يأتي الحديث عن هذا الموضوع ردا على من يعتبر أن الدين
الإسلامي يشكل عائقا أمام المعرفة العلمية العقلية كما هو الحال في القرون الوسطى
بأوربا حيث كانت الكنيسة تشكل عائقا أمام تقدم العلوم والمعارف، فهل من المعقول
مقارنة كنيسة عصر الظلمات بأوربا بما جاء به الإسلام، خصوصا في هذه المرحلة التي
عرفت فيها المجتمعات الإسلامية ازدهارا علميا؟ وبأي معنى يمكن ربط تخلف الدول
الإسلامية اليوم بتفكيرهم الديني؟ وإلى أي حد لا تنسجم المفاهيم الدينية التي جاء
بها الاسلام مع المفاهيم العلمية؟
لقد اعتنى الاسلام بالعقل وقلده مكان
الريادة، وأعلى من مكانته وقيمته ، ويحفل به وبوسائل الإدراك- عامة- ويشير
د. القرضاوي إلى أن العقل هو المنحة الكبرى للإنسان، لذا كان تحريره من كل ألوان
الأسر والرق والحجر عليه والحجب عن التفكير الحر، والتعلم المستقل، والبحث الدؤوب،
هو من أعظم ما دعا إليه الإسلام في كتابه وسنة نبيه وفي أصوله الفكرية والدينية. فالإسلام حرر العقل من أسر الخرافات والأباطيل، وكثيرًا ما دعا القرآن
المسلمين خاصة وأهل الأديان عامة إلى أن يجعلوا البرهان العقلي اليقيني هو الحكم
بينهم فيما يختلفون فيه من أمور.كذلك حرر العقل من أسر
التقليد سواء كان اتباعًا للآباء أو السادة والكبراء أو حتى سلطان الأساتذة
والشيوخ، فضلاً عن اتباع العامة، وهو ما حذر منه نبي الإسلام محمد (صلى الله عليه
وسلم) بقوله "لا تكونوا إمعة، تقولون إن أحسن الناس أحسنا وإن ظلموا ظلمنا،
ولكن وطّنوا أنفسكم، إن أحسن الناس أن تحسنوا، وإن أساؤوا فلا تظلموا".
كما حث الإسلام على النظر في الكون بأرضه وسماواته ومخلوقاته.. ليس لمجرد النظر ولكنه نظر العقل المفكر المتأمل المتدبر، لذا كان للعلماء مكانة لا تساويهم بغيرهم "قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون" (الزمر: الآية 9).
كما حث الإسلام على النظر في الكون بأرضه وسماواته ومخلوقاته.. ليس لمجرد النظر ولكنه نظر العقل المفكر المتأمل المتدبر، لذا كان للعلماء مكانة لا تساويهم بغيرهم "قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون" (الزمر: الآية 9).
في هذا السياق يمكن الحديث عن ثنائية العقل النقل فهناك من يعترف
بالعقل وحده مصدرًا للمعرفة، ولا يعترف بمصدر سواه، ومنهم من لا يعترف إلا بالنقل
أو الوحي مصدرًا للمعرفة والحقائق كلها ولا يعترف بمصدر آخر.
ومنهم المتوسطون الذين يجعلون لكل منهما سلطانًا ومجالاً يصول فيه
ولا يجور على سلطان الآخر، وذلك من أبرز معالم المنهج الوسط للأمة الوسط، الموازنة
بين العقل والنقل، أي بين أفكار العقل الإنساني ونصوص الوحي الرباني. وما يميز هؤلاء هو أنهم وضعوا الضوابط المنهجية للتعامل مع النصوص
الدينية، والتي من شأنها أن تقيم توازنًا بين النظرة العقلية والنظرة النقلية بلا
طغيان ولا إخسار، من مثل أنه لا تعارض بين عقل صريح ونقل صحيح، ووصل النصوص
الجزئية بالمقاصد الكلية، وفهم السنة في ضوء القرآن.. وغيرها من الضوابط المعتبرة.
ويقول د. أحمد رشاد حسنين في مقال له بعنوان المنهج
الإسلامي والتفكير العلمي أن شمولية المنهج الإسلامي ومنطقية عقيدته التي تستلزم ـ
أن تكون مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالعقل البشري مناقشة وبحثًا وتمحيصًا من خلال كل
ما يقع في محيطه من ظواهر وموجودات، ولعل طبيعة الإسلام في دعوته هذه جعلته
بالضرورة يرسي قواعد ثابتة هي في حقيقتها، ومن
أهمها ما يلي:
1 ـ دعوة القرآن إلى التفكير
والتدبر والبحث في مظاهر الخلق والموجودات في السماء والأرض، ووضوح هذه الدعوة
بصورة مكثفة في القرآن ـ دفعت بعض الباحثين إلى اعتبار التفكير فريضة اسلامية.
2ـ التعويل على دور اليقينية العلمية التي لا يمكن
أن تتحقق إلا بمنهج التجربة ذات البرهان الحسي.
3ـ وحدة الإنسان مع محيطه وفي واقعه.
4 ـ تساوي الوحدات النوعية للأشياء في الأهمية واليقينية العلمية.
3ـ وحدة الإنسان مع محيطه وفي واقعه.
4 ـ تساوي الوحدات النوعية للأشياء في الأهمية واليقينية العلمية.
ولم يكتف المنهج الإسلامي
بهذا بل فرض ودعا إلى تهيئة المناخ لانطلاق العقل البشري وإزالة كل العوائق أمام
التقدم العلمي وغيره من صور التقدم الإنساني، ونذكر من ذلك:
1 ـ تحرير الإنسان من كافة أشكال العبودية.
2ـ الدعوة إلى طلب العلم والحث عليه.
3ـ بيان فضل العلم والعلماء وإعلاء منزلتهم.
4ـ التحذير من كافة أشكال الخيانة العلمية سواء بالكتمان والإخفاء، أو التشويه: بالتدليس والتزوير والقطع، أو بالادّعاء مما ليس من العلم.
1 ـ تحرير الإنسان من كافة أشكال العبودية.
2ـ الدعوة إلى طلب العلم والحث عليه.
3ـ بيان فضل العلم والعلماء وإعلاء منزلتهم.
4ـ التحذير من كافة أشكال الخيانة العلمية سواء بالكتمان والإخفاء، أو التشويه: بالتدليس والتزوير والقطع، أو بالادّعاء مما ليس من العلم.
ولعل من نافلة القول أن نذكّر
بأن قضية التقاء الدين بالعلم قد فاض فيها البحث وكثرت بشأنها البراهين من قبل
كثير من الباحثين والعلماء ومفكري الأديان من الشرق والغرب وقد ذكروا ما يصعب حصره
من الحقائق العلمية التي تدور في دائرة الدين، وتردّ في نفس الوقت على مزاعم
ودعاوى كل أصحاب الاتجاهات اللادينية، وفي هذا الإطار أبرز الباحثون والعلماء
المسلمون قضية إعجاز الإشارات القرآنية، وصحح بعضهم طريقة السير في هذا الاتجاه
وما ينطوي عليه من مخاطر حينما أكدوا أن آيات القرآن وخاصة الكونية منها إنما هي
مصدر أساسي ومحك رئيسي للحكم على صدق الحقائق العلمية من عدمه وليس العكس.
من هنا يتبين أن الإسلام
كرم العقل والفكر وأشاد بأولى الألباب والنهى، ودعا إلى النظر والتفكر، وحرض على
التعقل والتدبر، وقرأ الناس في كتابه: (أفلا تعقلون)، و(أفلا ينظرون)، و(لعلكم
تعقلون)، و(لعلكم تتفكرون)، و(أو لم ينظروا)، و(أو لم يتفكروا)، و(لآيات لقوم
يعقلون)، و(لآيات لقوم يتفكرون).
ومن أروع ما جاء في القرآن قوله: (قل إنما أعظكم بواحدة، أن تقوموا
لله مثنى وفرادى ثم تتفكروا). ومعناه: أنه لا يطلب منهم إلا خصلة واحدة، وهي أن
يتوجهوا بعقولهم وقلوبهم إلى الله الذي يؤمنون به، وبخالقيته للكون وتدبيره لأمره،
مخلصين في طلب الهداية إلى الحقيقة، بعيدا عن تأثير "العقل الجمعي"، وعن
الخوف من الناس أو المجاملة لهم، كل فرد مع صديقه ممن يثق به، ويطمئن إليه، أو
يفكر وحده، وهو معنى قوله: (مثنى وفرادى).
عبدالعالي الصغيري
21شتنبر2013 الساعة23:41
.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق