الاثنين، 25 نوفمبر 2013

"سعة الصدر مقاربة سوسيوتربوية"

"سعة الصدر مقاربة سوسيوتربوية"
مكناس في:25/11/2013
عبدالعالي الصغيري
الساعة: 22:46
بينما نحن جلوس في "منزل 29" قادمين من أماكن متفرقة صوب هذا المكان الذي يختزن ذاكرة جماعية لأجيال مضت وأجيال تمضي هنا والآن، وأجيال تنتظر المفتاح لتركب قطار الجلسات التربوية، أطل علينا أسامة هذه المرة بدرس تربوي عنوانه "سعة الصدر" الذي جاء مما جاء فيه أن السعة هي الطاعة والقوة وهي الخلق الكريم المبني على الود والمحبة وهي العفو عند المقدرة، يجسدها في ذلك حسن الخلق وحسن التأويل والظن بالناس،الحلم والسلام مصداقا لقوله عزوجل "وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما".
وقد طرحنا في هذه الجلسة المباركة سؤالا اشكاليا ممكنا طبعا، مفاده ما الذي جعل الصدور اليوم ضيقة موصدة الأبواب، مبحرة في الإنغلاق والإنطواء، مهيئة للانفجار في أية لحظة؟ ما الذي جعل الناس اليوم سكارى وما هم بسكارى، خمرت عقولهم وطفحت على السطح غرائزهم. أيبدوا ذلك كما طرحنا للنقاش في التغير القيمي والثقافي وسوء الفهم الديني..أليس ممكنا القول أن العلاقات التعاقدية والعلاقات المبنية الجديدة تبدوا أكثر ميكانيكية وآلية...حيث أن أبسط احتكاك يشعل النيران..ما موقع ثقافة اليومي والحكم الشعبية التي كانت تدعوا إلى سعة الصدر من قبيل " وسع خاطرك"، "ماديرش فبالك" "أولاد اليوم هما هادو"..إلى غير ذلك من الأمثلة التي لازالت حاضرة متى استدعت الضرورة في سياقات ممكنة.

إذا "علاش الناس ما بقاتش كتقدر تتحمل" هذا هو السؤال الذي ينبغي الإجابة عليه، لماذا النفس والفؤاد والروح لم تعد هادئة متبصرة ومتعقلة، وتطبعها القابلية للانفجار دوما.أيمكن ربط ذلك بهموم الواقع ومشاكله، أم بسوء تنزيل واستثمار المقدس لتنيظم الحياة الروحية والمادية.

الثلاثاء، 12 نوفمبر 2013

المجتمع الفايسبوكي المركب

المجتمع الفايسبوكي المركب
عبدالعالي الصغيري
مكناس في 12 نونبر2013
الساعة: 19:03
تجسد اليوم شبكات التواصل الإجتماعي منطوق "العالم أصبح قرية صغيرة"، فيكفي أن تحرك الفأرة قليلا لتجد نفسك في عوالم ومجتمعات مختلفة، إنه الحضور في الغياب في مواطن وعوالم أخرى، دون عناء إثقال الكائن البيولوجي فينا كاملا لحزم الأمتعة واقتناء الحافلة أو الطائرة. يكفي فقط عينين محدقتان وأذنان وأصابع تترحك بكل رشاقة ربما هذا ما نحتاجه بيولوجيا، لنترك المجال لعالمنا الداخلي للسفر عبر الزمان والمكان. وبينما الإنسان يسبح في مجتمعات الفايسبوك يستوقفه بكل دهشة وحيرة المجتمع الفايسبوكي المغربي كيف لا وهو مجتمع مغرب الإستثناء.
إذا كان بول باسكون قد استعمل مفهوم المجتمع المركب للدلالة على الديناميكية الداخلية التي تميز المجتمع المغربي، والتي تفرز وتولد تناقضات بين مختلف المستويات التي يتشكل منها الواقع الاجتماعي، وتعطي لهذه المجتمعات طابع التركيب وغياب التوافق والانسجام بين مكوناته. فالأمر نفسه ينطبق على مجتمع الفايسبوك المغربي الذي يجسد هذا المفهوم في شتى ابعاده، ولعل هذا يتجلى في عدة استراتيجيات يتبعها الفاعل الفايسبوكي من قبيل استراتيجية إظهار وإخفاء الهوية، فتح حسابات متعددة الهويات، التغيير من لغة الخطاب حسب سياقات التفاعل... كل هذا يجعل من السؤال ما الذي يدفع الفاعل الفيسبوكي لاتخاذ استراتيجيات متعددة ومتناقضة سؤالا مشروعا قد يمكننا من فك شفرات الخلفيات السوسيو-ثقافية التي يمكن قراءتها في ثنايا شبكات التواصل الإجتماعي. فإلى أي حد يترجم الفيسبوك اليوم ما عبر عنه بول باسكون بالمجتمع المركب؟
إن ما يترجمه المجتمع الفايسبوكي المغربي من تناقضات وامتزاج يعكس في الحقيقة ما يحدث في الواقع الاجتماعي الذي يختزل الكثير من الثنائيات المتناقضة، التي تحركها طبعا ميكانيزمات التغير والتحول الذي يشهده المجتمع خاصة على مستوى العلاقات الاجتماعية. فمظاهر اخفاء الهوية والحرص على ثقافة الغموض وعدم الوضوح، ثم بيع الوهم والتعتيم عن حقيقة الوضع، ومخافة الظهور في المرآة..هي أمور تجد دلالاتها في المجمتع الفايسبوكي المغربي المركب، وكم تساعد التقنيات والبرامج الإلكترونية على حسن استعمال واستخدام هذه الاستراتيجيات كما تساعد بذلك في الواقع الاجتماعي آليات أخرى كاستعمال مفاهيم " ركيزة صحيحة"، "الكال"، "ما تعطيش راس الخيط"...وهلم من المفاهيم والرموز المستعملة.
اليوم في المجتمع الفايسبوكي المغربي الكثير من ينتحل صفة الأنثى والكثيرات من ينتحلن صفة الذكر ويوظفونها في اختبارات معينة، إنها "القوالب" بهذا المعنى، في عالم الفايسبوك المغربي الكثير من يخفي نفسه عن الأنظار حتى لا يراه أستاذه أو أبوه أو شخص غير مرغوب فيه...لكنه بالمقابل يفتح المجال لعشيقته أو لعشيقها أو لمن رأى فيه مصلحة شخصية وكثير هي العلاقات التي تحركها المصالح اليوم لا الأبعاد الإنسانية. اليوم في مجتمعنا الفايسبوكي المركب هناك من يبيع لك الوهم والعسل من "الكومنتيرات" و"الجيمات" و لكنه خلف ستار الستار يخطط ويفبرك للمآلات والمنتظرات التي يعرفها هو.
المجتمع الفايسبوكي المغربي يفرز من بين الثنائيات، ثنائية الصراع بين التقليد والتحديث، بين الحنين إلى الماضي وقوة الإرتباط به، وبين تحديات الانخراط في التحديث الذي يبدو أنه لم يصل بعد لدرجة الممكن في مجتمع كالمجتمع المغربي، لكن لا بد من طرح السؤال دائما عن معيار تصنيف التحديث والتقليد ومن المخول لوضع هذا التصنيف على الأقل في مستوى العلاقات الإجتماعية والتعاقدية.
لا غرابة إذن من القول أن ما يتجسد في العالم الإفتراضي هو صورة مصغرة وعميقة لما يحدث ويجري في الواقع المادي، الرمزي، والثقافي لدى المجتمع المغربي الذي لم يجد بعد لنفسه مقاسا يجسد كينونته، فلا هو مجتمع منخرط في التقليد من جهة ولا في التحديث من جهة ثانية ولا حتى بين البين، إنه مجتمع حربائي.




الجريمة وثقافة الانحراف في الوسط الحضري. حالة برج مولاي عمر مكناس

الجريمة وثقافة الانحراف في الوسط الحضري.
حالة برج مولاي عمر مكناس
عبدالعالي الصغيري
ماستر الجريمة والمجتمع
مكناس في:  01 نونبر2013
 الساعة: 12:20
يعتبر موضوع الثقافة الحضرية من بين المواضيع التي شكلت مدخلا رئيسيا لفهم وتفسير السلوكات الاجتماعية والثقافية الحضرية، وفق ما تمليه ظواهر الوعي الثقافية والتمثلات المبنية اجتماعيا وثقافيا، والتي يتم انتاجها في الوسط الحضري، هذا الأخير الذي يتمأسس تارة على التنظيم وتارة على اللاتنظيم والعشوائية بفعل التحول والتغير الذي يطرأ على مختلف البنيات والنظم المشكلة للحياة الحضرية.فماذا يمكن قوله عن الظاهرة الثقافية بمدن المغرب اليوم؟ وماهي علاقة الثقافات الحضرية بظاهرتي الجريمة والانحراف؟ وكيف يمكن تدبير ما هو ثقافي للحد من السلوكات الخارقة والمتمردة على القواعد والمعايير الإجتماعية؟.
لتوضيح هذه المسألة سنعرض في هذا السياق لمقاربة ميدانية أجريناها بمعية بعض من طلبة ماستر الجريمة والمجتمع ببرج مولاي عمر بمدينة مكناس حول ظواهر الوعي الثقافية وعلاقتها بالانحراف والجريمة، وذلك بطرح السؤال ما الذي أصبح متقاسما ثقافيا بين ساكنة البرج وما الهم الجماعي ثم كيف يتأسس ذلك؟  كل هذا في أفق الاجابة عن الإشكالية المطروحة: كيف أن إعادة البناء الاجتماعي للثقافة يساهم في خلق سلوكات تصنف رسميا ومعياريا بأنها منحرفة، لكن بالمقابل تجد لها تبريرات لدى مرتكبيها؟
لاشك أن المدخل الثقافي -وانطلاقا مما سبق- هو ما من شأنه التمكين لفهم كيف تبنى هذه التمثلات حسب ظواهر الوعي الثقافية التي تكشف عليها نتائج الدراسة، وهنا يمكن الحديث على أن دراسة الثقافة تطورت وأخذت الإهتمام الكافي على أيدي علماء الإجتماع والانتروبولوجيا، أفرزت النظرية الثقافية كمصطلح يحاول فهم وتصوير دينامية الثقافة، كذلك الجدل القائم حول العلاقة بين الثقافة و الطبيعة، بين الثقافة و المجتمع، أيضا الفارق بين الثقافة العليا و الثقافة الدنيا، كما ارتبطت النظرية الثقافية بمفاهيم و تصورات كمفهوم الإيديولوجيا و مفهوم الوعي، في هذا الصدد وفي إطار موضوع البحث يركز تومسون على الثقافة باعتبارها الطريقة التي من خلالها تتعامل الجماعات مع المادة الخام للوجود المادي و الإجتماعي[1]
لقد بينت نتائج الدراسة أن الوضعية الثقافية من داخل المجال المدروس ترتبط بظواهر أخرى كالفقر، البطالة، التهميش...، إن فقر ساكنة أحياء الصفيح تخلق ثقافة خاصة ذات عناصر مشتركة بين الفقراء أينما وُجدوا ، وهذه الثقافة تنتج نفسها بنفسها ، كما أن خصائصها يتوارثها جل الأجيال المتعاقبة على الحي، إن هذا يتجلى من خلال ما تمت ملاحظته من خلال أقوال المبحوثين حيث تقاسم لوعي ثقافي مشترك يلقي اللوم على الفاعلين المحلين والمسؤولين الذين همشوا مجالهم وجعلوه يعيش الفقر و البطالة، لذلك فهؤلاء يضعون تبريرات  للإتجار في المخدرات، وبعض جرائم السطو التي هي ردود أفعال عن وضعيات إجتماعية، يقول أحد المبحوثين" البرج يعيش الفقر، والتفكك الأسري حيث غياب الرقابة الأسرية للأبناء ، وأن مجال البرج للأقوياء و ليس الضعفاء، كذلك هناك عصابات تتصارع للاستحواذ على المجال بأبعاد اقتصادية، والبرج هو مصدر إزعاج وخطر للأمن ،كما أن الظروف هي المسبب في الإنحراف"، من خلال قول هذا المبحوث فالمخيال الثقافي يعتبر الفقر والحرمان هو مكمن الخلل والمسؤول عن الانحراف، وهذا يدفع بدوره إلى الصراع حول إمتلاك المجال الذي غالبا ما يكون للأقوياء وهذا أمر يجد شرعيته في الوعي الثقافي لساكنة البرج ويدافعون عنه كأمر مشروع يقول أحد المبحوثن " إلى بغيتي تكون برجاوي خاصك تكون شديد" أو كما عبرت عنه إحدى العبارات المكتوبة على أحد الجدران بعين الشبيك" عين الشبيك مدرسة سكانها أساتذة والداخل ليها تلميذ و البوجادي يتقردن" والأستاذية هنا تعبر عن إحتراف الإجرام وأن الداخل لهذا المجال ما هو إلا تلميذ يتعلم الحرفة، والبوجادي أي الضعيف (النية) يتم التحايل عليه ( يتقردن أو يخدموه).
رغم هذا كله وعند سؤال المبحوثن عن درجة رضاهم بمستوى عيشهم بالبرج فإنهم أو على الأقل أغلبهم يعبرون عن علاقة حميمة مع المجال، وأنه رغم كل ما يقال عن مجالهم فهم راضون تمام الرضى حيث يقول أحد المبحوثين" هنا ولدنا ودرسنا والحمد لله داخلين سوق راسنا ما عمر شي حد تعرض لينا، وأن الجريمة أو الاتجار في المخدرات هو أمر عادي لانتزاع الحقوق التي أكلها" صحاب الشكارة" وأن التعاطي للمخدرات يساعد على نسيان الهموم والمشاكل" هذا القول يبين أن الوعي الثقافي لدى الساكنة يضفي شرعية على بعض السلوكات و الممارسات التي تصل إلى حد تحدي السلطات الأمنية حيث لاحظنا تناول المخدرات بشكل علني في المقاهي والشارع العام أمام رجال الشرطة. وربما هذا يتقاسم مع الطرح الماركسي أو النظرية الصراعية التي تعتبر جرائم المضطهدين كردود أفعال ضد السياسات التي سنتهجها من يمتلكون السلطة.
إن مقاربة المجال ثقافيا أمر مهم لفهم الثقافة السائدة حول الجريمة فالبعد الثقافي لا يمكن قصره على جغرافيا المجال أو البنية التحتية بل يتعدى الأمر ذلك أنتروبولوجيا إلى دراسة الإنسان وعلاقته بالمجال تاريخيا، كذات، كجماعة، كفاعل اجتماعي وفاعل سوسيوثقافي دائم الحراك والفعل من أجل بناء وإعادة بناء شروط حياته ووجوده و ترسيخ أو خلخلة منظومة القيم و المعتقدات وكافة أنماط الحياة التي يؤثر ويتأثر بها و التي لا يمكن اعتبار الفصل بين خلفياتها السياسية والاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية سوى فصلا منهجيا من اجل الدراسة [2].
يتبين إذا مما سبق أن ميكانيزمات التحول والتغير الثقافي تتحكم فيها عدة عوامل مفسرة، مرتبطة بالأساس بالوضع السوسيو-اقتصادي، مرتبطة كذلك بمحددات مجالية مرتبطة بطرق التهيئة والتدبير الثقافي للمجال، كل هذا يحيلنا إلى التساءل عن  كيفية إنتاج المجال ببرج مولاي عمر بمكناس،انطلاقا من عدة متغيرات أفرزتها عوامل سوسيو-اجتماعية مهمة كالهجرة والنمو الديموغرافي...، التي أفضت إلى بروز مجالات تتسم بالتلقائية وتفتقر إلى مقومات التعمير المنظم من حيث الشكل والمضمون[3]. وهذا ما لاحظناه من خلال شكل البنايات الغير متسقة، والأسواق غير المهيكلة، ثم انتشار الأزبال فضلا عن غياب مناطق الترفيه و الترويح عن النفس كالملاعب والفضاءات الخضراء، كل هذا يؤكد هذه الهشاشة و الهامشية التي يعاني منها هذا المجال. ومن يتأمل بعمق في جغرافية المجال المدروس يكتشف أنه مرآة تعكس لنا واقعا محليا يمكن من خلاله التنبؤ بعدد من المؤشرات والتي تكشف لنا التفاوت الاجتماعي، والبطالة، وتدهور المساكن، واللامساواة التي يستدل منها على وضع القوى الاجتماعية والإدارية في المجتمع. فالتحليل المكاني للجريمة لا يمكن تحليله كواقع منفصل عن القوى الاجتماعية والسياسية التي تشكل جزءا من المحتوى المكاني لإستخدام الأرض[4].
خلاصة:
الجريمة والانحراف في الوسط الحضري هي مظاهر وظواهر لعدة اختلالات وازمات في التدبير الثقافي والمجالي،  واليوم برج مولاي عمر مظهر آخر من مظاهر أزمة المدينة بالمغرب التي تأسست وتطورت في سياق اجتماعي يعرف الوفرة في المشاكل خاصة أزمة السكن، حيث أنه في الأصل حي صفيحي تحول بين عشية وضحاها لكتل من الإسمنت تأسست على مقاربات ومبادئ تحقيق الربح ، التي تبنتها لوبيات يتعارض منطقها مع منطق التدبير الحضري ويتوافق مع منطق وقواعد الليبرالية التي تحقق الربح على حساب الأزمة، وكمنتوج عرف المجال ظهور مجموعة من التجمعات السكنية التي تحمل في أشكالها الخارجية جميع متغيرات التفاهة واللاثقافة من حيث الألوان والأشكال الهندسية التي تظهر كزوايا قائمة تعبر عن رغبة الصانع في الربح.
إننا اليوم في حاجة ماسة لاعادة النظر في مثل هذه السياسات التي لا زالت مستمرة في تدبير مدننا اليوم من أجل تدبير للشأن العام يقوم على الحكامة في شتى أبعادها، وخاصة الحكامة الثقافية التي يجب أن تقوم أولا على تدبير التعدد والاختلاف الثقافي، ثانيا: مأسسة الرصيد الثقافي في فضاء منظم، وأخيرا الاهتمام بالنخب التي تؤسس لمشاريع ثقافية.






[1] - أندروا إدجار وبيتر سيد جويك، موسوعة النظرية الثقافية " المفاعيم و المصطلحات الأساسية، ترجمة هناء الجوهري، مراجعة محمد الجوهري، المركز القومي للترجمة، الطبعة الأولى، 2009، ص 7-8.
[2] -عياد أبلال ، المجال و التحولات الإجتماعية، الحوار المتمدن، العدد 1657، 29/08/2006، 10:07، قراءة في عالم الكتب والمطبوعات: المحور .
[3] - عادل جعفر، إنتاج المجال: من التعمير الاجباري إلى التعمير التوافقي " جودة المجال جودة الحياة" مجلة الحوار المتمدن.
[4] - سيف الإسلام شوية، المقاربة السوسيو جغرافية لظاهرة الجريمة، العدد 12، مجلة العلوم الانسانية ، جامعة محمد خيضر بسكرة، ص:183.

ما نصيب الهوية و الثقافة من الربيع الديمقراطي؟:

ما نصيب الهوية و الثقافة من الربيع الديمقراطي؟:بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة و السلام على سيدنا و حبيبنا خاتم النبيئين و المرسلين
و على اله و صحبه أجمعين .
في الوقت الذي تسعى في المجتمعات و الثقافات جاهدة إلى الانعتاق و التحرر من التبعية و الاستعمار الثقافي ، والهوياتي ، انطلاقا مما أفرزته العولمة و الأنظمة الرأسمالية و الامبريالية من تغيرات سوسيواجتماعية و ثقافية غيرت من قيم المجتمعات وقضت على تضامنهم الآلي ، لتحل الفردانية والبراكماتية ، لتطفو المصالح على بحر الحياة الاجتماعية الغير مستقر والهائج دوما ، حيث يصعب بمكان على أي سفينة ثقافية الرصو فيه إن لم تكن لديها أشرعة قوية ، وإلا سيجرفها التيار حتما.
واقعنا الاجتماعي و الثقافي و الرمزي اليوم شهد مجموعة من المتغيرات الخطيرة التي أثرت في مختلف اللبنات والأسس الأولية للبناء الثقافي و الهوياتي ، ونخص بالذكر هنا مؤسساتنا الاجتماعية المتمحورة أساسا في الأسرة ثم المدرسة ،والمجتمع كوعاء جامع ومفرز لنتائج التفاعل ، ليتشكل لنا في النهاية فضاء عام غير مستقر على انمودج بعينه بل قابل للتحول و التغير دوما.على ضوء ما سلف دعونا نساءل الحراك الاجتماعي و الثوري الذي شهدته شعوب شمال إفريقيا والشرق الأوسط ، فما موقع الدفاع عن الهوية و الثقافة من هذا الحراك؟ ، أين تتجلى مظاهر إثارة إشكال الهوية و الثقافة ؟، على أية معايير وعلى أية أسس؟
كإجابة على هذه التساؤلات نجد  عالم الاجتماع التونسي د.محمود الذوادي  يعتبر أن ما غفلت عنه ثوارات الربيع الديمقراطي هو رفع مطالب ترد الاعتبار للثقافة و الهوية ،حيث بقيت المطالب منحصرة في ماهو سياسي و اجتماعي لكن لم تنتقل لما هو ثقافي حيث أن الوضع الثقافي لا زال هو هو ، وهنا يطرح الذوادي إشكال اللغة كعنصر أساسي للتحليل حيث اعتبر أن شعوب شمال إفريقيا لا زالت مستلبة لغويا حيث لغة المستعمر لا زالت متغلغلة في البنيات الرسمية لهذه البلدان لتنتقل بذلك إلى الاجتماعي و الثقافي وتخلق استعمارا أشد خطورة وهو الاستعمار الثقافي .
إن الاستعمار الثقافي هو اخطر أنواع الاستعمار فهو يهدف إلى احتلال العقل في وقت تكون فيه الثقافة الذاتية لبلد ما على أدنى مستوياتها (لأسباب مختلفة)
الاستعمار الثقافي لا يحتاج إلى الأسلحة التقليدية ولكنه – ربما يحتاج حاليا – إلى التكنولوجيا المتقدمة والعلم  والاتصالات الحديثة.
الاستعمار الثقافي على عكس الاستعمار العسكري يحتاج إلى زمن ليس بالقصير لتحقيق الأهداف المرجوة منه  لأنه ينخر بطيئا في عقول الناس وخاصة عقول من يقال عنهم (المثقفون) لأنهم لبنة الثقافة ويصبح هؤلاء هم المروج لثقافة المستعمر.
أسوء أنواع الاستعمار الثقافي هو بث الأفكار المتخلفة والهدامة وإثارة الفتن والنعرات الدينية و الطائفية والمذهبية وتشجيع أي فكر يدعو إلى عدم الاستقرار واستمرار الفوضوية وقتل أي أفكار تدعو للعلم والتعلم والتحرر والتقدم والرقي.
كل دولنا العربية الآن واقعة تحت الاستعمار الثقافي – شئنا آم أبينا – وكثير من الوقائع الاجتماعية تؤكد و تدل على هذا .
فعلى سبيل المثال لا الحصر ما يشهده مجتمعنا المغربي من تحولات على مستوى القيم و الأخلاق ، وفقدان خصوصيات التضامن الاجتماعي و العائلي ، وطغيان الاستهلاك التفاخري و الفردانية المتوحشة ، ثم كثرة الجرائم الخطيرة منها في مناطق التضامن الآلي ناهيك عن التحولات المؤسفة التي شهدتها مؤسسة الأسرة ، والتغير الفجائي الذي طرأ على أساليب التنشئة  ، و الأدهى من هذا معايير تشكل هاته المؤسسة التي انقلبت المعايير و الأعراف في تشكلها لتلبس حلة جديدة ناسخة في ابعد الحدود أنموذج الزواج الغربي ، فأصبحت مؤسساتنا التعليمية اليوم خصوصا في المرحلة الثانوية و الجامعية تعج بالعلاقات العاطفية الحالمة ، ولا يقتصر الأمر هنا بل الفضاء العام نفسه يشهد ممارسات شبه جنسية أمام مرأى الجميع دون تحريك ساكن ضبطي لما يقع ، أو ثقافة مضادة . وأمام تفاقم العزوف عن الزواج وصعوبة العيش والاستلاب الثقافي أصبح الكل يطبع مع هذا الوضع ولا إشكال في علاقات تخرج عن نطاق المسموح به ثقافيا أو مرجعيا، ومن يدري ربما يمكن التمرد في أفق بناء ثقافي جديد ، حيث أضحى التنازل الثقافي ، وقتل الثقافة و الهوية أمرا عاديا في ظل انهيار جدار الدفاع و الصد المحلي أمام قوة صدام الثقافة الدخيلة.
في منحى آخر تعبر أزمة التعليم التي يتخبط فيها التعليم المغربي عن شكل آخر من أشكال الاستلاب الفكري و العلمي الذي لم يجد لنفسه وحتى الساعة مخرجا من الأزمة وذلك باعتراف أعلى السلطات في البلاد ، ومن بين المشكلات التي لازالت تخلق القلق لدى الطلبة هو إشكال لغة التدريس حيث التدريس باللغة العربية في المرحلة الابتدائية والثانوية لتنقلب الأمور في المرحلة الجامعية باللغة الفرنسية ، الأمر الذي يشكل عائقا و عبئا بل خللا وظيفيا من داخل النسق التعليمي ، أما على المستوى السياسي فان كانت اللغة الرسمية للبلاد هي العربية و الامازيغية فحضور هاتين الأخيرتين من داخل النسق الإداري و المعاملاتي يبقى شبه غائبا تماما ، ليطغى في النهاية الرأسمال الثقافي اللغوي الفرنسي ليؤكد لنا من جديد أننا شعب لم يتحرر  بعد . شعب فاقد لرأسماله الرمزي يتكلم بما لا تفهمه ثقافته ، منسلخ عن جذوره و لبناته ، كل هذا ساهم في تكريس الهشاشة الهوياتية و الثقافية ، فأصبحنا وعاءا دون محتوى تخترقه ثقافات متناقضة على مدار الساعة .إننا بحاجة إذن إلى ثورة ثقافية و هوياتية لننحت موافقات و مواضعات قوية قادرة على صد الثقافات الدخيلة .
عبدالعالي الصغيري
طالب في السوسيولوجيا







***ليلة السابع والعشرين من رمضان عند المغاربة***

عبدالعالي الصغيري
26 رمضان 1434/04 غشت2013
05:07
***ليلة السابع والعشرين من رمضان عند المغاربة***
يحتفل المغاربة منذ عقود بليلة السابع والعشرين من رمضان، اعتقادا منهم بأنها ليلة القدر حسب اجتهادات الفقهاء والعلماء والمحدثين المالكيين، رغم أن وقتها بالذات غير محدد أو معلن تشجيعا وترغيبا للمسلمين في العمل المضاعف من الطاعات والعبادات في العشر الأواخر من رمضان، لما لهذه العشر من فضل وأجر في الشريعة الإسلامية، والقيمة التي كان يوليها الرسول صلى الله عليه وسلم لها، حيث كان يوقظ أهله ويشد مئزره ويعتكف في المساجد، كما أن قيمة الأيام العشر، سواء الأيام الأولى من ذي الحجة أو العشر الأواخر من رمضان تجد دلالاتها وعمق تجدرها في التمثل الاجتماعي والثقافي وهذا ما يؤكده الخطاب الشفهي في تبادل التهاني بقول "عواشر مبروكة" نسبة إلى الأيام العشر.
إذا كان ما ذكرناه سالفا ينجلي معه الشك لعلو مقياس التقديس والتعظيم للأيام العشر بما أوجب ذلك الشرع وأقره، فكيف يحتفي المغاربة بهذه الأيام وما العمق الثقافي والديني الذي تكتسيه ليلة السابع والعشرين(الفضيلة) من كل رمضان؟
"ها البخور، ها الجاوي، ها صالبان، ها المسك ها العنبر..." عندما تقترب هذه الليلة تجد أن المحلات التجارية اغرورقت بطبخات المقدس ولا تسمع أنذاك سوى تلك العبارات السحرية التي تقحمك في عالم من الروحانيات، وليس غريب على المغاربة اقتناء هذه الطبخات أو الوصفات الروحية ما دامت قد اختلطت بعمقهم الثقافي في أساطير الجن و"الارياح" و"الشوافة" والسحر...، فـ"البخور" كان ولا زال تلك الوصافة السحرية التي تطرد العين والسحر، فتجده في طقوس الفرح والحزن، الزواج والجنائز بل حتى لمن أراد الحصول على وظيفة ..." وجدو الجمر والبخور وبخروا الدار كاملة وحتى الزقاق، وجدو الحنة... هذا ما يقع وسيقع اليوم في كثير من مناطق المغرب ونحن مقبلين على ليلة السابع والعشرين من رمضان، إنه يوم عيد، إنه يوم التسامح وإفشاء السلام الذي قد يغيب في الأيام العادية لكنه يحضر في "العواشر" بقوة إلى حد العناق و "الربعة" كما هو عند أهل الجنوب الشرقي الجرف نموذجا" . وي كأن جدارا يمنع الحميمية وإفشاء السلام في باقي الأيام.
إن هذا اليوم لا ينساه الأطفال أبدا، كيف ينسونه وهم يحملون فوق "العمارية" في الخيم المنصوبة هنا وهناك، كيف ينسونه وهم عرائس وعرسان يلوحون بأيدهم في السماء يطيرون من شدة الفرح والاندهاش لما يقع حولهم رغم أنهم قد لا يفهمون شيئا، إنها وكما عبرنا في مقال سابق تنشئة على الزواج تتكلل بواقع العزوف عنه اليوم . في سياق آخر يأخذ الطبخ هو الآخر حصته الثقافية، حيث تخصص لهذه الليلة مأكولات خاصة كما هو الحال في منطقتنا " كسكسوا بسبع خضاري".

لا شك أن لهذا كله قيمته الثقافية والإنسانية لدى المغاربة، لما يحملونه من معتقدات وقيم، تربوا ونشئوا عليها وقلدوا البعض منها، فأصبحت جزءا لا يتجزأ من كيانهم الثقافي. لكن ذلك لا يمنع من القول بضرورة تصحيح المسار الثقافي وجعله ملائما لما جاء به الإسلام من مقاصد في العبادات.
لقد شرع الإسلام الصيام في شهر رمضان لما له من مقاصد وفوائد روحية واجتماعية وصحية، فهو يعود على الصبر ويقوي عليه،ويعلم ضبط النفس، ويوجد في النفس ملكة التقوى، والصوم يعود الأمة النظام والاتحاد، وحب العدل والمساواة ويكون في المؤمنين عاطفة الرحمة وخلق الإحسان كما يصون المجتمع من الشرور والمفاسد، والصيام أيضا مطهر للأمعاء ومنظف للبدن من الفضلات والرواسب، ومخفف من وطأة السمن وثقل البطن بالشحم وفي الحديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم"صوموا تصحوا"[1]. وحري بالذكر القول بأن ليلة القدر لم تحدد بالضبط في ليلة السابع والعشرين من رمضان، بل يجب تحريها في العشر الأواخر من رمضان ،قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :« تحروا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان»[2]، وعن عبد الله بن أنيس أنه قال: «يا رسول الله، أخبرني في أي ليلة تبتغى فيها ليلة القدر. فقال: "لولا أن يترك الناس الصلاة إلا تلك الليلة لأخبرتك[3].
وذكر تعالى أن هذه الليلة ليلة مباركة تقدر فيها الآجال والأرزاق وحوادث العام، وذلك في قوله تعالى " إنَّا أنْزَلنَاهُ فِي ليْلةٍ مُبَاركةٍ إنَّا كنَّا مُنْذرينَ* فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أمْر حَكيم* أمرا من عندنا إنا كنا مرسلين*رحمة من ربك إنه هو السميع العليم" الدخان:3-6.  وسبب تسميتها بليلة القدر قال النووي: "وسميت ليلة القدر، أي ليلة الحكم والفصل". وهذا هو الصحيح المشهور. والعمل الصالح فيها مضاعف وفيها ساعة يستجاب الدعاء فيها لذلك كان النبي صلى الله علية وسلم يحرص على الاعتكاف ويكثر من التعبد في العشر الآواخر من رمضان قال تعالى "لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ" العبادة في هذه الليلة خير من عبادة ألف شهر يعني ثلاثة وثمانين سنة و أربعة أشهرتقريباً، فيها يغفر ما تقدم من الذنوب . والحكمة من اخفاءها كما قال ابن الجوزي: أن يتحقق اجتهاد الطالب،كما أخفيت ساعة الليل، وساعة الجمعة، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يجتهد في العشر ما لا يجتهد في غيره، كان يسهر ليله، ويحمل كله، فيشد مئزره ويقوم الليل كله[4].
لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يحيي ليلة القدر بقيامها فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال" من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه" متفق عليه. وقيامها : إنما هو إحياءها بالتهجد فيها والصلاة.وقد أمر عليه السلام عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها بالدعاء أيضا.. وقد قال الشعبي في ليلة القدر : ليلها كنهارها، وهو ما ذهب إليه الشافعي في قوله: استحب أن يكون اجتهاده في نهارها كاجتهاده في ليلها، وهذا يقتضي استحباب الاجتهاد في جميع زمان العشر الأواخر ليله ونهاره والله أعلم[5].
إن المستحب في ليلة القدر هو الإكثار من الدعاء في جميع الأوقات، بقول هذا الدعاء المأثور" اللهم إنك عفو تحب العفو فاعفوا عني" لما رواه الإمام أحمد أن عائشة رضي الله عنها قالت: يا رسول الله، إن وافقت ليلة القدر فبم أدعوا؟قال:"قولي: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعفوا عني"[6](رواه أحمد وأهل السنن، وقال الترمذي:حسن صحيح). وقال إبن رجب:" وإنما أمر بسؤال العفو في ليلة القدر بعد الاجتهاد في الأعمال فيها وفي ليالي العشر، لأن العارفين يجتهدون في الأعمال، ثم لا يرون لأنفسهم عملا صالحا، ولا حالا، ولا مقالا، فيرجعون إلى سؤال العفو كحال المذنب المقصر).وقال يحيى بن معاذ: ليس بعارف من لم يكن غاية أمله من الله العفو[7].
خاتمة:
هكذا إذن فإن مدعاة أخذ العبادات بمقاصدها وعمق تجلياتها هو المدخل الرئيس والأساس لعبادة الله حق عبادته، مصداقا لقوله تعالى "إنما يخشى الله من عباده العلماء" أم غير ذلك من الطقوس والعادات التي لا تصح من الدين في شيء يجب القطع معها من أجل ترشيد التدين، ولنا في الشريعة الإسلامية ما هو جامع ومانع، كما يجب ترشيد ثقافتنا وعاداتنا بما يوافق الكتاب والسنة .فاللهم إنك عفو تحب العفو فاعفوا عنا".
عبدالعالي الصغيري
25 رمضان 1434/04غشت2013

 







[1] أبوا بكر جابر الجزائري، منهاج المسلم،الطبعة الأولى،مطبعة إيدسوفت،1425هـ/2005م.ص198،199.
[2] رواه البخاري في صحيحه عن عائشة بنت أبي بكر ، رقم: 2020
[3]  كتاب ليلة القدر، ص49.
[4] التبصرة:6/104.
[5] لطائف المعارف:ص277-278
[6] تفسير ابن كثير
[7] القسم العلمي بمدار الوطن، ليلة القدر خير من ألف شهر، دار الوطن للنشر، ص15.

عيد الأضحى المبارك: إطلالة على أجواء العيد عند المغاربة

عيد الأضحى المبارك: إطلالة على أجواء العيد عند المغاربة.

عبدالعالي الصغيري

مكناس في 14/10/2013  الموافق ل09 ذي الحجة1434 هـ

الساعة 13:38.


مع اقتراب حلول عيد الأضحى المبارك وبالضبط عند مطلع العشر الأوائل من ذي الحجة ينسج المغاربة مخيالا ثقافيا خاصا بهم في تصورهم وتمثلهم لهذه المناسبة الدينية التي تختلط فيها عدة عادات وتقاليد واحتفالات انقرض البعض منها والبعض الآخر لا زال صامدا، ولا طالما كان لعيد الأضحى أو "العيد الكبير" كما يحلو للمغاربة تسميته طابع خاص في قلوب الصغار قبل الكبار، فتعالوا بنا نسبح قليلا في بحر المخيال الثقافي لعيد الأضحى لدى المغاربة.
لا شك أن أبرز حاضر وبلا منازع في صلب هذا المخيال هو خروف العيد الذي يأخذ حصة وافرة من التفكير خاصة عند الفقراء والمساكين من الأسر الذين يسعون جاهدين إلى اقتناء أضحية العيد، ولو تطلب الأمر بيع بعض من الأثاث المنزلي، أو حتى لدى الأسر الميسورة التي لا غنى لها عن الواجب الشرعي، ولعل ما يجمع ويساوي هذه الأسر في هذه المناسبة هم الأطفال الذين يفرحون أشد الفرح بخروف العيد كيف لا وقد تمت برمجة مخيلتهم عند كل عيد بلمس الخروف والركوب فوقه تارة والتسلي به، لذلك تجدهم في الأحياء والأزقة يتسارعون ويهتفون بفرح وسرور كلما رأو أحدا قد اقتنى خروفا ويدخله لمنزله هاتفين بعبارة " مبروك أعمي، مبروك أخلتي" .
وبينما الصغار منهمكين في عالمهم الجميل هذا فإن الكبار تشغلهم أمور أخرى اكثر تعقيدا وعمقا من الناحية الثقافية، فاغلب ربات البيوت ينغمسن عند هذه المناسبة في وضع مقاسات معينة خاصة لعل أبرزها تفريش الصالون " أو بيت الضياف" وقد يتطلب منها ذلك في بعض الأحيان كراء بعض المزينات والمحسنات حتى يبدو المكان في أبهى حلة، كيف لا وأن الزيارات المتتالية تأخذ حصتها الوافرة في هذه الأيام لتبادل التهاني بين الجيران والأقارب، كما تتنافس ربات البيوت في وضع أفضل وأجود الحلويات وبأشكال وأنواع متعددة ومكلفة. والعجيب هو تقلد ربة البيت لدور الشرطي في احترام نظافة المكان وتنظيمه حتى لا ياخذ الزائر نظرة سلببية عنها او عن البيت، إنه حرص ودفاع عن المجال وفق ما تمليه ظواهر الوعي الثقافية لدى المغاربة ولو تطلب الأمر استهلاكا تفاخريا.

أما الأباء أو الذكور الكبار فينغمسون في إعداد مكان وآليات النحر وهنا يصبح الجميع ممتهن لحرفة الجزارة ولو ليوم واحد أو يومين، وقبل هذا فإن شراء أضحية العيد لا يتم دون معاني ثقافية ، ففي السوق أبعاد ودلالات ثقافية ورموز بين الباعة والمشترون، خاصة تلك التي تستعمل للدلالة على جودة الخروف وسلامته، أكثر من ذلك انتماءه المجالي والعلف المستعمل في إطعامه...كما تظهر بعض الحرف الموسمية التي يمتهنها بعض الشبان هروبا من شبح البطالة، كبيع مادة الفحم داخل مرائب و محلات عرف عنها أنها لا تفتح أبوابها إلا بحلول مناسبة معينة (الدخول المدرسي، شهر رمضان، عيد الفطر، فصل الصيف…) أو على مثن شاحنات تقوم بجلب هذه المادة التي يزداد الإقبال عليها من مناطق سهل الغرب، و منهم من يتحول إلى بائع للأدوات المنزلية الأكثر استعمالا خلال هذه المناسبة كالسكاكين و السواطير و القضبان الحديدية و المشاوي سواء من خلال تأثيث عربات مدفوعة بهذه الأدوات أو وضعها فوق “فراشات” داخل الأسواق اليومية للمدينة، بل و من هؤلاء الشبان من يتحول إلى تاجر للمواد العلفية كالتبن و قشور الجلبان اليابسة (جلبانة) و نبات الفصة فتراهم يصارعون الزمن لبيع أكبر كمية من هذه المواد لتحصيل هامش معقول من الربح يجعلهم في غنى عن مساعدات الآخرين.

                                 

إن عيد الأضحى  يبدو أكثر وقعا في نفوس الفقراء والفئات المسحوقة اجتماعيا على الأقل في جوانبه المادية، حيث يفرح الصغار أشد الفرح بملابسهم الجديدة التي قد يتكبد الاباء عناء شرائها أو بعض الجمعيات والمحسنين الذين تكون يدهم طولى لادخال البهجة والسرور عليهم، ونفس الشيء يمكن قوله عن أضحية العيد التي تتكفل بشرائها بعض الجمعيات والمحسنون لبعض الأسر الفقيرة والمهمشة والتي لا طاقة لها من الناحية المادية، وإن كان هذا يساعدهم في أداء واجبهم الشرعي فهو يخرجهم ولو موسميا من طيات وكتمان النسيان والحرمان الإجتماعي، لذلك فالعيد بالنسبة لهم يكون أعياد أضعافا مضاعفة ولعل هذا ما يميز المغاربة عبر تضامنهم اللامشروط في هكذا مناسبات، ليتساوى الفقير والغني في تناول اللحم والكباب أو "الشوى" كما يحلوا للمغاربة تسميته طبعا.

 

في هذه المناسبة وكغيرها من المناسبات الدينية ينكسر جدار الصمت الذي خيم طويلا بين الجيران وأهل الحي وبين الأقارب، ليتم تبادل الزيارات والتهاني والتبريكات بحلول هذه المناسبة، وكأن القلوب تحيى من جديد وتصبح أكثر صفاء،  فتسود قيم التصالح والتعاون والتآزر، ويتم تغييب الفوارق الطبقية، تطغى الانسانية والإثار بدل الفردانية، ويعود الحنين بقوة إلى تلك البنيات التقليدية المنبنية على حسن الجوار والتضامن بعدما غيبتها ثقافة الرأسمال والفردانية وثقافة "دخول سوق راسك، سبق الميم ترتاح وهلم من الثقافات المدمرة لقيم التضامن والتآزر. وهذا ما يميز هذه الأيام من خلال إعادة إحياء المتاقسم والمشترك إجتماعيا، ثقافيا، رمزيا وروحيا.

 

في صبيحة عيد الأضحى وبعد أداء صلاة العيد يتجمهر جموع المصلين الوافدين من جميع الأحياء للوقوف عند شارة الإنطلاقة في عملية النحر التي يدشنها إمام المصلين، وهكذا تنطلق العملية في جو يسوده الفرح والسرور، فتغزى سطوح المنازل بالناس ويتم تبادل التهاني من فوق الأسطح فتنسج شبكات من التهاني تعبر عن لحمة المجتمع وتضامن يستمر للحظات، لتحضر آلات التصوير مع آخر لحظات خروف العيد، ليتم النحر وتبدأ الزيارات ويعيش الجميع في لحظات تفرض نفسها و تشفي الغليل الثقافي والروحي في مجتمع مزيج يجمع بين شتى المتناقضات ويدبر الاختلافات والفروقات بشكل أوتوماتيكي تحركه مثل هكذا مناسبات.

 

 

عبدالعالي الصغيري

مكناس في 14/10/2013  الموافق ل09 ذي الحجة1434 هـ

الساعة 13:38.