الأربعاء، 25 مايو 2016

المجتمع المدني و الدولة ، أية علاقة



المجتمع المدني و الدولة ، أية علاقة
عبدالعالي الصغيري
مسلك علم الاجتماع 
السداسي الخامس 2012
تقديم:
اكتسى مفهوم المجتمع المدني في الآونة الأخيرة  أهمية كبرى ، ارتبطت بشكل كبير بتلك النزاعات التي ارتسمت مؤخرا، والمتعلقة بتطور الدولة وكذلك العلاقات الناشئة بينها وبين المجتمع، حيث تجري بلورة العلاقات الضرورية بين المجتمع المدني والمجتمع السياسي، وقد بذلت  جهود فكرية لتأصيل نظري لتلك العلاقات.
إن الحديث عن إشكالية المجتمع المدني و الدولة أية علاقة ، يدفعنا بالضرورة إلى تحديد مضمون كل إشكالية ، أي تحديد مضمون المجتمع المدني ومضمون الدولة. مما سيسمح لنا بالكشف عن طبيعة العلاقة الناشئة بين المجتمع المدني والدولة والتغيير الدائم فيها، فهي ليست علاقة ثابتة، بل على العكس تتغير وتكتسى بأشكال ومضامين متنوعة بفعل عوامل متعددة.
فتناولنا لهذا الموضوع بالذات لم ينشأ من فراغ بل أتى لفك الغموض الحاصل بين الدولة و المجتمع المدني ، خصوصا في ظل أطروحات تقدم لنا الدولة وكأنها فوق الطبقات الاجتماعية، أي تظهر كمحاولة للمصالحة بين الطبقات، أو باختصار شديد تقدم لنا " لابسة ثوب حيادها المبجل ". ولهذا فإن المطلوب إنزالها من هذه العلياء ودراستها دراسة سليمة تكشف طبيعتها ووظائفها، وبما يمكننا من فك الاشتباك بين مفهوم المجتمع المدني ومفهوم المجتمع السياسي.



مفهوم المجتمع المدني:
        بداية، يتعين الإشارة إلى أنه ليس هناك مفهوم ثابت لمفهوم المجتمع المدني، فالمفهوم مرتبط بتاريخ نشأته، أي بالمشكلات التي كانت مطروحة في وقت نشوئه، فهو بالضرورة ابن بيئة تاريخية اجتماعية محددة وهو ابن فكر محدد أيضا. إذن ما هو المجتمع المدني ؟
إن عبارة " المجتمع المدني " تعني ذلك المجتمع الذي ينشأ كيانه الذاتي ويحافظ على قوانينه ويصوغ مبادئ تنظيمه واشتغاله، ويقيم قانونه أو عقده الاجتماعي الخاص به والمميز له. مجتمع يتألف من مواطنين أحرار، يستطيعون وقادرين على العيش سوية وبشكل مشترك، بحسب القواعد التي اختطوها، والتي أصبحت عادات لا يمكن تجاوزها. (هذا التصور، متطابق مع مواقف طليعي القرن الثامن عشر، يتفق وأفكار معينة من قبيل التحضر والاحترام وكذا فكرة القانون المدني).
هناك من يعرّف المجتمع المدني على نحو إجرائي بأنه جملة " المؤسسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي تعمل في ميادينها المختلفة في استقلال نسبي عن سلطة الدولة لأغرض متعددة منها :
أغراض سياسية كالمشاركة في صنع القرار على المستوى الوطني، ومثال ذلك الأحزاب السياسية، ومنها غايات نقابية كالدفاع عن المصالح الاقتصادية لأعضاء النقابة، والارتفاع بمستوى المهنة والتعبير عن مصالح أعضائها، ومنها أغراض ثقافية كما في اتحادات الكتاب والمثقفين والجمعيات الثقافية التي تهدف إلى نشر الوعي وفقا لاتجاهات أعضاء كل جمعية، ومنها أغراض اجتماعية للإسهام في العمل الاجتماعي لتحقيق التنمية. وبالتالي، يمكن القول إن العناصر البارزة لمؤسسات المجتمع المدني هي : الأحزاب السياسية، النقابات العمالية، الاتحادات المهنية، الجمعيات الثقافية والاجتماعية " .
وإذا حللنا التعريف السابق الى مكوناته أمكننا أن نستنتج بأن جوهر المجتمع المدني، بحسب وجهة النظر هذه، ينطوي على أربعة عناصر رئيسية :
- العنصر الاول يتمثل بفكرة " الطوعية "، أو على الاصح المشاركة الطوعية التي تميز تكوينات وبنى المجتمع المدني عن باقي التكوينات الاجتماعية المفروضة أو المتوارثة تحت أي اعتبار؛
- أما العنصر الثاني فيشير الى فكرة " المؤسسية " التي تطال مجمل الحياة الحضارية تقريبا، والتي تشمل مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. ولعل ما يميز مجتمعاتنا الحضور الطاغي للمؤسسات، وغياب المؤسساتية بوصفها علاقات تعاقدية حرة في ظل القانون؛
- في حين يتعلق العنصر الثالث بـ " الغاية " و " الدور " الذي تقوم به هذه التنظيمات، والأهمية الكبرى لاستقلالها عن السلطة وهيمنة الدولة، من حيث هي تنظيمات اجتماعية تعمل في سياق وروابط تشير إلى علاقات التضامن والتماسك أو الصراع والتنافس الاجتماعيين؛
- وأخر هذه العناصر يكمن في ضرورة النظر إلى مفهوم المجتمع المدني باعتباره جزأً من منظومة مفاهيمية أوسع تشتمل على مفاهيم مثل " الفردية، المواطنة، حقوق الإنسان، المشاركة السياسية، الشرعية الدستورية .... الخ .
        * من وجهة نظر أخرى نجد أن "عبد الغفار شكر " يعرف المجتمع المدني بأنه " مجموعة التنظيمات التطوعية المستقلة عن الدولة .......، أي بين مؤسسات القرابة (الأسرة والقبيلة والعشيرة) ومؤسسات الدولة التي لا مجال للاختبار في عضويتها، هذه التنظيمات التطوعية تنشأ لتحقيق مصالح أعضائها كالجمعيات الأهلية والحركات الاجتماعية والمنظمات غير الحكومية، كما تنشأ لتقديم مساعدات أو خدمات اجتماعية للمواطنيين أو لممارسة أنشطة إنسانية متنوعة، وهي تلتزم في وجودها ونشاطها بقيم ومعايير الاحترام والتراضي والتسامح والمشاركة والإدارة السلمية للتنوع والاختلاف " .
دور المجتمع المدني ووظائفه
يستنتج من التعريف السابق أن جوهر دور المجتمع المدني هو تنظيم وتفعيل مشاركة الناس في تقرير مصائرهم، ومواجهة السياسات التي تؤثر في معيشتهم وتزيد من افقارهم، وما تقوم به من دور في نشر ثقافة خلق المبادرة الذاتية، ثقافة بناء المؤسسات، والتأكيد على إرادة المواطنين في الفعل التاريخي، وجذبهم الى ساحة الفعل التاريخي، والمساهمة الفعالة في تحقيق التحولات الكبرى حتى لا تترك حكرا على النخب الحاكمة.
وارتباطا بهذا الدور يبلور الباحث خمس وظائف تقوم بها مؤسسات المجتمع المدني هي :
1. وظيفة تجميع المصالح،
2. وظيفة حسم وحل الصراعات،
3. زيادة الثروة وتحسين الاوضاع،
4. افراز القيادات الجديدة،
5. إشاعة ثقافة ديمقراطية.
مكونات المجتمع المدني
أما مكونات المجتمع المدني بالنسبة للسيد شكر فهي أي كيان مجتمعي منظم يقوم على العضوية المنتظمة التطوعية في قطاعات عامة أو مهنية أو اجتماعية ولا تستند فيه العضوية على عوامل الوراثة وروابط الدم والولاءات الأولية مثل الأسرة أو العشيرة والطائفية والقبيلة، وبالتالي فإن أهم مكونات المجتمع المدني، حسب هذا الكاتب، هي :
النقابات المهنية، النقابات العمالية، الحركات الاجتماعية، الجمعيات التعاونية الزراعية والحرفية والاستهلاكية والاسكانية، الجمعيات الاهلية، نوادي هيئات التدريس بالجامعات، النوادي الرياضية والاجتماعية ومراكز الشباب والاتحادات الطلابية، الغرف التجارية والصناعية وجماعات رجال الاعمال، المنظمات غير الحكومية المسجلة كشركات مدينة مثل مركز حقوق الانسان والمنظمات الدفاعية الاخرى للمرأة والبيئة .... الخ، الصحافة المستقلة وأجهزة الاعلام والنشر غير الحكومية، مراكز الابحاث والدراسات والجمعيات الثقافية.
في ضوء ما سبق يمكن تصور النموذج الاساسي لمجتمع مدني متطور كالتالي :
1. إن المجتمع المدني يضم مجموعة مؤسسات (وليس مجرد منظمات) تستطيع أن تلعب دور الفاعل في عملية التغيير الاجتماعي والسياسي والثقافي، وكلما تطور دورها في عملية التغيير، وكلما اتسمت بمرونة اكبر في استجابتها للبنية الاجتماعية.

2. إن المجتمع المدني المتطور القائم على فعل الطوعية والمبادرة والنزوع للعمل الطوعي – في إطار مشاركة منظمة – هو ركن أساسي في ثقافة بناء المؤسسات.
3. إن مؤسسات مجتمع مدني متطور تعني أن يتوافر لها وعي ورؤية، أو ما يمكن أن نطلق عليه موقف نقدي فهي تمتلك تصورا واضحا لخريطة المجتمع ومصادر القوة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ومصادر الضعف، وهي مؤسسات لديها تصور واضح للتغيير الاجتماعي، وتتبنى مواقف الدفاع والمناصرة لمساندة فئات أو قطاعات أو جماعات، سواء على مستوى الحقوق المدنية أو الحقوق الثقافية والاجتماعية والاقتصادية.
4. انها مؤسسات لا تتبنى فقط ما يعرف " بالدور الالحاقي " أي معالجة المشكلات بعد حدوثها وإنما تتجاوزه الى " دور توازني "يسعى الى تحقيق توازن المجتمع والإسهام في عملية التحول الاجتماعي.
5. أن يأخذ بالنظرة الكلية، بمعنى أن مشكلات المجتمع المحلي والمشكلات الوطنية تقع في كل مترابط مع المشكلات الإقليمية والدولية، ومؤسسات المجتمع المدني لها دور في كل من هذه المستويات.
تسمح التعاريف السابقة بالتأكيد على أن هناك ثلاثة مصطلحات تشكل اركان مثلث فكري لا يمكن فصلها عن بعضها عن بعض لأي مجتمع ينشد التطور الحضاري في زماننا وهي : المجتمع المدني وحقوق الإنسان والديمقراطية.
فالمجتمع المدني هو مجتمع المؤسسات الاهلية المرادفة للمؤسسات الرسمية، وتشمل الميادين السياسية والمهنية والثقافية والاجتماعية.
وحقوق الانسان هي : الحقوق الأساسية للانسان في التمتع بالعيش الكريم وضمان حريته وصيانة كرامته وتوفر العدالة في حصوله على حقوقه، وإن توفر هذه الحقوق من سمات المجتمعات المحضرة.
أما الديمقراطية فهي : المشاركة الشعبية في اتخاذ القرار، وقبول التعددية.
المراجع :
*المجتمع المدني و الديمقراطية :صلاح عبد الصبور.
كتاب : المجتمع المدني :التاريخ النقدي للفكرة ، جون اهرنبرغ  ، ترجمة عالي حاكم صالح و حسن ناظم .












السبت، 21 مايو 2016

السياسة الحضرية وتدبير المجال المديني


السياسة الحضرية وتدبير المجال المديني
المدينة المغربية كحالة
مجزوءة المدينة والحكامة/ذ.عبدالمالك ورد
السداسي الخامس
علم الاجتماع مكناس
اعداد:الطالب عبدالعالي الصغيري


تقديم :
يعتبر موضوع المدينة موضوعا مشتركا تتقاسمه العديد من التخصصات ، و بذلك يمكن أن نتحدث عن مدينة الجغرافيين ، و التي يتم التركيز فيها على المجال و التهيئة ،ثم هناك مدينة الاقتصاديين ( الإنتاج ، التسويق و الاستهلاك ...) ثم هناك ما يسمى مدينة السوسيولوجيين  ، وما يميز هذه الأخيرة ( السوسيولوجيا ) هو البحث في الخفي من الرهانات الاجتماعية حول موضوع السلطة في المدينة .(1)
وإذا كان الفضل يعود إلى البحث الجغرافي والجغارفيون، في دراسة المجال الحضري وإبراز خصوصياته ومشاكله، فإن باقي العلوم الاجتماعية الأخرى وعلى رأسها السوسيولوجيا قد اهتمت هي الأخرى منذ نشوءها للظاهرة الحضرية، وهذا ما يمكن ملاحظته مع الرواد الأوائل المؤسسين لعلم الاجتماع ( ماركس، دوركايم فيبر، زيمل...) وكذلك مع رواد مدرسة شيكاكو والذين يعود لهم الفضل هم الآخرون في إنتاج تراكم نظري ومنهجي لا يستهان به حول جل الإشكالات المتعلقة بالمسألة الحضرية.
لقد عرف المغرب عملية أو ظاهرة التحضر مثله في ذلك مثل باقي البلدان التي في طور النمو، وإذا ما تتبعنا سيرورة التحضر بالمغرب  ، فإننا سوف نلاحظ بأن ظاهرة التحضر فيه لم تأتي نتيجة لنمو طبيعي وتحول عادي في بنياته الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية... وإنما جاء نتيجة لتدخل الأجنبي مع حركة التوسع الإمبريالي في بداية القرن العشرين، مما أدى إلى ظهور تفاقم الاختلالات بنيويا ومجاليا لعل أهمها هو تكريس التبعية بمختلف أشكالها سواء منها الدولية في إطار علاقات التبادل اللامتكافئة بين المغرب والدول الرأسمالية أو الداخلية في إطار العلاقات اللامتكافئة بين البادية والمدينة التي كان من نتائجها تحول عدد كبير من سكان المغرب بين عشية وضحاها من سكان قرويين إلى سكان حضريين يقطن جزء  منهم في مدن الصفيح.
إذن فما هو واقع المدينة المغربية؟ وما الإشكالات التي تعاني منها؟ وما موقع التنمية الحضرية والمدينية في سياسات التنمية الوطنية؟  ماهي تحديات إعداد المجال الحضري؟ وإلى أي حد يمكن أجرأة كل بنود التنمية الحضرية التي تضمنتها الخطط والاستراتيجيات والبرامج والمبادرات التنموية التي سنها المغرب لتهيئة المجال الحضري؟


مع بداية تراجع الدولة المغربية في التدخل كفاعل مباشر في التنمية الاقتصادية والشروع في تطبيق سياسة التقويم الهيكلي وفتح المجال لفاعلين محليين في إطار القطاع الخاص والمجتمع المدني، أصبح المغرب أمام تحديات جديدة تفرضها عليه حركة العولمة بالإضافة إلى التحديات والمشاكل الداخلية التي تعطل عملية النهوض بالتنمية المحلية في المجال الحضري ، مما أدى إلى طرح المشكلة بحدة في الآونة الأخير من أجل بناء سياسة وطنية قويمة وطموحة لإعداد التراب الوطني، وبالتالي إعداد وتهيئة وتنمية المجال الحضري، ومن ثمة تمت صياغة الميثاق الوطني لإعداد التراب، كما تم عقد حوار وطني حوله، ليتم الخروج بمجموعة من الخلاصات والتوجهات والأسس التي ينبغي الاعتماد عليها في إعداد التراب الوطني ومن بينه البرنامج الحضري، كما أن تفاقم الوضعية الاجتماعية وتدني المستوى المعيشي وانتشار الفقر وضعف البنيات التحتية والتجهيزات الأساسية وانتشار البطالة والأحياء الصفيحية...قد أدى كل هذا بالمهتمين والمعنيين إلى الانتباه لخطورة الوضع، مما أدى بهم إلى إعادة النظر في صياغة الخطط والاستراتيجيات التنموية، فجاءت بعض البرامج والمبادرات والاستراتيجيات التنموية، كبرنامج مدن بدون صفيح، والبرنامج الوطني لمحاربة الإقصاء في الوسط الحضري وإستراتيجية التنمية الحضرية المبادرة الوطنية للتنمية البشرية وغيرها من البرامج الأخرى التي تهدف إلى تحسين وضعية الفرد والرفع من مستوى معيشته.(2)
من هنا أصبحنا نتحدث غن مفهوم الحكامة الحضرية التي تعتبر في قاموس التدبير الرشيد، كآلية تنموية تسهل عملية مشاركة السكان في تحقيق أهداف التهيئة وفق رؤية إستراتيجية مؤسسة على مقاربات التنمية البشرية المستدامة، وهي نتيجة حتمية لإعادة ترتيب علاقة المواطنين بالفاعلين المحليين والجهويين في ظل ديمقراطية تشاركية بدل الديمقراطية التمثيلية . و هي إذن دعوة صريحة إلى تجاوز حالة اللاتوازن الناتج عن أحادية صنع القرار دون مراعاة المنطق العلمي المؤسس على عناصر المشاركة في مختلف مراحل إعداد المشروع من التشخيص على البرمجة والتنفيذ ثم التقييم والمحاسبة في إطار سيرورة تمتاز بالشفافية والعقلانية.(3) فالإعداد والتنمية والتهيئة كلها مفاهيم تقنية تصب في ضرورة التنظيم النسبي للمجال حسب ما يعرفه من إمكانات ثقافية واجتماعية واقتصادية وايكولوجية، فهو التوفيق بين الشكل والمضمون والمحتوى المادي، يهدف إجرائيا وعمليا إلى إزالة الحدود بين مستويات المجال الوطني والمحلي وإلى العدالة بينهما في توزيع مدخلات ومخرجات التنمية المستدامة.
هكذا اذن، ومن خلال كل هذا سنحاول مقاربة و فهم التدبير المديني للمجال وفق هذه المتغيرات التي شهدتها السياسة الحضرية أو المدينية بالمغرب ، فإنتاج المجال بالمغرب يعرف تطورا مهما وتحولات مهمة في مقارباته ومبادئه، أفرزتها عوامل سوسيو-اجتماعية مهمة كالهجرة والنمو الديموغرافي...، وقد أفضى هذا التطور إلى إفراز ثنائية مجاليه تتجلى في بروز مجالات تتسم بالعقلانية في التدبير، محكم بمجموعة من المتغيرات الثقافية والاجتماعية، ومجالات تتسم بالتلقائية وتفتقر إلى مقومات التعمير المنظم من حيث الشكل والمضمون . (4) ، وذلك نتيجة للوفرة في الأزمات التي يعرفها هذا المجال، الواضحة بقوة في أشكال التنافر بين الإنسان والمجال، المترجمة في التمرد على الشكل والمضمون من طرف المستهلك، الذي يبحث من خلال منطقه الاجتماعي عن مستوى للتعايش مع الفضاء، الذي أنتج من خلال مقاربات تقصي جانب المعرفة والفهم في الإطار المنطقي المنظم لمراحل تطور المجال الحضري - الإنتاج، الإعداد والتدبير- .
ومن جهة أخرى، فغياب التذويب الميداني لثقافة المجتمع في مراحل التطور الحضري، يجعل معظم المتدخلين يواجهون حالات من الأزمة، ويجعل هذا القطاع مختلا على مستوى المخرجات والممارسات، فمن السهل أن نجد كثيرا من مظاهر الأزمة مرتبطة أساسا بالمبادرات الاستعجالية - أحياء إعادة الإسكان- في مجال التعمير، التي تكشف للملاحظ ما يعاني منه مجال التدبير الحضري من خلل على مستوى مقارباته ومبادئه وفلسفته.
إن الهدف من هذا المستوى من الفهم والتحليل، هو التأكيد على حتمية ما يمكن اعتباره طريقة جديدة في إنتاج المجال المديني ،تسعى إلى جعل إنتاج المجال غير مفروض، بل توافقي وتشاركي مع المجتمع المعني، ومؤسس على الفهم والمعرفة بالثقافة والأفكار السائدة للمستهلك والمستفيد .(5) إن دينامية من هذا القبيل، كفيلة بأن تهيئ الأرضية الملائمة للقيام بمجموعة من الإصلاحات السياسية، من شأنها أن تساهم في تعزيز اللامركزية، وتوسيع مشاركة السكان، من خلال تعزيز مبادئ المشاركة والتشارك والعدالة والشفافية والإدماج.
هذه المبادئ العامة للمنهج الحديث في التدبير، جاءت كعناصر أساسية لموضوعات الحكامة التي تعتبر كآلية للتدبير الرشيد والحكيم للموارد المكونة للمجال، بهدف تحقيق التوازن والاستدامة في التهيئة. وتتأسس على مجموعة من المتطلبات، أهمها الإشراك والمشاركة بين القطاعات المؤثث للمجال، من خلال مجموعة من القنوات المؤسساتية والقانونية، التي تمنح الفاعل والفرد الكفايات المناسبة للتوافق على أرضية مشتركة لعملية الإعداد يكون فيها للرأي والرأي الأخر حضور فعلي دون عمليات الحجر على رأي أي جهة.(6)
        لقد تطور المجال بالمغرب عبر مراحل كرونولوجية مختلفة من حيث فكرة الإعداد ومقاربات التدبير، و يمكن لمس هذا التطور بشكل واضح في تفاوت شكل المعمار، الذي يعتبر مرآة تعكس ما لصانعه من منطق علمي وعملي في توظيف مدخلات الاستقرار المديني، فالمدينة القديمة (في مدينة الدر البيضاء، طنجة، مراكش...) كأول نواة حضرية أنتجت وتطورت في سياق تاريخي له خصوصية اجتماعية وثقافية متميزة وواضحة في شكل المعمار ومورفلوجية المجال، العاكس بامتياز لثقافة المنتج المؤسسة على التضامن والحوار وحسن الجوار والمحترم للخصوصية الدينية في ما يحمله من أشكال البساطة في المعمار، الذي لا يعبر عن المستوى الاجتماعي للقاطنين بشكل واضح، والكاتمة لأفعال وسلوكيات الأفراد اليومية ، انطلاق من انغلاق المنازل على الخارج وانفتاحها على السماء من الداخل .
هذا النموذج في الإعداد سيعرف اختلاف وتطورا مع بداية الاستعمار، الذي سيعمل في كثير من المدن المغربية على تأكيد حضوره الثقافي وعلى رغبة في الاستقرار الثقافي من خلال إنتاج وإعداد وتدبير المجال الاورومغربي، الحامل في شكله ما وصل إليه المنتج من تطور في مجال الفن المعماري، والعاكس للخصوصية الثقافية للصانع، والمحترم من جهة أخرى للثقافة المحلية من خلال ما حاول أن يطبع به معماره من ثقافة الأخر، تعبيرا على القبول بالحوار والثتاقف الاجتماعي. انطلاقا من اعتماده القرمود والزليج كناصر أساسية في تزيين الكثير من البنايات، والتي توحي للملاحظ بطغيان المقاربات الفنية والثقافية في الإعداد .(7) تستمر سيرورة تطور إنتاج المجال الحضري من حيث الشكل لتظهر بعد الاستقلال المدينة الحديثة أو المدينة المغربية، التي تأسست وتطورت في سياق اجتماعي يعرف الوفرة في المشاكل، و لعل أهما التزايد الديمغرافي لسكان المغرب في العقود الأخيرة، وارتفاع معدل الهجرة القروية نحو المدن وارتفاع معدل البطالة والفقر... فضلا عن فشل سياسات الدولة الحديثة التي ظلت تتميز بطابعها القطاعي الجزئي الأحادي البعد. بالإضافة إلى بعض العوامل الأخرى كضعف وثيرة النمو الاقتصادي، وسياسية التقويم الهيكلي التي زادت من تعميق الاختلالات البنيوية في المجتمع المغربي وتأزيم الوضعية الاجتماعية على حساب التطلع إلى تنمية اقتصادية مجهولة الأفق، والتي لم ينل منها الإنسان المغربي سوى الفقر والبطالة و والتهميش والإقصاء والتشرد...(8) مما كان له الأثر في تحرير المبادرة في البناء بهدف امتصاص الأزمة الحاصلة في السكن خاصة، تتأسس هذه المبادرة عموما على مقاربات ومبادئ تحقيق الربح ، التي تبنتها لوبيات يتعارض منطقها مع منطق التدبير الحضري ويتوافق مع منطق وقواعد الليبرالية التي تحقق الربح على حساب الأزمة، وكمنتوج عرف المجال ظهور مجموعة من التجمعات السكنية التي تحمل في أشكالها الخارجية جميع متغيرات التفاهة واللاثقافة من حيث الألوان والأشكال الهندسية التي تظهر كزوايا قائمة تعبر عن رغبة الصانع في الربح . الشكل كأهم متغير يوضح الخصوصية في الثقافة الحضرية، نجده في مدينة الدار البيضاء كنموذج هو شكل أزمة في العديد من التجمعات السكنية، يوضح البعد عن كل ما هو ثقافي واجتماعي والقرب من التعمير التلقائي التي مجلات تفتقر إلى مقومات الثقافة وتتوفر فيها شروط التفاهة .(9) واذا ما حاولنا استقراء المجال الحضري بالمدن المغربية نجده من حيث كرونلوجية تطور المجال يتجه من وضع الإيجاب في اتجاه السلب، المعبر عنه بوضوح فيما أنتج بعد الاستقلال من طرف المبادرة الحرة ، التي اعتمدت في مبادئها الميدانية أسلوب التلقائية والسرعة في إنتاج التجمعات السكنية .
واقع يوضح الأزمة في فكر الإعداد ومقاربات الإنتاج التي تعرب الإنسان المستفيد من متنوجها كمفعول به فاقد للأهلية والخصوصية، ومستهلك لا منتج وهدف لا محور من كل عملياتها، هذا نلمسه فيما يعرف بأحياء إعادة الإسكان التي أنتجت لتدبير الأزمة التي تعرفها الحواضر ولعل أقرب مجال يوضح لنا التنافر في المضمون والحاجيات هو مجال التشارك: الذي أنتجه مدبرو التراب المديني لإعادة إسكان قاطني كريان ابنمسيك الواضح فيما خضع له من تغيير على مستوى المضمون الذي لم يتوافق ويتطابق ولو نسبيا مع الخصوصيات الثقافية والاجتماعية لهذه الشريحة من السكان، فمجموع الشقق تحولت شرفاتها على غرف للتخزين في أحسن الأحوال وللسكن في أقصاها، فالمدبر لهذه العملية والواضع لتصورها الهندسي لم تكن له من المعرفة ما يكفي بحاجيات هذه الساكنة وبأولوياتها وبخصوصياتها الديموغرافية والثقافية، مما أثر بشكل سلبي على استغلال المجال، فالتغيير في المضمون يعتبر في منطق المستغل كرد فعل ضد إقصاء حاجياته في الإنتاج، فهل يحتاج ساكن التشارك في ثقافته اليومية إلى الحمام اليومي أم يحب حمام الدرب الذي يعتبر بالنسبة غليه مجالا لتبادر الآراء والأفكار والنقاش حول مشاكله اليومية العائلية والاجتماعية مع الجيران.
لنتقدم أكثر في تقديم أزمة المضمون بالفهم ، ننتقل إلى الدرب ثم الحي، الذي نجده في واقعه يقصي ثقافة التضامن الاجتماعي التي تميز المغربي، فمجموع التجمعات السكنية تكاد تخلو من مجلات الترفيه كالمساحات الخضراء التي تغيب في حي التشارك والتي عبر مجموعة من قاطنيها عن رفض إقصائها في عمليات الإعداد بالتمرد على المجال وعلى تصميمه بوضع مجموعة من المساحات الخضراء تنطلق من المبادرة الفردية لتعم المبادرة الجماعية التي يشارك فيها أبناء الدرب تعبيرا عن ثقافتهم، وهذا أقل ما يمكن القول عن واقع المضمون، الذي يعكس لنا مقاربة الصانع.
الشكل والمضمون متغيرين يوضحان الأزمة في الإعداد بامتياز ويعكسان مقاربة التطبيق المعياري في إنتاج المجال، بدل مقاربة المعرفة والفهم، فالمهندس والمقاول والمعماري في المدينة المغربية لم يتحكم ويحتكم في رؤيته وتصوره للمجال للمتغير البيئي والاجتماعي والثقافي، واهتموا بالبحث عن أقصى ما يمكن صناعته لاستغلال المجال واضعين في تمثلهم تقنيات الرسم والخطوط و البناء.
النتيجة واضحة في التنافر بين الإنسان والمجال وفي ما أنتج من سلب في مخرجات الإعداد، تنطلق من التمرد على المنتوج بالتغيير والتعديل إلى العنف الاجتماعي والإجرام وغيرها من الظواهر الاجتماعية السلبية بالأحياء الهامشية، إلى تحول المجال في التمثل والتصور من مجال معاش إلى مجال مدرك يعرفه الإنسان في حركته اليومية ويرفض الانسجام مع مكوناته المعمارية والاجتماعية .(10)
        إذن فبعد هذه الاختلالات الاجتماعية والاقتصادية الناجمة عن سياسات ذات المقاربات القطاعية المنغلقة، برز تفكير جديد الى ساحة التداول، مفاده ضرورة اعتماد المقاربة الشمولية التكاملية بين كل القطاعات، وخاصة في مستوى تدبير المجال الحضري. هذا جاء أيضا استجابة للمنطق الحديث المعتمد على البعد التشاركي في تدبير الشأن المحلي، وذلك في أفق محاولة تحريك دواليب التنمية الحضرية.وهذا يعني ضرورة إشراك الفاعلين المحليين. سواء كانوا من الحقل السياسي، أو من ساحة المجتمع المدني، أو من عالم الاقتصاد، من أجل بلورة مخططات تدبير الشأن المحلي، ومشاريع التنمية الحضرية.
ومن بين الأسس والركائز التي تقوم عليها هذه المقاربة الشمولية، نجد ضرورة تأهيل النسيج الاقتصادي الوطني، تكوين الموارد البشرية، التدبير الحضري وسياسة المدينة، المحافظ على الموارد الطبيعية، التنمية المتسديمة، التأهيل المجالي ومناطق التدخل الخاص، تنمية العواصم الوطنية والأقطاب الجهوية، والتنمية المحلية المندمجة، تدعيم اللامركزية وتوسيع نطاق اللاتمركز، الديمقراطية، الشراكة والمشاركة.(11)
 من هنا أهمية المبادئ التي يجب أن يعتقد ويؤمن ثم يتشبع بها الفاعل في إنتاج وإعداد وتدبير المجال المديني، هي مبادئ التشاور والتشارك التي يعتبر تفعيلها مدخل استراتيجي وحتمي للوصول إلى ذوق المستهلك ونمط عيشه الحقيقي، فمبادئ من هذا النوع سيكون لتبنيها نتيجة التحكم في سيرورة التحولات التي يعرفها المجتمع، أو بمعنى أخر ستمكن من في مراحل متقدمة في عملية إنتاج المجال من الاستجابة للحاجيات المتجددة للمواطنين - الكمية والكيفية - بناء على الخصوصية الجهوية والمحلية.
في هذا المستوى من الإنتاج سنتحدث عن التهيئة الديمقراطية بدل التطبيق المعياري لتقنيات المهندس ورغبات المقاول والمستثمر على حساب الأزمة، فتفعيل فلسفة من هذا النوع سيعرب المستهلك كفاعل به بدل مفعول به، وسننتقل إلى مستوى التهيئة التشاورية-التفاوضية بدل التهيئة الإجبارية، وسيعرف اللانتاج في قاموس التعمير بالمشروع الحضري الذي يحمل في إطاره المنطقي رغبات المستهلك مترجمة في أهداف وعمليات ونتائج ومؤشرات تقييم تشاركية توافقية المجتمع، هنا ينتقل المهندس والمعماري " على الإبداع وقت وضع الخطوط والأشكال والألوان للمجال" لترجمة أولويات وحاجيات المديني هذه المقاربة ستمكن كذلك من الوصول إلى مستوى التوافق بين مختلف الفاعلين، أو بمعنى ستمكن من إعداد الأفكار ، وخلق التوازن بين ثقافة المنتج وأفكار المستهلك، وكمخرج لهذا سيتم التحكم في إشكالية المديني الجديد الذي يجذب إلى الوسط الحضري للتضارب ثقافته البدوية مع محتويات المجال الحضري، وستحد من ردة فعله التمردية ضد مكونات المجال الحضري.
إن تحقيق مدينة فعلية وتنافسية يتطلب حكامة حضرية، قوامها الإشراك والتشارك واستشراف المستقبل بناء على التوافق من أجل التوازن، وهذا يستوجب إضافة إلى ما سبق تقديمه ، اتخاذ مجموعة من المقاربات كمعتقدات وقوانين يتبناها المنتج والمستهلك للمجال المديني.
الفهم والمعرفة، التشاور والتشارك، مداخل لإعداد الأفكار وأساس لإعداد المجال، وبالتالي التأسيس لتعمير يسهم فيه الجميع ويمنح المواطن حق المشاركة الفعلية في إعداد المشروع ويمكنه من التفاعل في اتخاذ القرار والتأثير في بلورة التوجهات المتعلقة بالإنتاج والتدبير، ويرسخ الاحترافية في قطاع التعمير ويطور التخصص في ميدان التنمية الحضرية.
إن الهدف من هذه المقاربة هو إيجاد الحلول الملائمة والمستديمة لإشكالية التكتلات العمرانية، لجعلها ذات قدرة تنافسية تمكن من التعايش بين الإنسان والمجال والزمان، وتوافق بين الحداثة والارتقاء بالهوية الوطنية والخصوصية الجهوية والمحلية.
هذا يوفر إطارا مرنا للتوفيق بين الشكل والوظيفة في عمليات الإنتاج، بناء على التوافق وسيتحكم في حدة الأزمة الحضرية ويمكن من التوازن بين الإنسان والتراب، وسيكون المنتوج المديني مرآة تعكس المحتوى الثقافي والفكري للمستهلك.
أحسن ما يمكن إنتاجه في ظل هذه المبادئ هو المعمار "الديمقراطي" الذي يستطيع التوفيق بين الثقافة والفكر والحداثة بحثا عن المدينة المعبرة عن الثقافة الشعبية بواسطة الأشكال والألوان والمضمون والوظائف، و لا مناص من اعتماد المقاربة الشمولية، والتي تشرك كافة الفاعلين المحليين والاهتمام بحاجيات ورغبات المواطنين، لأن وضع المخططات والاستراتيجيات التنموية  ينبني على أساسها، يفتح هامشا واسعا من تحقق الأهداف المتوخاة منها.(12)

ان أزمة المجال ومجال الأزمة الواضح في تنافر وتمرد الإنسان على المجال، هو نتيجة وترجمة لمقاربات التطور الحضري التي تتخذ كمنهج لها التطبيق المعياري السهل لأهداف الشبكات الاقتصادية المستثمرة في إنتاج المجال على حساب الأزمة، ويليق بالقرار الإداري المتبني للمقاربات الترقيعية كحل للمشاكل، والتقني المتناسي للثقافة المحلية، مما يعطي مجالا مدينيا يعرف الوفرة في السلب، ويتدبدب بين أزمة المدينة المفروغة من المحتوى الفكري والثقافي ومدينة الأزمة التي لا يبحث المنتج عند بنائها إلا عن الصنع المربح، مقاربة يعرب الإنسان في قاموسها كمفعول به في خدمة الاقتصاد .(13)
ويمكننا القول بأن تدبير و تنمية المجال المديني اليوم يبقى رهينا لمدى اعتمادنا على مقاربات تنموية شمولية ومتعددة الأبعاد تنطلق من خصوصية كل مجال حضري على حدة، حسب امكاناته وموارده ورساميله، وذلك بالاعتماد على الفاعلين الحضريين المحليين وعلى نتائج الأبحاث العلمية حول المدينة، واشراك السكان المحليين في صياغة هذه المقاربة التشاركية من أجل بناء أقطاب حضرية، قادرة على المنافسة وتجاوز مشكلات التوسع الحضري. بالإضافة إلى الأخذ بعين الاعتبار البعد التاريخي للمدينة المغربية دون إغفال كذلك العلاقة الجدلية بين المدينة والبادية.
وهكذا فإنه بدون تهيئة الإنسان لا يمكن البتة الحديث عن تهيئة للمجال الحضري، سيما وأن العلاقة بين الاثنين (الإنسان والمجال) علاقة جدلية، لا يمكن الفصل بينهما بأي حال من الأحوال. وبالتالي فإن النهوض بالأوضاع الاجتماعية للإنسان الحضري من خلال تقليص نسبة الفقر والبطالة وتوفير مناصب الشغل ومحاربة الإقصاء والتهميش... والرفع من مستوى عيشه وتوسيع خياراته وتقوية قدراته ومؤهلاته. كلها إجراءات ستجعل منه أداة فاعلة في التنمية الحضرية، وبالتالي المساهمة الفعلية في تهيئة المجال الذي ينتمي إليه.(14).



















هوامش :
ـــــــــــــــ


(1) ما هي المدينة ، درس الانتروبولوجية الحضرية، بن محمد قسطاني أستاذ بكلية الآداب و العلوم الإنسانية مكناس
(2) المهدي بنميرالمدينة المغربية أي تدبير للتنمية الحضرية؟" سلسلة اللامركزية والجماعات المحلية (1) مطبعة دار وليلي للطباعة والنشر مراكش، الطبعة الأولى، 2005
(3) الحكامة الحضرية ،عادل جعفر (مقال)
(4) إنتاج المجال: من التعمير الاجباري إلى التعمير التوافقي " جودة المجال جودة الحياة عادل جعفر
(5) (المرجع السابق)
(6) طلبة تدبير الادارة المحلية
(7) إنتاج المجال: من التعمير الاجباري إلى التعمير التوافقي " جودة المجال جودة الحياة عادل جعفر
(8) بوزيان بوشنفاتي، في التحضر والثقافة الحضرية بالمغرب: دراسة في البناء الاجتماعي لمدن الصفيح، الطبعة الأولى 1988. منشورات الحوار الأكاديميوالجامعي.

(9) إنتاج المجال: من التعمير الاجباري إلى التعمير التوافقي " جودة المجال جودة الحياة عادل جعفر
(10) (المرجع السابق)
(11) عبد المالك ورد، الفاعل المحلي، وسياسة المدينة بالمغرب، الطبعة الأولى،2006،
(12) الميثاق الوطني لإعداد التراب الوطني،2002
(13) إنتاج المجال: من التعمير الاجباري إلى التعمير التوافقي " جودة المجال جودة الحياة عادل جعفر
(14)تقرير الخمسينية، المغرب الممكن، من أجل طموح مشترك، الطبعة الأولى، 2005.






الابستمولوجيا النسوية ونقدها للعلوم

الابستمولوجيا النسوية ونقدها للعلوم
عرض مشترك للطلبة:
عبدالعالي الصغيري
سعيد عقاوي
عبدالرحمن السيد
فدوة لكحشة
تحت اشراف: ذ.نور الدين هرامي
مجزوءة نصوص وقضايا مختارة
السداسي الخامس 2012


تقديم :
في مطلع ثمانينيات القرن العشرين ظهرت الإبستومولوجيا وفلسفة العلم النسوية في الفكر الغربي،وسارت قدما على مدار العقدين الأخيرين منه،حتى اقبل القرن الواحد والعشرون وقد باتت من ملامح المشهد الفكري،كتيار ذي معالم مميزة،يمثل إضافة حقيقية إلى ميدان فلسفة العلوم ونظريات المعرفة العلمية (الإبستمولوجيا)،والمنهج العلمي (الميثودولوجيا) .
لقد كان العلم الحديث – أكثر من سواه – تجسيداً للقيم الذكورية ، أحادي الجانب باقتصاره عليها واستبعاده لكل ما هو أنثوي . فانطلق بروح الهيمنة والسيطرة على الطبيعة وتسخيرها واستغلالها مما تمخض عن الكارثة البيئية ، واستغلال قوى العلم المعرفية والتكنولوجية في قهر الثقافات والشعوب الأخرى ، وجاءت العولمة لتنذر بعالم يفقد تعدديته وثراءه وخصوبته..وتأتي فلسفة العلم النسوية لترفض التفسير الذكوري الوحيد المطروح للعلم بنواتجه السلبية ، وتحاول إبراز وتفعيل جوانب ومجالات وقيم مختلفة خاصة بالأنثى ، جرى تهميشها وإنكارها والحط من شأنها بحكم السيطرة الذكورية.
        إن الإبستمولوجيا التي تقطع علاقتها بالميتافيزيقا وبالقيم لكي تكون علمية  ، تريد الكشف عن الشكل العادل لوجودنا في العالم وترى العلم علما بقدر ما هو محمل بالقيم والأهداف الاجتماعية،ولابد أن يكون ديموقراطيا يقبل التعددية الثقافية والاعتراف بالآخر. هكذا تحاول الفلسفة النسوية أن تضيف إلى العلم قيما أنكرها،فتجعله أكثر إبداعية وإنتاجا،مستجيباً بذلك  لمتطلبات واقعه الثقافي ودوره الحضاري،وتجعل فلسفة العلم ذاتها تطبيقية مرتبطة بالواقع الحي النابض ، بحيث يمكن القول إن فلسفات العلم التقليدية المنحصرة في منطقه ومنهجه جميعها تبلور إيجابيات العلم وتستفيد منها،تأخذ من العلم،أما الفلسفة النسوية فهي تحاول أن تضيف إلى العلم ما ينقصه ويجعله أفضل.



-1-  ذكورية العلم و معالم انبثاق الابستمولوجية النسوية .

أ – ذكورية العلم :
يمكن القول بخصوص هذا الموضوع " الابستمولوجية النسوية " انه فريد في موضوعه و أسلوبه وكذا في أهدافه إذ يناقش في أهمية العلم و أبعاده المنهجية ، فالعلم يمكن اعتباره مؤسسة اجتماعية أو طريقة لاكتساب المعرفة ، اكتسى توجهات معينة في استشرافه للأمور ، و انعكس الوعي الذكوري في هذه المؤسسة ، لان الغالبية العظمى من العقول المسؤولة عن تشييد العلم كانت ذكورا . أكثر من ذلك قامت باستبعاد الأنثوية حيث أصبح العلم أداة لحرمان المرأة من حقوقها ، مثلا : كانت "الكرانيولوجيا" أي علم قياس حجم الجمجمة و المخ ، مبحثا علميا هاما من خلال القرن التاسع عشر حيث أجريت الكثير من الأبحاث على القدرات الذهنية و المخ ، و بالتالي صاروا يقيسون أحجام الأدمغة ، أو بالأحرى أحجام الجماجم ، ولما كانت جماجم النساء في المعدل العام اصغر من جماجم الرجال ، استنتج علماء الكرانيولويا أن النساء أدنى في الذكاء من الرجال ، و بالتالي اقل قدرة على التفكير ، حيث ذهب العلماء يخبرون المرأة أن المناشط العقلية عبء ، الآن لا يزال التحيز ضد قدرة النساء على التفكير مائلا في مجالات من قبيل البيولوجيا الاجتماعية.
أجرى " ايان ميتروف " مقابلات شخصية مع 40 عالما بارزا درسوا صخور القمر و لاحظ أن العلم لا يزال أحادي الجانب حتى يومنا هذا ، حيث هيمنت الذكورية على روح برنامج غزو القمر إلى درجة علق عليها " ميتروف " قائلا : "ليس الجنس البشري ، بل الرجل بجسده و روحه و نفسه هو الذي اصطحبنا إلى القمر ، حط على سطحه ، و هو الذي يحلل خامات القمر إذ ليس للمبدأ الأنثوي أي حضور في كل هذا .
و على الرغم أن العلم يسوده انحياز ذكوري ، ومما زاد الطين بلة ، يكشف الباحثون و الأنظمة داخل القيم عن العديد من الخصائص المميزة ، تسير في مجال متصل الذكورية و الانوثية ، حيث ينظرون إلى العلوم الموضوعية "الصلبة" كالفيزياء و الكيمياء على أنها تفوق في ذكوريتها دراسة علم النفس الأكثر " ليونة" و الأكثر ذاتية ، حيث يجادلون في أن علم النفس ليس علما حقيقيا ، و هذا ما يؤدي بهولاء الباحثين في ذلك الميدان كما تقول " شيفرد" إلى أن يتسموا هم الآخرون بد من المركزية الذكورية في مقاربتهم حيث صاروا يصبون اهتمامهم على السلوك القابل للملاحظة و التكميم من قبيل دراسة الحلم و الإبداع.
من هنا انبثقت جوانب من مبدأ الأنثوية في عدة فروع من العلم ، في صورة طرق مستجدة لرؤية العلم كتلك التي يعبر عنها الفيزيائيون الجدد في ذكورية الفيزياء ، لكن من جانب آخر و بالمثل كذلك في صورة التمثيل الأكبر للنساء في العلم ، و ما دامت النساء بشكل عام الأكثر وعيا بالأنوثة من الرجال، فان مشاركتهن في المشروع العلمي يمكن ا تسهم في تغيرات تصل إلى أعمق مستوى .

ب – معالم انبثاق الابستمولوجية النسوية و مرتكزاتها :
يجب أن نضع في اعتبارنا أن ظهور الإبستمولوجيا وفسلفة العلم النسوية، كان بمثابة التطور الملحوظ للفلسفة النسوية عموما التي ظهرت في العقود الأخيرة،والتي تقوم بشكل أساسي من أجل رفض المركزية الذكورية،ورفض مطابقة الخبرة الإنسانية بالخبرة الذكورية،واعتبار الرجل الصانع الوحيد للعقل والعلم والفلسفة والتاريخ والحضارة جميعا ، وقد أتت  لإبراز الجانب الآخر للوجود البشري وللتجربة الإنسانية الذي طال قمعه وكبته .
وفي هذا الإطار تعمل الفلسفة النسوية بسائر فروعها على خلخلة التصنيفات القاطعة للبشر إلى ذكورية وأنثوية  ، بما تنطوي عليه من بنية تراتبية هرمية (هيراركية) سادت لتعني وجود الأعلى والأدنى,المركز والأطراف,السيد والخاضع ، وتعمل كذلك  على فضح كل هياكل الهيمنة وأشكال الظلم والقهر والقمع,وتفكيك النماذج والممارسات الاستبدادية,وإعادة الاعتبار الآخر المهمش والمقهور,والعمل على صياغة الهوية وجوهرية الاختلاف,والبحث عن عملية من التطور والارتقاء المتناغم الذي يلقب ما هو مألوف ويؤدي إلى الأكثر توازناً وعدلاً.
و لئن كان ظهور الفلسفة النسوية إنجازاً لافتا للحركة النسوية فإن امتدادها إلى مجال الإبستمولوجيا وفلسفة العلم شكل  ضربة إستراتيجية حقا،أحرزت أكثر من سواها أهدافا للحركة وللفكر النسوي،وجعلت الفسلفة استجابة واعية أكثر عمقا للموقف الحضاري الراهن.
فمن مرتكزات هذه الابستمولوجية أنها ترى وجه العلم جافا ، و هو يبدوا كذلك بسبب سيادة الثقافة الذكورية بطول الحضارة الغربية و عرضها ، و التي ربطت العقل بالرجل و العاطفة بالمرأة ، و لعلم هو نجيب العقل الأثير و فارس الحلب المعرفية الآن ، فقد صبغت السلطة الذكورية بقيمها و سيماتها و ملامحها ، و استبعدت عنه الأنوثة و اعتبرته ضد العلم و عملت على حجبها ليبدوا الرجل هو الفاعل الوحيد للعلم مفاهيميا و منهجا و لغة ،
إن الهدف من هذه الابستمولوجية هو إظهار الجانب الحي المحجوب أو المخفي المطمور من العلمي عن طريق البحث في عناصر الانوثية في واقع الممارسة العلمية و في البحوث و الكشوف العلمية ، زيادة على ذلك بدأ الرواد في هذا الجانب يظهرون بأعمالهم ، و أبرزها المثال الذي نشرته " لورين كود " في مجلة  " ما وراء الفلسفة العدد 12 يوليوز 1981" و طرحت فيه سؤال تقول فيه – هل جنس العارف مهم بالنسبة للابستمولوجيا؟- ثم فجرت طرحها بكتاب الفيلسوفة  "جنفيف لويد "  برز باحثون و باحثات طوروا نقدهم لمركزية العلم الذكورية .



-       2 – نقد الابستمولوجيا النسوية للعلوم .

أ – النقد الموجه للنظريات الفلسفية التقليدية : 
     لقد ركز النقد النسوي على قيام الفكر الفلسفي على تعارض ثنائي يعطى فيه التفوق لما يعتبر ذكوريا ، حسب هذا التحليل ، ، فالذكر هو الذات الإنسانية بينما الأنثى هي الموضوع، الذكر هو العقل والأنثى الجسد، الأنثى مثل الأشياء الطبيعية، لا تصح أن تكون ذاتا تتسم بالأخلاقية، هي موجودة للتحكم فيها من قبل الإنسانالرجل-ومهيأة لتحقيق وظائف معينة .
إننا نجد أن الفكر الغربي قام على رفض اعتبار المرأة كائنا عقلانيا كاملا، هذا الرفض امتد منذ أرسطو عبر فلسفة القرون الوسطى وضمن في افتراضات الفلسفة الكلاسيكية الليبرالية ابتداء من ديكارت وفكرة الذات المنعزلة المفردة المنفصلة عن الموضوع الذي تعرفه . فالعلم هو نشاط ذكوري بشكل حصري وهو موجود ليمكن الرجال من السيطرة على الطبيعة والنساء اللاتي يرتبطن بها من خلال سماتهن الأنثوية.
وتبين "لويس إريغاري "أن أساس نظرية المعرفة التي توجد جذورها عند أفلاطون يقوم على مركزية ذكورية حيث العقل الذكوري هو القادر على معرفة الحقيقة، وهي ترى أنه حين ربط بين المعرفة وبين الضوء الذي يوجد خارج الكهف قصد بأن يرمز الضوء إلى المعرفة التي يتوق الذكر إليها، وأن يرمز الكهف إلى رحم الأم التي يرتبط بها كل ما هو أرضي ومظلم وغير معرفي. وتعتقد إريغاري أنه لهذا السبب رسخت الصلة بين المعرفة والضوء في الفكر الغربي، فالمعرفة المؤكدة ترتبط بالضوء ، والرؤية ترمز إلى عقل الذكر بينما الجهل والظلمة يرتبطان بالمرأة. وبشكل عام فقد قام هذا الفكر على كراهية النساء واحتقارهن، الحط من قيمة النساء واعتبارهن مواطنات من الدرجة الثانية، واعتبار السمات الأنثوية أقل شأنا من سمات الذكور، والنشاطات التي تمارسها الإناث أقل أهمية من تلك التي يمارسها الذكور.

 النسويات انتقدن هذه القسمة الثنائية، كما كان هناك عدد من المفكرات اللاتي دعون إلى رفض هذه الفلسفة برمتها ووصفنها بأنها فلسفة ذكورية بمضمونها وشكلها ومفاهيمها واهتماماتها وسيادتها. واتهمن الفلاسفة التقليديين بأنهم صاغوا نظرياتهم وتعاليمهم ومعاييرهم المتعلقة بالنساء انطلاقا من خبراتهم الذاتية الذكورية. وتعتبر المفكرة "جين فلاكس " أن جميع النظريات الفلسفية التقليدية تتضمن ما يرمز إلى الخوف منة العودة إلى مرحلة الارتباط بالأم وفقدان الاستقلال . وهي تؤكد أن سمات نفسية ذكورية، ناتجة عن كون الأم هي المسؤولة عن تنشئة الطفل، تركت علامات على الفلسفة، فكثير من الفلاسفة يمكن ملاحظة عمل لا شعورهم الفلسفي عند تحليل أعمالهم. هؤلاء المنظرون كما ترى فلاكس يرفضون كل سمة تفاعلية واجتماعية في التطور البشري، ويركزون على الفردانية العزلة والاستقلال، ومن هنا حديثهم عن الانفصال الجذري بين العارف والموضوع الذي يعرفه، والتعارض ما بين الجسد والروح، والعقل والعواطف، ومن هذه النظريات تنبع أفكار السيادة، والهيمنة والتحكم في الجسم والعاطفة، والخوف من المرأة، ولذلك تحط من قيمة النساء ومن كل الأشياء التي ترتبط بها، كالجنس والطبيعة والجسم.
ومع أن الانتقادات السابقة تنطبق بشكل أساسي على الفكر الحداثي الليبرالي، إلا أن القسمة الثنائية التي تقوم على هرمية تؤكد تفوق الذكوري بقيت موجودة أيضا في النظريات الماركسية في تعاملها مع النساء، حيث تبين " جاغار"  أن عدم تعامل الماركسية مع المسؤوليات التي تقع على عاتق المرأة، كالعمل المنزلي، والإنجاب ورعاية الأطفال وتنشئتهم على أنها إنتاج وليست مجرد إعادة إنتاج يقوم على غبن وظلم يقعان على النساء، لأنه يشير إلى أن أعمالهن لا ترقى إلى مستوى العمل المنتج، ويعمل كما عمل الفكر الليبرالي على الحط من قيمة أعمال تعد هامة وضرورية لتطوير المجتمع وكذلك الحط من قيمة المرأة نفسها بعدم اعتبار أعمالها جزءا من المساهمة في تطوير المجتمع.

ب – موقع الذات العارفة و الموضوع عند الابستمولوجية النسوية :
إن الابستمولوجيا النسوية في نقدها للابستمولوجيا الذكورية التقليدية ، اعتمدت البحث في شروط المعرفة العلمية و مصادرها و معاييرها و مناهجها ن و موقف العارف في العملية المعرفية ، وكذا تأثير الجنوسة أو دورها في عملية المعرفة .
تتميز الابستمولوجية النسوية بتركيزها على مقولة الذاتية ، إذ نجد الباحثتين  " ماري و لستونكرفت " قد أشارتا إلى أن الذاتية تبقى ذريعة الرجل لحجب المرأة من الحياة العامة و السياسية ، و استفادت الابستمولوجية النسوية من تحولات ما بعد الحداثة من إعادة النظر في الذات العارفة من حيث أن لها الدور المحوري في عملية المعرفة ، كما أن تفكيك الدور الحقيقي للذاتية – الذكوريا طبعا – الكامنة في فصل ديكارت للوعي العقلاني عن الجسد ، ليرتبط الأول بالذكر و الثاني بالأنثى .
لقد ميزت النسوية بين الذات كمفهوم انتولوجي و بينها كمفهوم ابستمولوجي ، خصوصا في الابستمولوجيا التجريبية حيث طورها البعض كأمثال " هيوم " في دورها الابستمولوجي ، لكنه تجاهل تماما دلالتها الانتولوجية التي تعنى بها النسوية الجديدة كثيرا ، في هذا السياق تأكيد للتمايز بين الذات المذكرة و الذات المونثة ، و بهذا تنتتهي النسوية إلى أن الموقف المعرفي لذات الأنثى ليس تماما الموقف المعرفي لذات الذكر .
من هنا كان احد المعالم البارزة للفلسفة ، ميلاد الابستمولوجية النسوية ، ففي مقال نشرته الباحثة " كود code  " في مجلة " ما وراء الفلسفة " نجدها تطرح السؤال التالي ، هل جنس العارف مهم من الناحية الابستمولوجية؟ فالإجابة التقليدية هي النفي و القطع لكن " كود " تتقدم بإجابة نسوية مختلفة تماما ، إذ أكدت على أن العارف مسؤول عما يعرفه و أهم ما تختلف فيه الخبرة المعرفية للمرأة هو وبمعرفة بالأخلاق أو المسؤولية العلمية ، فالمعرفة طريق لاتخاذ القرار ، ماذا سنفعل ؟ و بالتالي بحثت في الأبعاد الأخلاقية للموقف الابستمولوجي و المسؤولية الابستمولوجي ، فالعملية المعرفية من المنظور النسوي تؤدي إلى الحرية و المسؤولية و الفضائل المتصلة بالإخلاص و التواضع و الشجاعة ، أما الأفكار النمطية عن الرجل و المرأة ، تعوق هذه العملية الايجابية لأنها تصب المرأة في قالب ينكر عليها المسؤولية الفعالة ، وهكذا إذن ستعتني الميثودولوجيا النسوية بالقيم و أخلاقيات العلم.

ج – النسوية و لغة العلم :
اعتبرت الابستمولوجية النسوية على أن لغة العلم اتخذت صبغة ذكورية ، و اتخذت لخدمة أغراض المركزية الذكورية ، إذ تم إقصاء النساء عن الانتاج اللغوي ، مما جعلهن عاجزات عن إنتاج معاني و مدلولات أنثوية ضمن الخطاب اللغوي.
فمثلا نجد في اللغة الفرنسية أن كلمة « homme » أو في الانجليزية كلمة « men » تعنيان الإنسان و الرجل ، وتتساءل لباحثة و المنظرة النسوية " ديل سبيندر 1980" و تقول أليس في ذلك تحيزا يوميا للرجل في اللغة الاجتماعية ؟
        لقد كانت اللغويات أو علم اللغة من ابرز المجالات التي شهدت مدا لافتا للابستومولوجيا النشوية ، انطلاقا من مسلمة معاصرة تقول : " أن اللغة ليست مجرد ليست مجرد وسيط شفاف يحمل المعنى ، بل هي مؤسسة اجتماعية محملة بأهداف و معايير و قيم المجتمع المعني ، و بالتالي نستشف من خلال هذا أن اللغة قامت بدورها بتجسيد الذكورية المهيمنة ، لذلك ينبغي كشف هذه الهيمنة و التحرر منها.
و إذا ما عدنا للغة الانجليزية نجد أن " جون بول " يبين و يوضح هذه الهيمنة ، فيعتبر أن كلمة « womman «  تعني فيما تعنيه " الخادمة ، الخليلة و المومس ..." ومن ناحية أخرى تستخدم الانجليزية للمرأة كلمات أخرى مثل « bebe » إي الطفل الرضيع ، «  weaker vessel  " أي الوعاء الضعيف ، « doll » أي الدمية . ومن استخدامات اللغة الانجليزية نجد استعمالها كلمة  « fury «  للمرأة الحقود ومعناها الأصلي ، الضراوة و الغضب الشديد و العنف البالغ ، كما نجد كذلك أن كلمة  « pussy » التي كثيرا ما يستعملونها في الانجليزية للفرج ، بل إنها تطلق كذلك على نوع النساء كله بالمعنى الجنسي ، و على المرأة بوصفها طرفا في الجماع ، ثم على الجماع ذاته.
        في المقابل فكلمة « bull » (الثور ، الفحل ) بمعنى قوي ، ضخم ...، و بالمثل كلمة « dog » بمعنى رجل أو إنسان كما في قولهم « you lucky dog » مثلما تعنيه لفظة « bell cow » إذ تعني قائد أو مرشد، كلها لدلالة على الصفات الطيبة المرتبطة بجنس الرجل.
ونجد كذلك أن اللغة الاورو-امريكية ، تخترق بأمثلة عن لغة جنسية طبيعية ، فتوصف النساء تكرارا بألفاظ حيوانية ازدرائية مثل : قطة ، كلبة ، أفعى ، دجاجة ( تنق النساء كالدجاجات) و يسيطرون على أزواجهم. وعلى نحو مشابه ، فان اللغة التي تؤنث الطبيعة في الثقافة البطريكية ، حيث ترى النساء تابعات و في مرتبة أدنى ، وتقوي و تجيز الهيمنة على الطبيعة ، فالطبيعة الأم ( وليست الطبيعة الأب) تغتصب و تخضع و تضبط و تخترق أسرارها ( و ليست أسراره ) ، وتحرث الأرض التربة ( وليست الفحلة) ، كما أن الأرض التي تفلح و تترك موسما من دون زراعة هي ارض لا نفع لها أو عاقر ، مثل امرأة لا تستطيع الحمل بطفل.

د – فلسفة العلم النسوية و فلسفة البيئة :
إذا ما عدنا إلى العلم بقيمه الذكورية التي مثلت أساسه الإيديولوجي ، وتمثلت في النظر إلى الطبيعة كآخر و غزوها و السيطرة عليها و استنزاف مواردها، مما أدى إلى كوارث بيئية ، معنى ذلك باختصار قهر المركزية الذكورية على البيئة ، هكذا تأتي القيم الأنثوية لتحدث توازنا في المشروع العلمي لأنها تقوم على عمق الارتباط بالأخر و انبثاق الحياة من المرأة و التعهد و التعهد بها و رعايتها و تنميتها... يؤذن بطرح في مصلحة البيئة ، وهذا ما يؤكده التاريخ المهدر لمصلحة الرجل فقد اكتشف الرجل ، القنص و الحرب ،بينما اكتشفت المرأة الزراعة و الرعي ، اخترع الرجل الفأس ، السكين ،الخنجر ، السهم و الرمح ، بينما المرأة اخترعت القدور ، الأواني ، الأطباق ، الأقداح و الموقد ، صنع الرجل العجلة ، بينما صنعت المرأة الفراش و الستائر. هكذا تبرز النسوية أن مشكلة البيئة تكمن في خصوصيتها ، فقد ظهر في سنة 1974 ما اصطلح عليه "النسوية أو الموت" و صيغ مصطلح النسوبة البيئية ليعبر عن العلاقة الحميمية بين طرفي الأنثى و الطبيعة آو بالعبارة " إن الطبيعة أنثى و الأنثى طبيعة " ففلسفة العلم النسوية عملت هنا على تقويض الذكورية التي جسدها "بيكون" و اجتثاث فلول الميكانيكية و قهر الثنائيات و منها ثنائية الإنسان و الطبيعة.
النسويات أوضحن أن العلم الغربي و التطور الرأسمالي باعتبار الأول يستغل الطبيعة و يحيلها إلى طرف سلبي و الثاني أي الرأسمالية تستغل المرأة ، هذا إلى جانب ثورة العلوم التكنولوجية ، كلها قضت على العديد من المجتمعات الأموية أو الاميسية ،خصوصا في بلدان العلم الثالث ، وذلك بفعل المد الاستعماري (العسكري أو الثقافي ) هكذا إذن حاولت فلسفة العلم النسوية الدفاع عن انتولوجية نسوية في مقابل انتولوجية ذكورية ، و اقتلاع مركزية العقل الذكوري ، مما من شأنه تحقيق حرية الشعوب و الحفاظ على البيئة .

هـ - بعض ملامح الجانب الأنثوي في بناء المعرفة :
        في هذا الإطار نجد النسوية الراديكالية قد افترضت أن النساء يعرفن الكثير من الأمور التي يجهلها الرجال ، لان لديهن القدرة على الحدس ، و هي قدرة تتطور بشكل جيد و تساعدهن على المعرفة ، و ادعين أن الحدس يساعد النساء على تملك زيادة في المعرفة المباشرة غير الاستدلالية التي تمكنهن من إدراك مشاعر الآخرين و دوافعهم و أحاسيسهم ، هذا إلى جانب قدرات أخرى تعتبر مصدرا هاما للمعرفة ، هي القوة الروحية و الإحساس الغامض الذي يساعد النساء على الاتصال مع الآخرين  و مع العالم كله.
        من ناحية أخرى نجد عالم النفس الشهير"بيونغ" قد قسم بين عقليتين ، إحداهما ذكرية و دعاها بالروح الذكرية ، و الثانية أنثوية و دعاها بالروح الأنثوية ، الأمر الذي جعل الباحثين لاحقا يربطون ذلك بالجانب البيولوجي ، حيث اعتبر أن النصف الأيسر من الدماغ هو المسؤول عن الجانب المنطقي و قد ربط بالروح الذكرية ، و النصف الأيمن من الدماغ هو المسؤول عن الجانب الأنثوي .
وقد بلغ الأمر بالإبستمولوجي الفرنسي غاستون باشلار إلى الذهاب نحو اعتبار أن الجانب الأنثوي مسؤول عن الجانب الحُلُميّ الجميل فينا،حيث يحاول غاستون (باشلار)جاهداً أن يؤكّد لنا صلة حُلم اليقظة بالروح المؤنثة كي يكون الخيال الشعريّ خلاّقاً وعميقاً وجميلاً وخالياً من هموم الحياة، بل تحقيقاً أمثل للسعادة، بينما نراه يؤكد على ذكورة الأحلام والمنامات، (وهما مفردتان مذكرتان في اللغة الفرنسية).وهو مرجع حلم اليقظة الإبداعي وهو ـ عنده ـ «ظاهرة روحانيّة طبيعية جداً ومفيدة جداً للتوازن النفسيّ، ويجب أن لا نعامله على أنه انحراف للحلم، وأن لا يُوضع من غير مناقشة في مصاف الظواهر الحلميّة حيث أن تدخّل الوعي في حلم اليقظة يحمل علامة حاسمة  ويحدّد  باشلار حلم اليقظة على أنه تقوية ذاكرة الخيال، هذه الذاكرة المستقرّة على شكل نمط أصلي أو عريق  مستقرٍ وثابتٍ تحت ذاكرة، وعندما نستطيع أن نوقظ نمط الطفولة الأصلي، تستأنف جميع الأنماط الأصلية العريقة والكبيرة انتعاشها، لتقوم القوى الأبوية والأمومية بعملهما، فيفلت منهما الزمن ويعيش كلاهما، فينا، في زمن آخر فهنالك سلخٌ للزمن     DÉTEMPORALISATION)) في حلم اليقظة. وهنا يمكننا معرفة حالاتٍ تكون أنطولوجياً تحت الكينونة أو الوجود (ÊTRE) وفوق العدم  (NÈANT ). وفي هذه الحالات يخف تناقض الوجود واللاوجود ويحاول الوجود الأقل أن يكون … وجوداً »[12]، وهنا يحرّرنا حلم اليقظة في ماهيته الخاصة من وظيفة الواقعيّ؛ «فما إن نتأمله في بساطته حتى نرى تماماً أنه شاهدٌ على وظيفة الواقعيّ وهي وظيفة مُفيدة تحفظ النفس الإنسانيّة على هامش جميع فظاظات اللاأنا العدوانية.
فعندما يكون حلم اليقظة عميقاً حقاً، فإن الكائن الذي يأتي ليحلم فينا هو روحنا المؤنّثة ، رغم أنه  ـ لتوِّه ـ قد أكد لنا أننا نحن الذين نحلم في حلم اليقظة. وهكذا فإن أول تعيّن لروحنا المؤنّثة هي أنها قرينُنُا الذي هو منّا، ولا انفصال له عنّا. لكن حلم اليقظة  يحتاج لكي يبرز كروح مؤنّثة  أن يترافق بالتوحد (SOLITUDE) وفق معادلة نستقيها كما تُستقى المعادلات الكيمائية ونقترح استخراج مثل هذه المعادلات في تفكيك ما جاء مكثفاً فيما سبق،لتكوُّن روحٍ.
على النحو التالي:
روح مؤّنثةتوحّد  ¬ حلم  يقظة  شاعريّ
ولكن هذا سيكون شرطاً لحلم يقظة شاعريّ، إلا أن الشرط الأهم حلم يقظة مثالي هو توافر الروحين معاً. ففي حلم اليقظة المتوحد نعرف أنفسنا ( في المذكّر والمؤنث معاً ) ويقوم حلم اليقظة ( هنا بالذات) بجعلِ مادته والحالم مثاليّين في وقت واحد.
3- نقد الابستمولوجية النسوية للعلم على مستوى المنهج (الميتودولوجيا النسوية ) :

        لقد هيمنت الميثودولوجيا الكلاسيكية على الساحة العلمية لقرون بصبغتها الذكورية ، لتكرس بذلك إقصاء النسوية من المساهمة في البناء العلمي ، باعتبارهن ذاتيات .
وقد تم ترسي هذه الهيمنة من خلال مفهوم علمي ، ألا وهو " الموضوعية " و الذي يقوم على أساس عملي مفاده فصل موضوع المعرفة عن الذات العارفة ، باعتبار أن هذه الأخيرة ،مستقبل للمعرفة و ليست مصدرا لها ، فالباحث يكتفي بتوظيف عنصريين أساسيين في عملية بناء المعرفة ، نجد العقل من جهة ، يفكر و يصوغ نظريات آو فرضيات ، ومن جهة ثانية الحواس ، وخص بالذكر هنا عملية الملاحظة للوصول في نهاية المطاف إلى بناء حقائق علمية مطلقة.
من خلال هذا الإقصاء ، ستحاول الميثودولوجية النسوية إعادة النظر في مفهوم الموضوعية من داخل سيرورة البناء العلمي للمعرفة ، عن طريق إقحام الذات العارفة في هذه السيرورة العلمية ، باعتبارها آلية من آليات البناء المعرفي.
و في هذا السياق أطرت " ليندا جين شيفرد " الذات العارفة في مقولة دقيقة جدا حيث تقول "ويغدوا كل من التفكير و الشعور ، الموضوع و الذات حليفين في عملية تعقب المعرفة". بمعنى آخر لا يمكن فصل موضوع المعرفة عن الذات العارفة ، و في نفس السياق ، تضيف النسوية ، على أن الباحث ليس آلة جامدة ، بل انه يقتحم مختبره محمل بقيم و أخلاق مجتمعه ، فهو ينفعل و يحس ، و ينتج ردود أفعال ، و يبني علاقات ، و يعكس تجارب...، كل هذه العناصر من شأنها أن تؤسس لموضوعية جديدة ، موضوعية يتداخل فيها الذاتي و الموضوعي ، لتنتج لها حقائق ليست بالمطلقة، بل نسبية ، لكون أن البناء المعرفي يؤطر من داخل سياق معين ، مما يؤدي إلى إنتاج منظور معين .
        إن الذات العارفة هنا لا يمكن تجاوزها بسهولة ، و بالتالي تلغى الموضوعية ، كما تبنتها الميثودولجيا الكلاسيكية. على هذا الأساس ،تكون الميثودولوجيا النسوية ، قد ساهمت في نشوء علم جديد ، علم خالي من التحيزات ، بمعنى بناء علم متحرر من الهيمنة الذكورية ، ليس بدافع إلغاء هذا الأخير ، لكن الاعتراف بالطرفين من داخل الساحة العلمية.



4 – النقد الموجه للابستمولوجية النسوية :
       
" الابستمولوجية سيدة العلم ، تزوج بها علم الاجتماع ، و مارس عليها الهيمنة التجريبية ، فأصبحت خاضعة له ، و لكن علينا سسلجة السوسيولوجية ، وذلك بإحداث سوسيولوجية تدرس السوسيولوجية عن طريق إعادة النظر في مجموعة من النظريات الكلاسيكية ، بناء علم اجتماع جديد اقرب إلى الميدان آو بالأحرى مستمد من الواقع " (1).
       
        انه و كما هو معلوم أن الابستمولوجية النسوية هي علم يحلل أسباب و آليات القهر الاجتماعي الذي تتعرض له المرأة ، وكذا و سيلة لخلق معرفة نظرية نسوية تعنى بكل شؤون المرأة و قضاياها (2) .
إن سعينا للانتقاد يفرض أن نبدأ ذلك بمسألة ما مدى مشروعية تناول الابستمولوجية النسوية للمعرفة ارتباطا بالجنس و الجنوسة ؟ ! ، وإننا سوف نعمل على تحليل السؤال في إطار المحاور التالية:

أ‌-              نقد الابستمولوجية النسوية على مستوى المنهج :
إن الابستمولوجية النسوية قد اعتمدت على ثلة من المفاهيم المفاتيح في إرساءها لدعائم المعرفة النسوية أو العلم الأنثوي ، منها : الذات ، الذات العارفة ...
أ-أ- مفهوم الذات :
إن أي معرفة حتى تستقيم و توصف بالعلم لا بد أن تبتعد عن التحيز و التعصب و الأفكار (المسبقة ) و الأهواء و النزاعات الذاتية التي يحملها عادة الأشخاص الذين يقومون بدراستها و تصنيفها و تحليلها " (3)، و أن الابستمولوجية النسوية قد ارتكزت على الذات الأنثوية بالأساس و جعلتها محور كل قضية ، و هكذا ساهمت في تحطيم مكانة الرجل و تهميشه على حساب "رد الاعتبار" للمرأة خاصة حينما قامت بتطوير مفهوم الذات انطولوجيا ، وذلك للتمييز بين الذات المذكرة و الذات المؤنثة ، من اجل تغيير الموقف المعرفي للأنثى و الحط من شأن الموقف المعرفي الذكوري ، الذي يسعى في نظرها إلى إقصاء المرأة و تهميشها ليس إلا.


(1)    – مقتطف من مقال زوال الموضوعية في الموضوعية ،للطالب عبد الرحيم السيد ،السداسي الخامس ، كلية الآداب و العلوم الإنسانية مكناس .
(2)    د. يمنى طريف الخولي "النسوية و فلسفة العلم" مقال من الانترنت.
(3)    د. إحسان محمد الحسن، المعرفة العلمية: دراسة موضوعية في علم الاجتماع العلم "منشورات مجلة الثقافة" العددان 2 و3، النسخة 11، شباط، آذار 1981 ص. 48 .
أ – ب – مفهوم الذات العارفة :
    من خصائص الابستمولوجية أنها تسعى إلى القطع مع كل العناصر القيمية أو الذاتية ، ذلك أنها تبحث عن الجذور الموضوعية للمعرفة ، بيد أن هذا لايتوفر في الابستمولوجية النسوية ، ذلك أنها منحت  الحق للذات العارفة ( الشخص الذي يعلم ) بالتموقع بين موضوع المعرفة و الطريقة التي يعرف بها ، بمعنى أن يخلط بين الموضوع و الذات ، و هذا يتنافى تماما مع أسس الموضوعية التي يعتبر فيها الاستقراء induction  و الاستنباط déduction  أهم آليتين تجعلان المعرفة موضوعية ، ذلك أن النتائج التي يصل إليها الإنسان عن طريق الاستنباط لا تصدق إلا إذا قامت على مقدمات صادقة و ثابتة و موضوعية".(3)
و هذا ما يغيب كليا في الابستمولوجية النسوية التي تقدس الذات العارفة و تمنحها مكانة أساسية ، فمثلا حينما طرحت "لورين كود " في مقالها سؤالا أساسي كان هو :هل جنس العارف مهم من الناحية الابستمولوجية؟ ، نسيت أن تقوم استقراء هذه لفكرة التي استنبطتها بشكل موضوعي ، و الدليل على انها لم تتساءل عن جدوائية الابستمولوجية بالنسبة للجنس الأنثوي ؟ ! بل أنها حاولت أن تمنح لجنس المرأة امتيازا عن جنس الرجل، و ذلك حينما ربطت معرفة المرأة بالأخلاق و كأن الرجل يجهل الأخلاق ؟ ! .
إذن ، لقد انزاحت الابستمولوجية النسوية عن الموضوعية و ارتبطت بالميتافيزيقيا ، و اعتبرت أن الموضوعية الغربية ما هي إلا زيف ووهم ، وحاولت أن تربط المعرفة بسياقها الاجتماعي و المنظور الإنساني.
ب‌-         نقد نظريات الابستمولوجية النسوية :
إن الابستمولوجية النسوية تنطلق من ثلاثة اتجاهات نظرية أساسية هي :
ب – أ- النسوية التجريبية :
        لقد حاولت النسوية من الناحية الابستمولوجية أن تطبق مناهج العلم و مبادئه ، إلا أنها كثيرا ما أدخلت مفاهيم و قضايا متعلقة بالمشاعر و الأحاسيس إلى مجالها ، حيث قزمت العلم بالروحانيات و الفن  و المشاعر و الحدس ، الذي يعتبر بمثابة طريق نحو المعرفة ، بالنسبة للابستمولوجية التجريبية ، فمثلا قسمت "فرانسيس فوجهان" في كتابها " إيقاظ الحدس" الحدس إلى أربع أقسام :

(3)    نفس المصدر، ص . 19

+ الحدس الفيزيقي و العقلي : كما  عند "البرت انشتاين و ريتشارد فينمان ".
+الحدس العاطفي و الروحي :هو لا علاقة له بالعلم ، إلا انه في نظر الابستمولوجية النسوية قد يقود في بعض الأحيان إلى حلول لمشاكل في العلم ، ولكنه في نظرنا يبقى مجرد محض صدفة (4).
ب – ب – النسوية و اختياراتها :
    انصبت أعمال "نانسي هارتسوك nancu hartsok  على كشف الاختيارات المهمة للابستمولوجية النسوية خاصة حول الادعاء القائل بان حياة النساء تختلف عن حياة الرجال و ذلك من الناحية البنيوية ، إلا أن هذا الإقرار بالاختلاف بين الرجل و المرأة ، يسقط الابستمولوجية النسوية في تناقض حينما تحاول أن تساوي بين المرأة و الرجل في الأدوار و المهام و المكانة العلمية .
ب-ج- النسوية ما بعد الحداثة :
يتجلى طرح النسوية ما بعد الحداثة ابستمولوجيا في اعمال "jean bethke elshtain  " حيث أعادت تأويل الحقل الفلسفي للفكرة التي تقول أن لنساء مخلوقات عمومية umpublic ، هنا تتضح مرة أخرى أزمة الابستمولوجية النسوية ، فهي تذبذب آراءها من باحث إلى أخر و من نظرية إلى أخرى ،ما يطرح سؤالا أساسيا هو ، هل نتحدث عن ابستمولوجية واحدة أم إننا نتحدث عن ابستمولوجيات نسوية؟ !.
إن هذه الفضفضة و الغموض الذي تكتسيه النسوية يدفعنا إلى رميها بالانتقادات التالية :
1-           أنها بداية لابستمولوجية و ليست ابستمولوجية كاملة و ناضجة .
2-           هي لا تشرح الواقع و لا تحلله بل تنطلق من نظرة ثورية.
3-           أنها غفلت أسس العلم الابستمولوجية الموضوعية و تغاضت عنها .
شبه خاتمة :
يبدوا أن الابستمولوجية سيدة العلوم – كما ذكر ذلك صديقي – لم تقوى أختها النسوية على أن تصير هي الأخرى سيدة ، لأنها لم تفلح في زواجها مع المناهج و مبادئ العلم الموضوعية ، ما جعلها تبقى ابستمولوجية عزباء حتى الآن .

(4)    ليندا جين شيفرد ، انثوية العلم /العلم من منظور الفلسفة النسوية ، سلسلة عالم المعرفة ، العدد 306 ، سنة 2004 ، ص . 253/255