة مصغرة وعميقة لما يحدث ويجري في الواقع المادي، الرمزي، والثقافي لدى المجتمع المغربي الذي لم يجد بعد لنفسه مقاسا يجسد كينونته، فلا هو مجتمع منخرط في التقليد من جهة ولا في التحديث من جهة ثانية ولا حتى بين البين، إنه مجتمع حربائي.




الجريمة وثقافة الانحراف في الوسط الحضري. حالة برج مولاي عمر مكناس

الجريمة وثقافة الانحراف في الوسط الحضري.
حالة برج مولاي عمر مكناس
عبدالعالي الصغيري
ماستر الجريمة والمجتمع
مكناس في:  01 نونبر2013
 الساعة: 12:20
يعتبر موضوع الثقافة الحضرية من بين المواضيع التي شكلت مدخلا رئيسيا لفهم وتفسير السلوكات الاجتماعية والثقافية الحضرية، وفق ما تمليه ظواهر الوعي الثقافية والتمثلات المبنية اجتماعيا وثقافيا، والتي يتم انتاجها في الوسط الحضري، هذا الأخير الذي يتمأسس تارة على التنظيم وتارة على اللاتنظيم والعشوائية بفعل التحول والتغير الذي يطرأ على مختلف البنيات والنظم المشكلة للحياة الحضرية.فماذا يمكن قوله عن الظاهرة الثقافية بمدن المغرب اليوم؟ وماهي علاقة الثقافات الحضرية بظاهرتي الجريمة والانحراف؟ وكيف يمكن تدبير ما هو ثقافي للحد من السلوكات الخارقة والمتمردة على القواعد والمعايير الإجتماعية؟.
لتوضيح هذه المسألة سنعرض في هذا السياق لمقاربة ميدانية أجريناها بمعية بعض من طلبة ماستر الجريمة والمجتمع ببرج مولاي عمر بمدينة مكناس حول ظواهر الوعي الثقافية وعلاقتها بالانحراف والجريمة، وذلك بطرح السؤال ما الذي أصبح متقاسما ثقافيا بين ساكنة البرج وما الهم الجماعي ثم كيف يتأسس ذلك؟  كل هذا في أفق الاجابة عن الإشكالية المطروحة: كيف أن إعادة البناء الاجتماعي للثقافة يساهم في خلق سلوكات تصنف رسميا ومعياريا بأنها منحرفة، لكن بالمقابل تجد لها تبريرات لدى مرتكبيها؟
لاشك أن المدخل الثقافي -وانطلاقا مما سبق- هو ما من شأنه التمكين لفهم كيف تبنى هذه التمثلات حسب ظواهر الوعي الثقافية التي تكشف عليها نتائج الدراسة، وهنا يمكن الحديث على أن دراسة الثقافة تطورت وأخذت الإهتمام الكافي على أيدي علماء الإجتماع والانتروبولوجيا، أفرزت النظرية الثقافية كمصطلح يحاول فهم وتصوير دينامية الثقافة، كذلك الجدل القائم حول العلاقة بين الثقافة و الطبيعة، بين الثقافة و المجتمع، أيضا الفارق بين الثقافة العليا و الثقافة الدنيا، كما ارتبطت النظرية الثقافية بمفاهيم و تصورات كمفهوم الإيديولوجيا و مفهوم الوعي، في هذا الصدد وفي إطار موضوع البحث يركز تومسون على الثقافة باعتبارها الطريقة التي من خلالها تتعامل الجماعات مع المادة الخام للوجود المادي و الإجتماعي[1]
لقد بينت نتائج الدراسة أن الوضعية الثقافية من داخل المجال المدروس ترتبط بظواهر أخرى كالفقر، البطالة، التهميش...، إن فقر ساكنة أحياء الصفيح تخلق ثقافة خاصة ذات عناصر مشتركة بين الفقراء أينما وُجدوا ، وهذه الثقافة تنتج نفسها بنفسها ، كما أن خصائصها يتوارثها جل الأجيال المتعاقبة على الحي، إن هذا يتجلى من خلال ما تمت ملاحظته من خلال أقوال المبحوثين حيث تقاسم لوعي ثقافي مشترك يلقي اللوم على الفاعلين المحلين والمسؤولين الذين همشوا مجالهم وجعلوه يعيش الفقر و البطالة، لذلك فهؤلاء يضعون تبريرات  للإتجار في المخدرات، وبعض جرائم السطو التي هي ردود أفعال عن وضعيات إجتماعية، يقول أحد المبحوثين" البرج يعيش الفقر، والتفكك الأسري حيث غياب الرقابة الأسرية للأبناء ، وأن مجال البرج للأقوياء و ليس الضعفاء، كذلك هناك عصابات تتصارع للاستحواذ على المجال بأبعاد اقتصادية، والبرج هو مصدر إزعاج وخطر للأمن ،كما أن الظروف هي المسبب في الإنحراف"، من خلال قول هذا المبحوث فالمخيال الثقافي يعتبر الفقر والحرمان هو مكمن الخلل والمسؤول عن الانحراف، وهذا يدفع بدوره إلى الصراع حول إمتلاك المجال الذي غالبا ما يكون للأقوياء وهذا أمر يجد شرعيته في الوعي الثقافي لساكنة البرج ويدافعون عنه كأمر مشروع يقول أحد المبحوثن " إلى بغيتي تكون برجاوي خاصك تكون شديد" أو كما عبرت عنه إحدى العبارات المكتوبة على أحد الجدران بعين الشبيك" عين الشبيك مدرسة سكانها أساتذة والداخل ليها تلميذ و البوجادي يتقردن" والأستاذية هنا تعبر عن إحتراف الإجرام وأن الداخل لهذا المجال ما هو إلا تلميذ يتعلم الحرفة، والبوجادي أي الضعيف (النية) يتم التحايل عليه ( يتقردن أو يخدموه).
رغم هذا كله وعند سؤال المبحوثن عن درجة رضاهم بمستوى عيشهم بالبرج فإنهم أو على الأقل أغلبهم يعبرون عن علاقة حميمة مع المجال، وأنه رغم كل ما يقال عن مجالهم فهم راضون تمام الرضى حيث يقول أحد المبحوثين" هنا ولدنا ودرسنا والحمد لله داخلين سوق راسنا ما عمر شي حد تعرض لينا، وأن الجريمة أو الاتجار في المخدرات هو أمر عادي لانتزاع الحقوق التي أكلها" صحاب الشكارة" وأن التعاطي للمخدرات يساعد على نسيان الهموم والمشاكل" هذا القول يبين أن الوعي الثقافي لدى الساكنة يضفي شرعية على بعض السلوكات و الممارسات التي تصل إلى حد تحدي السلطات الأمنية حيث لاحظنا تناول المخدرات بشكل علني في المقاهي والشارع العام أمام رجال الشرطة. وربما هذا يتقاسم مع الطرح الماركسي أو النظرية الصراعية التي تعتبر جرائم المضطهدين كردود أفعال ضد السياسات التي سنتهجها من يمتلكون السلطة.
إن مقاربة المجال ثقافيا أمر مهم لفهم الثقافة السائدة حول الجريمة فالبعد الثقافي لا يمكن قصره على جغرافيا المجال أو البنية التحتية بل يتعدى الأمر ذلك أنتروبولوجيا إلى دراسة الإنسان وعلاقته بالمجال تاريخيا، كذات، كجماعة، كفاعل اجتماعي وفاعل سوسيوثقافي دائم الحراك والفعل من أجل بناء وإعادة بناء شروط حياته ووجوده و ترسيخ أو خلخلة منظومة القيم و المعتقدات وكافة أنماط الحياة التي يؤثر ويتأثر بها و التي لا يمكن اعتبار الفصل بين خلفياتها السياسية والاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية سوى فصلا منهجيا من اجل الدراسة [2].
يتبين إذا مما سبق أن ميكانيزمات التحول والتغير الثقافي تتحكم فيها عدة عوامل مفسرة، مرتبطة بالأساس بالوضع السوسيو-اقتصادي، مرتبطة كذلك بمحددات مجالية مرتبطة بطرق التهيئة والتدبير الثقافي للمجال، كل هذا يحيلنا إلى التساءل عن  كيفية إنتاج المجال ببرج مولاي عمر بمكناس،انطلاقا من عدة متغيرات أفرزتها عوامل سوسيو-اجتماعية مهمة كالهجرة والنمو الديموغرافي...، التي أفضت إلى بروز مجالات تتسم بالتلقائية وتفتقر إلى مقومات التعمير المنظم من حيث الشكل والمضمون[3]. وهذا ما لاحظناه من خلال شكل البنايات الغير متسقة، والأسواق غير المهيكلة، ثم انتشار الأزبال فضلا عن غياب مناطق الترفيه و الترويح عن النفس كالملاعب والفضاءات الخضراء، كل هذا يؤكد هذه الهشاشة و الهامشية التي يعاني منها هذا المجال. ومن يتأمل بعمق في جغرافية المجال المدروس يكتشف أنه مرآة تعكس لنا واقعا محليا يمكن من خلاله التنبؤ بعدد من المؤشرات والتي تكشف لنا التفاوت الاجتماعي، والبطالة، وتدهور المساكن، واللامساواة التي يستدل منها على وضع القوى الاجتماعية والإدارية في المجتمع. فالتحليل المكاني للجريمة لا يمكن تحليله كواقع منفصل عن القوى الاجتماعية والسياسية التي تشكل جزءا من المحتوى المكاني لإستخدام الأرض[4].
خلاصة:
الجريمة والانحراف في الوسط الحضري هي مظاهر وظواهر لعدة اختلالات وازمات في التدبير الثقافي والمجالي،  واليوم برج مولاي عمر مظهر آخر من مظاهر أزمة المدينة بالمغرب التي تأسست وتطورت في سياق اجتماعي يعرف الوفرة في المشاكل خاصة أزمة السكن، حيث أنه في الأصل حي صفيحي تحول بين عشية وضحاها لكتل من الإسمنت تأسست على مقاربات ومبادئ تحقيق الربح ، التي تبنتها لوبيات يتعارض منطقها مع منطق التدبير الحضري ويتوافق مع منطق وقواعد الليبرالية التي تحقق الربح على حساب الأزمة، وكمنتوج عرف المجال ظهور مجموعة من التجمعات السكنية التي تحمل في أشكالها الخارجية جميع متغيرات التفاهة واللاثقافة من حيث الألوان والأشكال الهندسية التي تظهر كزوايا قائمة تعبر عن رغبة الصانع في الربح.
إننا اليوم في حاجة ماسة لاعادة النظر في مثل هذه السياسات التي لا زالت مستمرة في تدبير مدننا اليوم من أجل تدبير للشأن العام يقوم على الحكامة في شتى أبعادها، وخاصة الحكامة الثقافية التي يجب أن تقوم أولا على تدبير التعدد والاختلاف الثقافي، ثانيا: مأسسة الرصيد الثقافي في فضاء منظم، وأخيرا الاهتمام بالنخب التي تؤسس لمشاريع ثقافية.






[1] - أندروا إدجار وبيتر سيد جويك، موسوعة النظرية الثقافية " المفاعيم و المصطلحات الأساسية، ترجمة هناء الجوهري، مراجعة محمد الجوهري، المركز القومي للترجمة، الطبعة الأولى، 2009، ص 7-8.
[2] -عياد أبلال ، المجال و التحولات الإجتماعية، الحوار المتمدن، العدد 1657، 29/08/2006، 10:07، قراءة في عالم الكتب والمطبوعات: المحور .
[3] - عادل جعفر، إنتاج المجال: من التعمير الاجباري إلى التعمير التوافقي " جودة المجال جودة الحياة" مجلة الحوار المتمدن.
[4] - سيف الإسلام شوية، المقاربة السوسيو جغرافية لظاهرة الجريمة، العدد 12، مجلة العلوم الانسانية ، جامعة محمد خيضر بسكرة، ص:183.

ما نصيب الهوية و الثقافة من الربيع الديمقراطي؟:

ما نصيب الهوية و الثقافة من الربيع الديمقراطي؟:بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة و السلام على سيدنا و حبيبنا خاتم النبيئين و المرسلين
و على اله و صحبه أجمعين .
في الوقت الذي تسعى في المجتمعات و الثقافات جاهدة إلى الانعتاق و التحرر من التبعية و الاستعمار الثقافي ، والهوياتي ، انطلاقا مما أفرزته العولمة و الأنظمة الرأسمالية و الامبريالية من تغيرات سوسيواجتماعية و ثقافية غيرت من قيم المجتمعات وقضت على تضامنهم الآلي ، لتحل الفردانية والبراكماتية ، لتطفو المصالح على بحر الحياة الاجتماعية الغير مستقر والهائج دوما ، حيث يصعب بمكان على أي سفينة ثقافية الرصو فيه إن لم تكن لديها أشرعة قوية ، وإلا سيجرفها التيار حتما.
واقعنا الاجتماعي و الثقافي و الرمزي اليوم شهد مجموعة من المتغيرات الخطيرة التي أثرت في مختلف اللبنات والأسس الأولية للبناء الثقافي و الهوياتي ، ونخص بالذكر هنا مؤسساتنا الاجتماعية المتمحورة أساسا في الأسرة ثم المدرسة ،والمجتمع كوعاء جامع ومفرز لنتائج التفاعل ، ليتشكل لنا في النهاية فضاء عام غير مستقر على انمودج بعينه بل قابل للتحول و التغير دوما.على ضوء ما سلف دعونا نساءل الحراك الاجتماعي و الثوري الذي شهدته شعوب شمال إفريقيا والشرق الأوسط ، فما موقع الدفاع عن الهوية و الثقافة من هذا الحراك؟ ، أين تتجلى مظاهر إثارة إشكال الهوية و الثقافة ؟، على أية معايير وعلى أية أسس؟
كإجابة على هذه التساؤلات نجد  عالم الاجتماع التونسي د.محمود الذوادي  يعتبر أن ما غفلت عنه ثوارات الربيع الديمقراطي هو رفع مطالب ترد الاعتبار للثقافة و الهوية ،حيث بقيت المطالب منحصرة في ماهو سياسي و اجتماعي لكن لم تنتقل لما هو ثقافي حيث أن الوضع الثقافي لا زال هو هو ، وهنا يطرح الذوادي إشكال اللغة كعنصر أساسي للتحليل حيث اعتبر أن شعوب شمال إفريقيا لا زالت مستلبة لغويا حيث لغة المستعمر لا زالت متغلغلة في البنيات الرسمية لهذه البلدان لتنتقل بذلك إلى الاجتماعي و الثقافي وتخلق استعمارا أشد خطورة وهو الاستعمار الثقافي .
إن الاستعمار الثقافي هو اخطر أنواع الاستعمار فهو يهدف إلى احتلال العقل في وقت تكون فيه الثقافة الذاتية لبلد ما على أدنى مستوياتها (لأسباب مختلفة)
الاستعمار الثقافي لا يحتاج إلى الأسلحة التقليدية ولكنه – ربما يحتاج حاليا – إلى التكنولوجيا المتقدمة والعلم  والاتصالات الحديثة.
الاستعمار الثقافي على عكس الاستعمار العسكري يحتاج إلى زمن ليس بالقصير لتحقيق الأهداف المرجوة منه  لأنه ينخر بطيئا في عقول الناس وخاصة عقول من يقال عنهم (المثقفون) لأنهم لبنة الثقافة ويصبح هؤلاء هم المروج لثقافة المستعمر.
أسوء أنواع الاستعمار الثقافي هو بث الأفكار المتخلفة والهدامة وإثارة الفتن والنعرات الدينية و الطائفية والمذهبية وتشجيع أي فكر يدعو إلى عدم الاستقرار واستمرار الفوضوية وقتل أي أفكار تدعو للعلم والتعلم والتحرر والتقدم والرقي.
كل دولنا العربية الآن واقعة تحت الاستعمار الثقافي – شئنا آم أبينا – وكثير من الوقائع الاجتماعية تؤكد و تدل على هذا .
فعلى سبيل المثال لا الحصر ما يشهده مجتمعنا المغربي من تحولات على مستوى القيم و الأخلاق ، وفقدان خصوصيات التضامن الاجتماعي و العائلي ، وطغيان الاستهلاك التفاخري و الفردانية المتوحشة ، ثم كثرة الجرائم الخطيرة منها في مناطق التضامن الآلي ناهيك عن التحولات المؤسفة التي شهدتها مؤسسة الأسرة ، والتغير الفجائي الذي طرأ على أساليب التنشئة  ، و الأدهى من هذا معايير تشكل هاته المؤسسة التي انقلبت المعايير و الأعراف في تشكلها لتلبس حلة جديدة ناسخة في ابعد الحدود أنموذج الزواج الغربي ، فأصبحت مؤسساتنا التعليمية اليوم خصوصا في المرحلة الثانوية و الجامعية تعج بالعلاقات العاطفية الحالمة ، ولا يقتصر الأمر هنا بل الفضاء العام نفسه يشهد ممارسات شبه جنسية أمام مرأى الجميع دون تحريك ساكن ضبطي لما يقع ، أو ثقافة مضادة . وأمام تفاقم العزوف عن الزواج وصعوبة العيش والاستلاب الثقافي أصبح الكل يطبع مع هذا الوضع ولا إشكال في علاقات تخرج عن نطاق المسموح به ثقافيا أو مرجعيا، ومن يدري ربما يمكن التمرد في أفق بناء ثقافي جديد ، حيث أضحى التنازل الثقافي ، وقتل الثقافة و الهوية أمرا عاديا في ظل انهيار جدار الدفاع و الصد المحلي أمام قوة صدام الثقافة الدخيلة.
في منحى آخر تعبر أزمة التعليم التي يتخبط فيها التعليم المغربي عن شكل آخر من أشكال الاستلاب الفكري و العلمي الذي لم يجد لنفسه وحتى الساعة مخرجا من الأزمة وذلك باعتراف أعلى السلطات في البلاد ، ومن بين المشكلات التي لازالت تخلق القلق لدى الطلبة هو إشكال لغة التدريس حيث التدريس باللغة العربية في المرحلة الابتدائية والثانوية لتنقلب الأمور في المرحلة الجامعية باللغة الفرنسية ، الأمر الذي يشكل عائقا و عبئا بل خللا وظيفيا من داخل النسق التعليمي ، أما على المستوى السياسي فان كانت اللغة الرسمية للبلاد هي العربية و الامازيغية فحضور هاتين الأخيرتين من داخل النسق الإداري و المعاملاتي يبقى شبه غائبا تماما ، ليطغى في النهاية الرأسمال الثقافي اللغوي الفرنسي ليؤكد لنا من جديد أننا شعب لم يتحرر  بعد . شعب فاقد لرأسماله الرمزي يتكلم بما لا تفهمه ثقافته ، منسلخ عن جذوره و لبناته ، كل هذا ساهم في تكريس الهشاشة الهوياتية و الثقافية ، فأصبحنا وعاءا دون محتوى تخترقه ثقافات متناقضة على مدار الساعة .إننا بحاجة إذن إلى ثورة ثقافية و هوياتية لننحت موافقات و مواضعات قوية قادرة على صد الثقافات الدخيلة .
عبدالعالي الصغيري
طالب في السوسيولوجيا







***ليلة السابع والعشرين من رمضان عند المغاربة***

عبدالعالي الصغيري
26 رمضان 1434/04 غشت2013
05:07
***ليلة السابع والعشرين من رمضان عند المغاربة***
يحتفل المغاربة منذ عقود بليلة السابع والعشرين من رمضان، اعتقادا منهم بأنها ليلة القدر حسب اجتهادات الفقهاء والعلماء والمحدثين المالكيين، رغم أن وقتها بالذات غير محدد أو معلن تشجيعا وترغيبا للمسلمين في العمل المضاعف من الطاعات والعبادات في العشر الأواخر من رمضان، لما لهذه العشر من فضل وأجر في الشريعة الإسلامية، والقيمة التي كان يوليها الرسول صلى الله عليه وسلم لها، حيث كان يوقظ أهله ويشد مئزره ويعتكف في المساجد، كما أن قيمة الأيام العشر، سواء الأيام الأولى من ذي الحجة أو العشر الأواخر من رمضان تجد دلالاتها وعمق تجدرها في التمثل الاجتماعي والثقافي وهذا ما يؤكده الخطاب الشفهي في تبادل التهاني بقول "عواشر مبروكة" نسبة إلى الأيام العشر.
إذا كان ما ذكرناه سالفا ينجلي معه الشك لعلو مقياس التقديس والتعظيم للأيام العشر بما أوجب ذلك الشرع وأقره، فكيف يحتفي المغاربة بهذه الأيام وما العمق الثقافي والديني الذي تكتسيه ليلة السابع والعشرين(الفضيلة) من كل رمضان؟
"ها البخور، ها الجاوي، ها صالبان، ها المسك ها العنبر..." عندما تقترب هذه الليلة تجد أن المحلات التجارية اغرورقت بطبخات المقدس ولا تسمع أنذاك سوى تلك العبارات السحرية التي تقحمك في عالم من الروحانيات، وليس غريب على المغاربة اقتناء هذه الطبخات أو الوصفات الروحية ما دامت قد اختلطت بعمقهم الثقافي في أساطير الجن و"الارياح" و"الشوافة" والسحر...، فـ"البخور" كان ولا زال تلك الوصافة السحرية التي تطرد العين والسحر، فتجده في طقوس الفرح والحزن، الزواج والجنائز بل حتى لمن أراد الحصول على وظيفة ..." وجدو الجمر والبخور وبخروا الدار كاملة وحتى الزقاق، وجدو الحنة... هذا ما يقع وسيقع اليوم في كثير من مناطق المغرب ونحن مقبلين على ليلة السابع والعشرين من رمضان، إنه يوم عيد، إنه يوم التسامح وإفشاء السلام الذي قد يغيب في الأيام العادية لكنه يحضر في "العواشر" بقوة إلى حد العناق و "الربعة" كما هو عند أهل الجنوب الشرقي الجرف نموذجا" . وي كأن جدارا يمنع الحميمية وإفشاء السلام في باقي الأيام.
إن هذا اليوم لا ينساه الأطفال أبدا، كيف ينسونه وهم يحملون فوق "العمارية" في الخيم المنصوبة هنا وهناك، كيف ينسونه وهم عرائس وعرسان يلوحون بأيدهم في السماء يطيرون من شدة الفرح والاندهاش لما يقع حولهم رغم أنهم قد لا يفهمون شيئا، إنها وكما عبرنا في مقال سابق تنشئة على الزواج تتكلل بواقع العزوف عنه اليوم . في سياق آخر يأخذ الطبخ هو الآخر حصته الثقافية، حيث تخصص لهذه الليلة مأكولات خاصة كما هو الحال في منطقتنا " كسكسوا بسبع خضاري".

لا شك أن لهذا كله قيمته الثقافية والإنسانية لدى المغاربة، لما يحملونه من معتقدات وقيم، تربوا ونشئوا عليها وقلدوا البعض منها، فأصبحت جزءا لا يتجزأ من كيانهم الثقافي. لكن ذلك لا يمنع من القول بضرورة تصحيح المسار الثقافي وجعله ملائما لما جاء به الإسلام من مقاصد في العبادات.
لقد شرع الإسلام الصيام في شهر رمضان لما له من مقاصد وفوائد روحية واجتماعية وصحية، فهو يعود على الصبر ويقوي عليه،ويعلم ضبط النفس، ويوجد في النفس ملكة التقوى، والصوم يعود الأمة النظام والاتحاد، وحب العدل والمساواة ويكون في المؤمنين عاطفة الرحمة وخلق الإحسان كما يصون المجتمع من الشرور والمفاسد، والصيام أيضا مطهر للأمعاء ومنظف للبدن من الفضلات والرواسب، ومخفف من وطأة السمن وثقل البطن بالشحم وفي الحديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم"صوموا تصحوا"[1]. وحري بالذكر القول بأن ليلة القدر لم تحدد بالضبط في ليلة السابع والعشرين من رمضان، بل يجب تحريها في العشر الأواخر من رمضان ،قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :« تحروا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان»[2]، وعن عبد الله بن أنيس أنه قال: «يا رسول الله، أخبرني في أي ليلة تبتغى فيها ليلة القدر. فقال: "لولا أن يترك الناس الصلاة إلا تلك الليلة لأخبرتك[3].
وذكر تعالى أن هذه الليلة ليلة مباركة تقدر فيها الآجال والأرزاق وحوادث العام، وذلك في قوله تعالى " إنَّا أنْزَلنَاهُ فِي ليْلةٍ مُبَاركةٍ إنَّا كنَّا مُنْذرينَ* فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أمْر حَكيم* أمرا من عندنا إنا كنا مرسلين*رحمة من ربك إنه هو السميع العليم" الدخان:3-6.  وسبب تسميتها بليلة القدر قال النووي: "وسميت ليلة القدر، أي ليلة الحكم والفصل". وهذا هو الصحيح المشهور. والعمل الصالح فيها مضاعف وفيها ساعة يستجاب الدعاء فيها لذلك كان النبي صلى الله علية وسلم يحرص على الاعتكاف ويكثر من التعبد في العشر الآواخر من رمضان قال تعالى "لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ" العبادة في هذه الليلة خير من عبادة ألف شهر يعني ثلاثة وثمانين سنة و أربعة أشهرتقريباً، فيها يغفر ما تقدم من الذنوب . والحكمة من اخفاءها كما قال ابن الجوزي: أن يتحقق اجتهاد الطالب،كما أخفيت ساعة الليل، وساعة الجمعة، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يجتهد في العشر ما لا يجتهد في غيره، كان يسهر ليله، ويحمل كله، فيشد مئزره ويقوم الليل كله[4].
لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يحيي ليلة القدر بقيامها فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال" من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه" متفق عليه. وقيامها : إنما هو إحياءها بالتهجد فيها والصلاة.وقد أمر عليه السلام عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها بالدعاء أيضا.. وقد قال الشعبي في ليلة القدر : ليلها كنهارها، وهو ما ذهب إليه الشافعي في قوله: استحب أن يكون اجتهاده في نهارها كاجتهاده في ليلها، وهذا يقتضي استحباب الاجتهاد في جميع زمان العشر الأواخر ليله ونهاره والله أعلم[5].
إن المستحب في ليلة القدر هو الإكثار من الدعاء في جميع الأوقات، بقول هذا الدعاء المأثور" اللهم إنك عفو تحب العفو فاعفوا عني" لما رواه الإمام أحمد أن عائشة رضي الله عنها قالت: يا رسول الله، إن وافقت ليلة القدر فبم أدعوا؟قال:"قولي: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعفوا عني"[6](رواه أحمد وأهل السنن، وقال الترمذي:حسن صحيح). وقال إبن رجب:" وإنما أمر بسؤال العفو في ليلة القدر بعد الاجتهاد في الأعمال فيها وفي ليالي العشر، لأن العارفين يجتهدون في الأعمال، ثم لا يرون لأنفسهم عملا صالحا، ولا حالا، ولا مقالا، فيرجعون إلى سؤال العفو كحال المذنب المقصر).وقال يحيى بن معاذ: ليس بعارف من لم يكن غاية أمله من الله العفو[7].
خاتمة:
هكذا إذن فإن مدعاة أخذ العبادات بمقاصدها وعمق تجلياتها هو المدخل الرئيس والأساس لعبادة الله حق عبادته، مصداقا لقوله تعالى "إنما يخشى الله من عباده العلماء" أم غير ذلك من الطقوس والعادات التي لا تصح من الدين في شيء يجب القطع معها من أجل ترشيد التدين، ولنا في الشريعة الإسلامية ما هو جامع ومانع، كما يجب ترشيد ثقافتنا وعاداتنا بما يوافق الكتاب والسنة .فاللهم إنك عفو تحب العفو فاعفوا عنا".
عبدالعالي الصغيري
25 رمضان 1434/04غشت2013

 







[1] أبوا بكر جابر الجزائري، منهاج المسلم،الطبعة الأولى،مطبعة إيدسوفت،1425هـ/2005م.ص198،199.
[2] رواه البخاري في صحيحه عن عائشة بنت أبي بكر ، رقم: 2020
[3]  كتاب ليلة القدر، ص49.
[4] التبصرة:6/104.
[5] لطائف المعارف:ص277-278
[6] تفسير ابن كثير
[7] القسم العلمي بمدار الوطن، ليلة القدر خير من ألف شهر، دار الوطن للنشر، ص15.