الثلاثاء، 12 نوفمبر 2013

آثار الأفلام المد بلجة على الأسرة المغربية *الواقع و المآل*

آثار الأفلام المد بلجة على الأسرة المغربية *الواقع و المآل*
لا طالما شكلت مؤسسة الأسرة وعاء اجتماعيا تتفاعل فيه خلطات متنوعة تنتج لنا في كل مرة قوالب ومعايير معينة تشكل أنموذجا  لاستشراب القوانين المنظمة للبنى الاجتماعية وتنشئة الذات الإنسانية وفق ما تحدده المعايير الثقافية ، هذه الأخيرة التي تتداخل فيها عدة مستويات من التكوين والتشكل والتي تارة ما تكون متماسكة وتارة أخرى تصيبها الهشاشة . فعن أي ثقافة نتحدث في المجتمع المغربي ؟ وهل المجتمع المغربي يملك ثقافة ؟ هل هناك ثقافة أم ثقافات؟ هذا من جهة ، من جهة أخرى ، ما الأسرة المغربية ؟ هل هناك نموذج محدد يميز الأسرة المغربية ؟ بأي معنى يمكن الحديث عن التقليدانية و الحداثة أو المحافظة والمعاصرة بالنسبة للأسرة المغربية؟
من خلال هذا الطرح الأولي المليء بالكثير من التساءلات الجوهرية والممكنة في إطار محاولة فهم و تفسير قضية من القضايا التي تعيشها أسرتنا المغربية اليوم والتي عنوناها « الأفلام المدبلجة والاسرة »، واقع و مال ، يمكننا مساءلة هذا التحول والتغير في بنية الأسرة ،فانطلاقا من الملاحظات التي قمنا بها  ،  يتبين أننا أمام متغيرات ملموسة على مستوى الأدوار  والسلطة و القيم ، مستويات قد تسعفنا لفهم ما يجري اليوم .
مما لا يختلف فيه اثنان أن النقاش حول الأفلام المدبلجة من داخل المجتمع المغربي ليس وليد اليوم بقدر  تجدره و تغلغله في البنية الثقافية وفق  تقسيمات اجتماعية معينة ، إذ أنه وفي فترات معينة من مراحل تغير الأسرة المغربية كان ما يسمى « المسلسل المكسيكي » طابو من داخل بعض الأسر  وبعضها الأخر يشاهدها خلسة عن كبار البيت و العائلة وكانت آنذاك تعرض باللغة العربية الفصحى حيث كان عرضها منسجما مع وقت فراغ الأمهات و البنات من أشغال البيت ليجدن ملاذهن في ملء فراغهن في هكذا لاحظات تقحمهم في عالمم من الاحلام و الخيال لسيناريوهات تفنن صانعوها في الباسها حلة وقوالب معينة لأشكال بناء الأسرة و الزواج في النموذج الغربي، الأمر الذي بدأ يقتحم شيئا فشيئا عالمنا الاجتماعي الذي لم يتعود على مثل هذا البناء في أشكال تشكل العلاقات الحميمية التي كانت لا تخرج عن المباركة الأبوية والاجتماعية في غالب الأحيان.
أضحينا اذن أمام نقلة شاملة وعميقة للثقافة و الاعراف و التقاليد التي لم تعد قادرة على الثبات و المقاومة او الصد ، تنازلات ثقافية بالجملة ،غيرت معالم هويتنا ، غيرت قيم التضامن الاجتماعي ، بين الاقارب ،أهل الحي ، والأصدقاء ، فلما كانت الجموع أو التجمعات سواء داخل الاسرة أو في كنف العائلة ، تتم في جو حميمي ، علمي معرفي وأدبي ، حيث القصة و المسرح ، الروايات و مدارسة القرآن و الآحاديث النبوية الشريفة ، لما كان يتربع كبار السن على كرسي تدبير و تسيير الجلسات العائلية أو الاسرية ، يحكون تجاربهم في الحياة ، مغامراتهم ، وكيف تجاوزوا الفترات العصيبة ومعاناتهم في ذلك ، يقدمون لمن هم في مقتبل العمر دروسا و عبر ، نصائح و حكم قد تسعفهم لعدم تكرار نفس الاخطاء التي وقعوا فيها منبيهين إياهم للطرق المختصرة المؤدية للنجاح حتى لا يكرروا تجاربا قضوا فيها هم سنين عتيا حتى وصلوا الى ما وصلوا إليه من بناء أسرهم و تغلبهم على عقبات الحياة العصيبة .
واقع الحال اليوم في مجتمع الاسرة لا يكاد يبشر بخير ، نظرا للتفكك الحاصل على مستوى التغير القيمي ، علاقات الاباء بالأبناء و العكس ، ثم تعدد وسائل وأساليب التنشئة الاجتماعية ، ونخص بالذكر هنا وسائل الاعلام هذا الدخيل الذي أفسد أسرنا أكثر مما أصلحها ،أقبرها في تمرير اللاثقافة و اللاوعي ، وطفى بها في بحر الأحلام والخيال البعيد كل البعد عن واقعنا السوسيوثقافي ، لينتج و على وجه السرعة ما يمرر في الاعلام على أرض واقعنا ، من تقمص ومحاكاة لمن يقدمهم الاعلام و للأسف أنهم ناجحون في الحياة أويعيشون السعادة ، وأي سعادة تلك و أي نجاح ذاك ، هل النجاح المادي و الغنى نجاح ،وهل جمال المرأة وشكل لباسها أو مظهرها نجاح ، أم أن نجوم السينما أو كرة القدم ، والمغنون هم الناجحون ، وهل هي فعلا قوالب و نماذج لتحقيق السعادة وعن أي سعادة يمكن الحديث هل سعادة هذا العالم أم العالم الآخر  للإنسان المسلم .
وكم يعجب الانسان للمتشدقين بالمدافعة عن حقوق المرأة وحريتها ، وهم لا يعرفون عن المرأة شيئا ، لا يعرفون كيف كرمها الاسلام ،و حفظ حقوقها وصان كرامتها ، لا يعرفون أن صلاح المجتمع رهين بصلاح المرأة ، لا يعرفون مقولة «  الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعبا طيب الاعراق »، لكنهم دافعوا عن انحلالها وجعولها ماركة مسجلة للتبضع ، وخلقوا منها ديكورات اقتصادية ،سياسية ، وسياحية ،حتى أضحت عنصرا ثانويا من داخل المجتمع ، فمتى كانت المرأة هكذا ، متى كانت المرأة تجمع أطفالها الصغار حولها لمشاهدة فيلم مدبلج ، يدنس ذاكرتهم وعقولهم بثقافات دخيلة ، يصعب محوها لديهم وفقا لمقولة « التعليم في الصغر كالنقش على الحجر » ، ومتى كانت التلميذات و التلاميذ من داخل مؤسساتنا التعليمية يتبادلنا القبل أمام مرأى الجميع دون أن يحرك أحدهم ساكنا ، ومن أحدهم هذا ليتجرأ فلربما قد يلقى حتفه ( في محاولة تغيير المنكر) ، فما الذي علمه الفيلم المدبلج لأطفالنا و شبابنا و شباتنا سوى  هذا أو أكثر من هذا ، علمهم أن التلميذ المشاغب هو المحبوب عند الفتيات ، علمهم أن  الخروج عن طاعة الاستاذ هي الرجولة ، علمهم وعلمهن مقارعة الاباء و الامهات في الاخلاق و الحرية وأي حرية تلك وأي أخلاق، مقارعة أنتجت ضبابا كاحلا حول ما هو كائن أو ما ينبغي أن يكون ، بين « ولاد البارح و لاد اليوم » فمن يتحمل المسؤولية في هذا كله ، هل يمكن ارجاع ذلك لغياب ثقافة النقد و طغيان ثقافة الاستهلاك ، ولماذا تجرفنا التيارت و الفياضنات الثقافية الدخيلة دوما ، ومتى يكون لنا أساس و بنيان ثقافي متين نعول عليه .
عبدالعالي الصغيري





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق